غداة الاجتماع الإقتصادي في القصر الجمهوري، كان الحدث البارز داخلياً أمس المحادثات التي بدأها المبعوث الفرنسي المكلف متابعة مقررات مؤتمر «سيدر» بيار دوكان، الذي التقى وزيري المال علي حسن خليل والاقتصاد منصور بطيش. وعلمت «الجمهورية» انه سيلتقي وفريق عمله الرئيس سعد الحريري عصر اليوم، في إطار جولته على المسؤولين اللبنانيين.
وأعلن دوكان بوضوح بعد لقاءَيه مع خليل وبطيش «إنّ سيدر لا يزال قائماً إذ إنه لا يوجد بند بطلان أو نهاية. فقد التزمنا في إطار سيدر ببرنامج استثمار يمتدّ على 12 عاماً. لم نقل إنّ المؤتمر موقت أو يمتدّ على 4 أو 5 سنوات. هذه هي المرحلة الأولى من برنامج الإنفاق الاستثماري. لذا، لم نقل إننا سنتوقف يوماً ما. علينا التقدم على الأصعدة الثلاثة كما ذكرت. لا يتعلّق الأمر فقط بالإصلاحات، الإصلاحات ضرورية ولكن يجب أيضاً إحراز تقدم على صعيد المشاريع. هناك برنامج استثماري واسع، أكرّر أنه يمتدّ على 12 سنة، ويجب تحديد الأولويات. وهذا ليس دور الأسرة الدولية. فهي لن تقوم بذلك بدلاً من السلطات اللبنانية. لقد علمت انّ بعض المشاريع انطلقت وبدأت تُحرز تقدّماً. اذاً، جواباً على السؤال أقول إنّ الأسرة الدولية مستعدة لمساعدة لبنان».
في ميزان الخبراء
الى ذلك، وبعد 24 ساعة على صدور مقررات اجتماع بعبدا الهادفة الى إنقاذ الوضعين المالي والاقتصادي، تراكمت قراءات خبراء الاقتصاد لأهمية هذه المقررات، وما إذا كانت كافية لإنجاز الإنقاذ المنشود. ومن خلال هذه القراءات يمكن استخلاص الملاحظات التالية:
أولاً - الاساس في أي مقررات اصلاحية هو التنفيذ وليس مجرد الاعلان، وبالتالي ينبغي الإنتظار للتأكّد مما اذا كان الوضع قد اختلف عن السابق عندما كانت تتخذ القرارات، وتناقش الخطط، وتبقى حبرا على ورق.
ثانياً - بعض المقررات توحي بأنها تحتاج الى وقت طويل للتنفيذ. والوضع المالي والاقتصادي لا يحتمل أي تأخير.
ثالثاً - انّ مشاريع الضرائب الجديدة لا تعتمد منهاج التصاعدية، وتقتصر على الضرائب غير المباشرة (ضريبة البنزين والـTVA) بما يجعلها ظالمة في حق الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
رابعاً - من دون ضرائب ورسوم جديدة لن تكون خطة خفض العجز في موازنة 2020 ممكنة، ما يعني انّ الضرائب «مضمونة»، لكن الاصلاحات هي موضع شك.
عون مرتاح
وفي هذه الأجواء كشفت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» ان تصريحات دوكان عقب لقاءاته الوزارية تركت ردات فعل ايجابية لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وقالت «ان أجواء الإرتياح مبررة ولها ما يعززها. وكان من الطبيعي ان تنعكس الإجراءات التي تقررت بداية في اللقاء الذي خصّص للوضع الإقتصادي بعد تطويق ذيول حادثة قبرشمون الذي عقد قبل اسابيع عدة في قصر بعبدا، معطوفة على نتائج لقاء رؤساء الكتل النيابة أمس الأول في بعبدا، بنحو ايجابي في القراءة الدولية الجدية، وخصوصاً لدى الدول التي شاركت في مؤتمر «سيدر 1»، وهو ما يعكسه دوكان في تصريحاته الآن في بيروت.
وعلمت «الجمهورية» انّ دوكان لم يطلب بعد اي موعد للقاء رئيس الجمهورية. وقالت مصادر مطلعة ان عون يتابع اتصالاته بعيداً من الأضواء لتطبيق ما اتخذ من قرارات، وهو على تواصل مستمر مع رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري لترجمتها وتحويلها أمراً واقعاً، لافتاً الى «انّ استعادة ثقة المجتمع الدولي بقدرة لبنان على تجاوز المصاعب الإقتصادية يشكّل اقصر الطرق الى تعزيز توجه هذه الدول والمؤسسات المانحة، وتلك التي تراقب الوضع في لبنان وتسعى الى دعمه».
