بينما توعّد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، بالردّ على اعتداءات إسرائيل في خطاب له يوم 25 أغسطس، بعد غارة الطائرتين المسيرتين، تبدو إسرائيل غير مبالية بتلك التهديدات، وذلك بتأكيدها مواصلتها ضرباتها، إذ هي كانت ضربت قرب دمشق وفي الضاحية الجنوبية في بيروت (24 أغسطس، أي قبيل الخطاب، ثم قامت وضربت بعد الخطاب فجر يوم 26 أغسطس في منطقة البقاع، ضد مواقع الجبهة الشعبية- القيادة العامة، التي يتزعمها أحمد جبريل، والتي ترتبط بعلاقات وطيدة بنظام الولي الفقيه في إيران)، كما ظلت طائراتها تحوم في الأجواء اللبنانية.
وللتذكير فإن إسرائيل كانت قد ضربت، في الفترة الماضية، مواقع عديدة للحشد الشعبي في العراق، بما يعنيه ذلك من أنها تشتغل على عدة جبهات، وهو ما أكده علنا رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في تصريح له اعتبر فيه بأن كل المواقع التي تعمل لصالح النظام الإيراني لا حصانة لها من الضربات الإسرائيلية، شاملا في ذلك العراق وسوريا ولبنان. وللتذكير، أيضاً، فإن إسرائيل كانت اعتادت منذ العام 2013، على توجيه ضربات لمواقع وقوافل سلاح تابعة للحرس الثوري الإيراني، وللميليشيات التي تتبع له، لاسيما حزب الله، إضافة إلى استهداف بعض المواقع العسكرية للنظام السوري، وقد قامت بتكثيف تلك الضربات منذ العام الماضي (2018)، والتي كانت أكثر شدة وقوة تلك الغارات الجوية التي شنتها على امتداد الأراضي السورية، في أشهر فبراير وأبريل ومايو (للتفاصيل راجع مادتي في صحيفة “العرب”: “إسرائيل كلاعب إقليمي في الصراع السوري 07 مايو 2018).
وعليه فعلى مدار العام الحالي أيضاً، واصلت إسرائيل ضرباتها في الأشهر الماضية، في أشهر يناير ومايو ويونيو ويوليو، وصولا إلى الشهر الحالي، علما أن إسرائيل اشترطت على روسيا إبعاد أي قوات إيرانية، وأي قوات حليفة لها، عن الحدود، بعمق أكثر من 100 كيلومتر، وهو ما أبدت إيران تجاوبها معه، ولو شكليا، ناهيك أن مجمل الضربات الإسرائيلية لقواعد إيرانية تمت في إطار نوع، أو مستوى معين، من التوافق مع روسيا، وهو ما لا تخفيه إسرائيل.
في غضون كل ذلك ثمة في لبنان، وحتى في غزة، من يستمرئ الحديث عن قواعد الصراع مع إسرائيل، أو عن قواعد جرى فرضها على إسرائيل، في حين يبدو هذا الكلام غير منطقي، بحكم الاختلال في موازين القوى لصالح إسرائيل، وبحكم أنها تحظى برعاية وحماية الدول الكبرى في العالم، وضمنها روسيا.
أيضا فإن هذا الحديث يوحي بنوع من التكافؤ، ينطوي على سذاجة، فضلا عن أنه محاولة للتغطية والمواربة والتلاعب، إذ لا يوجد تناسب بين إسرائيل وبين حزب الله وحماس، إذ حتى إيران، التي تقوم إسرائيل باستهداف مواقعها في سوريا ولبنان والعراق باستمرار، ومنذ عامين، لا ترد. وفي الواقع فإن تفسير ما يجري مفاده أن نمط تفكير إسرائيل وطريقتها في العمل وإدارة الحرب تختلف، عما نعتقده أو نتخيله. وكما شهدنا فهي في الواقع من يحدد الزمان والمكان لتوجيه ضربة هنا أو هناك، بحسب ما يجري، ثم إنها تضرب بأقل كثيرا مما تتحدث، مع ملاحظة أنها لا تدّعي أو لا تصرخ، بأنها “ستزلزل الأرض تحت إقدام أحد”، كما يفعل البعض عندنا، فيما هي تفعل ذلك بطريقة “ناعمة” وذكية، لا كما القصف الجوي والصاروخي السوري والروسي والإيراني ضد السوريين.
فالطائرة المسيرة في بيروت يوم 24 أغسطس الماضي، مثلا، كان يمكن أن تكون صاروخا مدمرا، يمكن أن يستهدف أي حشد عسكري لحزب الله.
وبديهي أن ذلك لا يعني بأن إسرائيل مسالمة أو وديعة، إذ هي ليست كذلك البتة، لكن الفكرة تتعلق بفهم طريقتها بشن حربها بطريقة محسوبة، تأخذ في الاعتبار إزاحة الخصم أو شله، أو ردعه، طالما أنه لا يستطيع إصابتها في مقتل أو في مكسر.
هكذا، فليس ثمة جدال في أنّ إسرائيل عدوة وكيان استعماري استيطاني وعنصري مصطنع وغير مشروع، لكنها مع كل ذلك لا تشتغل وفقا لمنظومتنا في التفكير أو لطريقتنا في إدارة وحسم صراعاتنا الداخلية. وشاهدنا في ذلك، مثلا، طريقة إدارة روسيا وإيران والنظام السوري وحزب الله وميليشيات “الولي الفقيه” الحرب ضد السوريين بكل وحشية، في حين أنها إزاء إسرائيل، أو إزاء اعتداءاتها المتكررة، تتحلى بأعلى درجات الصبر وضبط النفس وبالغ العقلانية، مع دعوتها إسرائيل لاحترام ما يعتبرونه قواعد الصراع بينهم وبينها، وهي كناية عن كلمة التهدئة أو التعايش.
على أي حال فإن إسرائيل هي أكثر من يتفهم مغزى تلك الكلمة المواربة “قواعد” وتعمل وكأن الأمر كذلك، في حين أنها تراهن أو تستثمر في ترك الوضع في سوريا وفي غيرها، لتغول القوى المتصارعة، الداخلية والإقليمية، وضمن ذلك ترك المجال لتفاقم الصراعات الأهلية والهوياتية والسلطوية، في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فهي التي أطلقت شعار “عرب يقتلون عربا.. دع العرب يقتلون بعضهم”.
في الغضون يفترض التذكير، مجددا، بأن إسرائيل تضرب في دمشق ولبنان والعراق، في حين أن النظام وإيران وروسيا مشغولون في الضرب في إدلب وأرياف حلب وحماه وإدلب، وأن الضربات الإسرائيلية تتم بمعرفة روسيا، ورغم وجود منظومة الـS400.