حالة من التناقض الكبير يعيشه أهل الجنوب بشكل عام وجمهور حزب الله بشكل خاص، بين المطالبة بما ألزم به السيد نفسه "بالرد المزلزل"، ليس بهدف منع العدو الصهيوني من فرض قواعد جديدة يمسك من خلالها زمام المبادرة ويبدو فيه بحالة التفوق العسكري ويبدو بالمقابل حزب الله، بموقع الضعيف والمتلقي للضربات، وهذا يعني تهافت كل الدعاية الاعلامية التي بناها الحزب منذ ما بعد 2006 والانتصار الالهي المزعوم وتصديق الجنوبيين بأنهم ينعمون بالأمان في كنف قوة رادعة استطاعت أن تنتج توازن رعب لطالما حلموا به.
ومن جهة أخرى، فإن جمهور الحزب بمعظمه والمطالب "على استحياء" بالرد المزلزل ، يخشى أكثر ما يخشى على صورة "السيد" ووعده الصادق، حتى ولو بات يدرك بأن تبعات أي رد محتمل قد تعني حربا ضروسا هو يخشاها أكثر من أي وقت مضى، وهو الذي ذاق مرارتها تهجيرا وقتلا وتدميرا، بالأخص أن لا أفق لأي تعويضات مالية مرتقبة بعد الحرب، فلا الايراني الغارق بأزمة العقوبات هو قادر على إعمار ما قد تحدثه الحرب، ولا الدول العربية المانحة هي على استعداد أن تعيد الكرة بعد ما لاقته من نكران للجميل، واستفحال حالة العداء معها ! مما يعني أن الحرب القادمة إن حصلت لا سمح الله، فإن نتائجها ستكون كارثية وستترك الجنوبيين الناجين من هولاتها بالعراء.
بين تضارب كل هذه المشاعر، يقف جمهور حزب الله ومعه كل اللبنانيين حائرين مضطربين، حاول جمهور الحزب بالساعات التي تلت خطاب التهديد، أن يمنّي نفسه ويملأ الفراغ، بشعارات خطابية ورسومات كاريكاتورية ونتائج متخيلة علّها تسكن قليلا من اضطرابه، مرة من خلال افتراض القول أن الطائرات الاسرائيلية لن تجرؤ على العودة الى سماء لبنان، (هاشتاغ رح نشتقلا)، ومرة أخرى عبر انتشار صورة كاريكاتورية لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو هو واقف على "إجر ونص"، أو جندي صهيوني مرتعب ويحاول الفرار، وما الى هنالك من أوهام سخيفة لا تمت الى الواقع بصلة، كل هذا كمحاولة لإسكات مخاوف لا يعبر عنها بالعلن.
في كل هذه المعمعة، خرج علينا مصطلح "الرد المدروس"، ويراد من خلاله الايحاء على مقدرة الحزب "بحكمة عالية" أن يجمع بين الاضداد، فمن جهة يفي السيد بتعهده بالرد، وبالتالي يحافظ على صورة القائد الذي يفعل ما يقول ومن جهة أخرى لا يورط لبنان واللبنانيين بحرب هو يعلم هذه انه بالغنى عنها، وأن الاسرائيلي يسعى لها لاعتبارات كثيرة ليس أقلها الانتخابات المبكرة في الشهر القادم، والاستفادة القصوى من وجود ادارة في البيت الابيض قدّمت وتقدم لاسرائيل ما لم تكن تحلم به.
الآن، ومع مرور أيام على غارة عقربا قرب دمشق وسقوط شهيدين للحزب، واستهداف الضاحية بالطائرات المسيرة، واكتفاء الحزب بالرد من خلال الرسوم المتحركة، والهاشتاغات عبر التواصل الاجتماعي، ينتاب جمهور الحزب الآن شعور بأن "الرد المدروس" اللبناني، هو المرادف طبق الاصل "للرد بالزمان والمكان المناسبين" السوري ،،، ولا نغفل القول أن حالة من الارتياح عادت لتخيم فوق أهل الجنوب وأن "الشنط" قد اُفرغت من محتوياتها، على أمل فكرة أن السيد "صار يعلم"