وعُلم انّ عون يتابع نتائج زيارة دوكان للبنان أولاً بأول، وهو لهذه الغاية تلقى تقريراً مفصّلاً عن اللقاء الذي جمعه مع وزير الإقتصاد.
«القوات»
في غضون ذلك، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية «لم يدعُ الى عقد لقاء في القصر الجمهوري حول الوضع الاقتصادي الّا نتيجة ما وصلت اليه الامور، وبالتالي إنّ هذا اللقاء ليس لتبادل اطراف الحديث، إنما للتعبير جدياً عن المأزق الذي وصل اليه لبنان، ولبنان لم يصل الى هذا المأزق إلاّ نتيجة الممارسات السياسية غير المسؤولة». وأضافت: «الوزير جبران باسيل يتحمّل الجزء الاساس مما وصل اليه الوضع، حيث انه من خلال ممارسته السياسية وتنقلاته بين المناطق واستعراضاته والفتن المتنقلة التي يقودها وانتقاله من مواجهة الى اخرى، مواجهة مع الحزب التقدمي الاشتراكي، ومواجهة مع تيار «المستقبل» واليوم مواجهة مع «القوات» والى آخره».
وأكدت المصادر نفسها «أنّ النقطة المركزية الاساسية التي نوقشت في اجتماع بعبدا هي الاستقرار السياسي. فكيف يمكن توفير استقرار سياسي فيما يعمل طرف سياسي اساسي، الذي هو رجل العهد الاول جبران باسيل، على ضرب القوى السياسية الأخرى وإلغائها ويتنقّل من مواجهة الى أخرى؟ وكيف يمكن انقاذ الوضع اقتصادياً ومالياً طالما انّ هنالك طرفاً يواصل مواجهاته المتنقلة، وهذا الطرف عطّل الحكومة 40 يوماً تحت عنوان انّ هنالك مَكمناً لباسيل، ومن ثم رأينا اجتماع بيت الدين ولقاء بيت الدين وكأنّ شيئاً لم يكن؟ لماذا عطّلتم البلد 40 يوماً واتهمتم قوى سياسية بمكمن، ومن ثم اقفل الملف وكأنّ شيئاً لم يكن؟ مَن عطّل الحكومة؟ مَن عَطّل تأليف الحكومة لأشهر واشهر من اجل الإحراج وإخراج الحكومة بالشكل الذي يريده هذا الطرف السياسي؟ كل هذه الممارسات أدت الى تأخير الاقتصاد والى ضربه، وبالتالي للأسف ما زال هذا الطرف مستمراً في النهج نفسه. ولذلك انّ النقاش الاقتصادي في بعبدا قال بشكل واضح اننا في لحظة خطيرة جداً، وكل النقاش كان يتركز على أننا نحن في صميم وجوهر لحظة الخطر على لبنان وخطر الانهيار، والرئيس الحريري لم يتكلم عن ستة اشهر بالمصادفة، إلا لأننا نحن في لحظة دقيقة جداً وعلى رغم من ذلك نرى هذا الطرف يواصل سياساته الشخصية، لأنه لا يأبه لأي شيء قد تكون ربما انه عندما لَمسَ انّ العقوبات اقتربت منه قرر ان يخوضها «عليي وعلى اعدائي» أرضاً محروقة في مواجهة الجميع. وبالتالي في حال انزلق لبنان الى الانهيار فإن هذا الطرف يتحمل المسؤولية، لأن كل المشكلة الاقتصادية يتحمّلها هو نتيجة ممارساته وعدم مسؤوليته، ونتيجة تعاطيه بهذا الشكل. ومن هذا المنطلق جاء الدكتور جعجع ليقول: المسألة الاولى، الذهاب الى استقرار سياسي، المسألة الثانية، كل المتحلّقين حول الطاولة أجمعوا على أن لا ثقة بالدولة، وبما انه لا ثقة بالدولة يجب الذهاب الى حكومة استثنائية من تقنيين واصحاب اختصاص، وان تتولى قيادة مرحلة انتقالية من اجل، أولاً، استعادة ثقة المواطنين، واستعادة الثقة الدولية، وثقة المستثمرين لوضع لبنان على السكة الصحيحة، هذا هو المطلوب لأن ما يحصل هو كله كلام بكلام بلا ترجمات عملية».
