لعن الله الطائفية البغيضة، وابعد شرورها المذهبية عنا ، ليعود لبنان كبيراً بالفعل بحدوده الجغرافية، وبقيمه الانسانية.
اليوم تبدأ احتفالية لبنان بمئوية دولة فصّلها الانتداب الفرنسي على قياس طوائفها، فغدت جمهورية الطوائف والمذاهب التي تكرست فيما بعد بنظام محاصصة طائفية لا يزال لبنان يرزح تحته إلى اليوم.
مئة عام على انشاء دولة لبنان الكبير ازداد خلالها دوره صغرا، وتقلص إلى حدود الدويلات التابعة، لأن فكرة الوطن لم تقنع الكثيرين فيه. فامتيازات الحكم أو المشاركة في السلطة كانت وما تزال اقوى من فكرة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
مئة عام مرت على الاعلان، وفي كل عام تصيبنا مئة لعنة ولعنة مما انتجه نظام المحاصصة، ولعل لعنة الفساد المستشري الذي ينتشر بالجسد متغذيا على هذه الفلسفة السياسية التي سميت بالديمقراطية التوافقية اقوى اللعنات التي اصابتنا.
يترقّب اللبنانيون حواراً إقتصادياً في بعبدا، سيشكّل مساحة عصف فكري لوضع خطة طوارئ لبنانية للخروج من الأزمة، وسط معادلة الحاجة الى دواء مالي لبناني ولو كان طعمه مرّاً.
بقدر ما تشكّل الخطوة محطّة داخليّة مهمة، سترصد عواصم عالميّة مسار الإجتماع ونتائج الحوار، على إعتبار أنّ الثقة الدولية بأيّ خطوة مشابهة هي مطلوبة لتسهيل مؤتمر سيدربشكل مباشر، وإعادة الإيجابيّة الى نظرة تلك العواصم للبنان.
إقرأ أيضًا: " نصائح عديدة ورسائل عتب دولية في الطريق! "
يحتاج النقاش الإقتصادي الى اكثر من ساعتين بالطبع، وهو الوقت المخصص للنقاش ، لتقديم الرؤى ومناقشة الخطط التي يمكن طرحها، مع قراءة تداعياتها المحلية وتأثيراتها على المواطن، خصوصا ان توصيات لفرض ضرائب جديدة قد تحمل معها أعباء إضافية على جيوب المواطنين، فهل يمكن القبول بعودة مشروع الضريبة على البنزين، كما تطرح لجنة الخبراء الإقتصاديين؟ او اعادة تعويم طروحات رئيس الحكومة سعد الحريري الإقتصادية المرفوضة من قطاعات نقابية. لكن تقرير الخبراء لن يكون منزلاً ولا نهائياً. علما ان الخبراء الإقتصاديين يخشون من الحسابات السياسية في مقاربة العلاج المطلوب.
واذا كان الحوار الذي يرعاه رئيس الجمهورية ميشال عون يضم رؤساء الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية.
وإذا كانت أهميّة هذا الحوار تنبع من توقيته، في ضوء التصنيفات الائتمانيّة للبنان التي صدرت أخيراً، وما حُكي عن مهلة ستّة أشهر لاتخاذ قراراتٍ إصلاحيّة بنيويّة وجوهريّة تحت طائلة تخفيضٍ إضافيّ للتصنيف، وما يترتّب على ذلك من تداعياتٍ كارثيّة، فإنّ اللافت أنّ رئيس الجمهورية استبقه بتصريحاتٍ شفّافة، تحدّث فيها صراحةً عن خطٍ تصحيحيّ لتعزيز الاقتصاد سيبدأ اعتماده خلال الأيام القليلة المقبلة، لافتاً إلى تدابير صعبة ولكنها ضرورية، مشبّهاً الأمر بـ المريض الذي قد لا يعجبه طعم الدواء ولكن يجب أن يتناوله كي يشفى. ويفهم من هذا الكلام الرئاسيّ الواضح أنّ حوار بعبدا يجب أن يمهّد الطريق لتلك الإجراءات الموجعة التي سبق لرئيس الحكومة أن تحدّث عنها أيضاً منذ ما قبل تشكيل حكومته، والتي خضعت للنقاش قبل إقرار موازنة 2019، التي لم تتضمّن للمفارقة، في صيغتها النهائية، سوى جرعة بسيطة منها، علماً أنّ المعلومات
المتوافرة تشير إلى أنّ عون سيقدّم على طاولة الحوار ورقة اقتصادية متكاملة، تتضمّن سلسلة من التوصيات سيفتح النقاش حولها، من أجل تمريرها.
بعد مئة عام على لبنان الكبير يتجدد السؤال، متى يصير الوطن أكبر من الطوائف والمذاهب ليغدوا كبيرا حقا، وقويا بمبادئه الديمقراطية والانسانية؟ ومتى يصبح التعاطي مع المواطنين كقيمة اساس وليس كرعايا ؟ لعن الله الطائفية البغيضة، وابعد شرورها المذهبية عنا ، ليعود لبنان كبيراً بالفعل بحدوده الجغرافية، وبقيمه الانسانية. وبدوره كرسالة انه سميع مجيب.