أهداني صديقي منذ أكثر من عشر سنوات كتاباً قيماً وعزيزاً على قلبي وعقلي، وأظن أنَّ من يقرأه لا يكلُّ ولا يملُّ من قراءته لأكثر من مرَّة. ـ هذا يعني أنني لبناني منذ أكثر من عشر سنوات ـ والكتاب هو للمفكر الراحل والكاتب العظيم عبد الرحمن الكواكبي، والذي فضح فيه المستبدين والمحتكرين والسارقين والطواغيت عبر التاريخ وخصوصاً في تاريخنا المظلم، وبدأ بفضحهم وتعريتهم وفسادهم وتآمرهم على العباد والبلاد، وكيفية تسلطهم وتحكمهم في السلطة ولا يبرحون منها وعنها إلاَّ بالإنقلاب المسلَّح، أو أن يأتي ملك الموت بإذنٍ من ربِّ السماء. في لبنان النظام ديمقراطي، والشعب هو من ينتخب هذه السلطة، وكلنا يعتقد إن كان من ممارسة لإنتاج سلطة شرعية منتخبة ديمقراطياً فهي السلطة في لبنان..!
لكن نادراً ما يختار اللبناني قادته بأجواء حرية سائدة، وإن كان لا بدَّ منه، فيكون إختياره السيئ على الأسوء، وفي كل مرة يتكرر نفس الأمر من دون أي تقدم يذكر، واللبنانيون دائماً يبررون عملهم الإنتخابي، ويستحضرون المقالة التاريخية بأن التدخل الخارجي والأجنبي يفرضان علينا خيارتهم، أو باستحضار النظرية التاريخية القائلة في عالمنا العربي والإسلامي " نظرية المؤامرة".
إقرأ أيضًا:" نبيه الشيعة...! "
أعتقد أنه لو عاد لنا عبد الرحمن الكوكبي من جديد، وشاهد من بعيد الوضع العربي وخصوصاً الوضع اللبناني، لوقف مطولاً ويأسف على كتاباته في الإستبداد، ولغيَّر رأيه ولو لفترةٍ غير قصيرة، ليتمكن ويبحث كيف يتخلَّص من آفة الطائفية المستشرية في جسم هذا البلد، وليتخلص من حكم الأحزاب والجماعات والجمعيات والمحسوبيات التي لا ترى أبعد منها، فيتراءى له وأمامه حكم أبشع وأظلم من هذه السلطة، مع علمه بأن هؤلاء لا يغادرون السلطة وكراسي الحكم إلاَّ إلى قبورهم، لكتب فوراً إقتدو ب" بمحمد بن سلمان" فيحكم عليهم بالسجن والقصاص منهم والإقتصاص، وإعادة كل ما نهبوه وسرقوه من أموال الشعب، فيبشركم الكواكبي، بالحل الإقتصادي وإعادة الأمور إلى نصابها..
لكن في مقابل ذلك دلونا على شعبٍ ينتخب ويتباهى بمنتخبيهم وتكريمهم في نفس الوقت هذا الشعب يئن وينق من الفقر والنهب والبطالة، والسرقات والإنهيارات الإقتصادية التي تشل الحياة في جميع مكونات هذا الشعب وهذا المجتمع، ثم دلونا على شعبٍ يخطئ في إختياره سلطته ونوابه وممثليه، مرة تلو الأخرى، ولا يرف له جفن من سوء اختياره، فإن لم يكن هناك وقفة ضمير من الشعب ومن اختياراتهم لممثليهم ووقفة ضميرٍ من كل مسؤولٍ مهما علا شانه وشأنه أم نزل شاله وقصر وضعه، وتكون وقفة وحملة واسعة تشمل كل فردٍ لتوعية من هذا المأزق الذي يمرُّ علينا ويجلب لنا حرق البلد ويقضي على الحرث والنسل والأرزاق..
لقد سكبنا وسفكنا على مدى أعوام وسنوات، حبراً ومحابراً في ذم المستبدين والإستبداد، والأمور ما زالت تتزايد إلى تكريسهم وبقائهم، لهذا فلا ينفعنا إلا ما سيغيِّره الكواكبي من كتابه لو عاد إلى لبنان، قائلاً لنا الرمد على العمى لأنه في بلدكم لا خيار لكم إلا من إثنين، فلعل الرمد أفضل من العمى على أمل أن نشفى منه جميعاً ببركة دعاء عبد الرجمن الكواكبي رحمه الله..