الكتائب
وفي السياق نفسه اوضحت مصادر كتائبية لـ»الجمهورية» أن النائب سامي الجميّل انطلق في مداخلته على طاولة الحوار الاقتصادي من مسلّمات الكتائب السيادية والدستورية القائمة على ضرورة رسم السياسات في المجالات كافة داخل مجلس الوزراء وليس في أي إطار مواز آخر».
وذكّرت المصادر بمعارضة الكتائب «للتسوية الرئاسية التي قامت على المحاصصة وهي بالتالي لا يمكن ان تسير في «تسوية اقتصادية» على حساب الدستور والسيادة الوطنية. ولذلك كان إصرار النائب سامي الجميّل على ضرورة أن يغير أهل السلطة نهجهم في الحكم، القائم على التخلي عن القرارات السيادية لحزب الله مقابل هامش ضيق لادارة محلية واقتصادية تتولاها الحكومة على قاعدة تَقاسم الحصص والمشاريع والتعيينات، ومحاولة التغطية على هذه الممارسات بشعارات الاصلاح الاقتصادي وتحميل الشعب اللبناني تبعات السياسات المالية والاقتصادية الخاطئة والتراكمية لهذه الحكومة والشركاء فيها».
نديم الجميّل
ورأى عضو حزب «الكتائب اللبنانية» النائب نديم الجميّل أنّه «علينا بناء الاستقرار أولاً لنتمكن من بناء الإقتصاد»، مشدّداً لـ «الجمهورية» على أنّنا «إذا أردنا إقتصاداً قوياً، علينا أنّ نبني ركائز قوية وأن نعيد الإستثمارات إلى البلاد، ولكن ذلك غير ممكن في ظل سلاح حزب الله وتهديد يومي وتنفيذ عملي لأجندا إيرانية في لبنان».
وعن اجتماع بعبدا قال الجميل انّه لم يرَ «أي إجراء من الإجراءات المتّخذة يخلق نموّاً، إضافةً إلى أنّ اجتماعاً مثل هذا من شأنه تعزيز منطق المؤسسات الرديفة إلى جانب مجلس الوزراء الذي يضمّ أساساً كلّ الأحزاب ما عدا حزب الكتائب». واستغرب «عدم انعقاد هذا الإجتماع ضمن مجلس الوزراء» سائلاً: «هل يفهم رؤساء الأحزاب أكثر من الوزراء؟».
«اللقاء التشاوري»
قال النائب جهاد الصمد، الذي مثّل «اللقاء التشاوري» في اجتماع بعبدا الاقتصادي ـ السياسي، إنه لا يأمل خيراً من الإجتماع «لأنّ الإصلاح يبدأ أولاً بمحاسبة المسؤولين من رؤساء ووزراء ونواب على سرقة المال العام، ويكتمل بقضاء نزيه غير مسيّس كما هي الحال اليوم لنصبح بذلك دولة قوية وعادلة».
وأشار الصمد الى أنّ «اجتماع بعبدا لو جاء في ظروف طبيعية لاعتُبِر اعتداء وانتقاصاً من صلاحيات الحكومة ورئيسها، أمّا في هذه الحال الاستئثنائية التي نمرّ فيها، وفي حالة الطوارئ الإقتصادية، فما جرى أمر ضروري وطبيعي».
وتعليقاً على ردّ «حزب الله» في الجنوب، قال الصمد: «لو لم يحصل هذا الرد لكنّا عدنا الى ما قبل عام 2006، ولكانت اسرائيل استمرت في استباحة أجواء لبنان وأراضيه». وقال انّ «قواعد الاشتباك التي أرسَتها المقاومة عام 2006 أمّنت الاستقرار في الجنوب ولبنان». وختم: «يجب الإستفادة من سلاح المقاومة كعنصر مساعد لتأمين الأمان والاستقرار والسيادة في البلاد، وهو عنصر قوة للبلاد».
نجم
وأكّد عضو كتلة «المستقبل» النائب نزيه نجم لـ»الجمهورية» «أننا مقتنعون بالخطوات التي قررها اجتماع بعبدا الإقتصادي، وكل الخطوات التي تساهم في إنقاذ الوضع الإقتصادي». وقال لـ «الجمهورية»: «إذا كنّا غير قادرين على الوصول إلى سكّة سليمة في مثل هذا الإجتماع، فمتى سنتمكّن من ذلك؟ جميعنا مسؤولون عن مصير لبنان ومستقبله، وحان الوقت لنتشارك ونشبك الايدي مع الرؤساء الثلاثة». وأضاف: «لا يمكننا الإستسلام أمام الوضع الأمني، والاعتداءات الإسرائيلية، فجميعنا نتمنى أن يتسلّم الجيش زمام الأمور، لكن أمام هذا الواقع اليوم لا يمكننا سوى مساعدة الجيش وتقويته وتسليحه والوقوف إلى جانبه لنصبح بلداً واحداً ويداً واحدة وانتماء واحداً لدولة واحدة».
واعتبر «أنّ «الترويكا» هي عصب لبنان اليوم، والإتفاق القائم بين الرؤساء الثلاثة سيساهم في تقدّم البلاد، وعلى جميع الأفرقاء التوقّف عن التشكيك بعضهم ببعض لكي نتمكن من تجاوز الإمتحان الدولي، لأنّ الوقوع في الخطأ لم يعد مسموحاً، وبات الإتّحاد والإتفاق واجباً على الجميع».
مجلس الوزراء
من جهة ثانية ينعقد مجلس الوزراء الحادية عشرة والنصف قبل ظهر غد في السراي الحكومي، وأبرز ما في جدول أعماله:
طلب وزارة الاتصالات إطلاق مزايدة تتعلق بإعادة بناء وتأهيل قطاع البريد في لبنان، طلب وزارة الدفاع بيع طائرات نوع (hawker hunter) منفاة وقِطع بَدَل ومعدات لها الى شركة مدنية بقيمة مليون دولار اميركي، طلب وزارة الطاقة والمياه تفويض الوزير توقيع مذكرة تفاهم بين الجمهورية اللبنانية ومؤسسات التمويل الانمائي برعاية البنك الدولي، لتقديم الدعم لقطاع الطاقة في مجالات مختلفة عبر قروض ميسرة او هبات يتم تحديدها والاتفاق عليها لاحقاً.
إقتراح قانون يرمي الى استقلال القضاء العدلي.عرض وزارة الدفاع الوطني تعليمات حول ترخيص استيراد (واستخدام) طائرات التحكم (المسيّرة) عن بعد (غير المصنفة كألعاب)، طلب وزارة البيئة تكليف مجلس الانماء والاعمار إعداد وتنفيذ سياسة حماية قمم الجبال والمناطق الطبيعية وتنظيم استثمار الشواطئ والمساحات الخضراء والاراضي الزراعية في لبنان، وذلك بالاستناد الى الخطة الشاملة لترتيب استعمالات الاراضي.
تصنيع الصواريخ
وعلى صعيد الوضع في الجنوب سيطر الحذر على الحدود لليوم الثالث على التوالي، فيما أعلن الجيش الاسرائيلي في بيان أنه كشف موقعاً لصنع الصواريخ تابعاً لحزب الله غداة هجوم الحزب الذي دمّر آلية اسرائيلية في مستعمرة أفيفيم، ما زاد الخشية من إندلاع مواجهة جديدة جديدة.
وقال البيان: «كشف الجيش الاسرائيلي منشآت تابعة لحزب الله تقع قرب بلدة النبي شيت في سهل البقاع في لبنان، أقيمت لتصنيع وتطوير صواريخ دقيقة التوجيه». وأضاف «تَخوّفاً من القصف نقل «حزب الله» معدات مهمة من هذا المجمع الى مواقع مدنيّة في بيروت».
وأرفق الجيش الاسرائيلي بيانه بصور مأخوذة من أقمار اصطناعية يفترض أن تكون للموقع، وقال: «لقد أنشأت ايران وحزب الله هذا الموقع قبل سنوات بهدف تصنيع السلاح».
نتنياهو
من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «إن الجيش الإسرائيلي اكتشف منشأة أخرى لـ»حزب الله» تصنع صواريخ دقيقة يمكن توجيهها، مباشرة إلى ضواحي مدينة حيفا».
وأضاف نتنياهو أنه أوعَز الى الجهات الإسرائيلية المختصة «بمنع أعدائنا من التسلح بصواريخ دقيقة»، مضيفاً «أنه يعمل على ذلك من «دون هوادة».