التطورات التي شهدتها الاسابيع الاخيرة دلّت، بحسب سياسيين متابعين لها، الى وجود تباين في المواقف بين «المستقبل» و»القوات» في محطات عدة ابرزها، اثناء درس مشروع قانون الموازنة العامة للسنة الجارية في مجلس الوزراء وتحفّظ «القوات» عن هذا المشروع، ومن ثم رفضها التصويت عليه في مجلس النواب. كذلك برز التباين في إطلالة رئيس حزب «القوات» سمير جعجع التلفزيونية الاخيرة، حيث انتقد فيها أداء رئيس الحكومة سعد الحريري لجهة ممارسة الشأن العام، مذكّراً بأنّ معارضته «بواخر باسيل» كانت موجّهة أيضاً ضد الحريري، الذي كان والوزير جبران باسيل في موقف واحد مؤيّد للبواخر، وسرعان ما ردّ الحريري على موقف جعجع والموازنة، بالتراجع عن التعهّد الذي كان قطعه لـ«القوات» بالتصويت لمرشحها لعضوية المجلس الدستوري، والذي اختارته من ضمن الآلية المتبعة لتعيين اعضاء هذا المجلس. وقد ظنّ بعض المتابعين، انّ التمايز بين الجانبين هو مجرّد تمايز سياسي تقني بحت، ويدخل في سياق التفاهم بين الحريري وباسيل الذي كان أُبرم عشية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حيث انّ الحريري قدّم في كل هذه المرحلة الممتدة منذ الانتخابات الرئاسية خريف 2016 وحتى الآن تفاهمه مع باسيل على حساب تفاهمه مع «القوات اللبنانية» باستثناء القضايا الاستراتيجية المتصلة بالنظرة الى لبنان أولاً والدولة أولاً وعلاقات لبنان الخارجية العربية والغربية والالتزام بالقوانين الدولية والعدائية للنظام السوري.
وقد برز تقاطع الحريري والقوات، حسب المتابعين أيضاً، في حادثة قبرشمون - البساتين بالتضامن مع الحزب التقدمي الاشتراكي حفاظاً على التوازن الداخلي ومنعاً لكسر «التوازن السيادي» حسب تعبير احد السياسيين، ولكن المفاجأة جاءت على اثر الاعتداء الاسرائيلي قبل أيام على الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث تموضع الحريري الى جانب رئيس الجمهورية و«حزب الله» الى حد إسكات وزير «القوات» ريشار قيومجيان، عندما دعا في جلسة مجلس الوزراء الى ضرورة أن يكون قرار الحرب والسلم في يد الحكومة اللبنانية، فضلاً عن أنّ إمراره في بيان المجلس الاعلى للدفاع الذي سيغطي «حزب الله» أثار التساؤلات لجهة انّ التمايز بين الحريري و«القوات» يتجاوز النظرة الداخلية الى ممارسة الشأن العام وصولاً الى الخلاف الاستراتيجي بينهما في ظلّ تمسّك «القوات» بثوابت 14 آذار التاريخية و»خروج» الحريري عن هذه الثوابت، حسب هؤلاء المتابعين الذين يذهبون الى التساؤل: هل من تموضع جديد للحريري على المستوى الوطني، وبما يتجاوز التفاهم الثنائي السلطوي بينه وبين باسيل؟ وهل قرّر الحريري التقاطع مع «حزب الله»؟ ولماذا؟ وهل من قطبة مخفية تجمع بينه وبين باسيل و«الحزب»؟ وما هي اسباب هذا الموقف ومبرراته؟ وهل يعتبر ضماناً لاستمراره في سدّة رئاسة الحكومة؟
لكن السؤال الأهم هو: ماذا عن موقف المملكة العربية السعودية، وكيف تنظر الى موقف الحريري المستجد، خصوصاً أنّ بعض السياسيين يردّد أنّها لم تكن مطمئنة الى علاقته بباسيل، فكيف بالحري بعد تغطيته «حزب الله»؟ وماذا عن التباعد الذي ظهر في موقف الحريري من جهة، والموقف الذي عبّر عنه رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وهو أحد رؤساء الحكومة السابقين الثلاثة الذين زاروا السعودية في الآونة الاخيرة، وتردّد انّ الحريري لم يكن مسروراً بهذه الزيارة، وتقصّد تأخير موعد استقباله لهم اكثر من ثلاثة اسابيع، خصوصا انّ السنيورة، وفي موقفه الاخير الذي اكّد فيه «حق الدولة وحدها في التصدّي لأي اعتداء»، دلّ الى الهوّة التي تفصل بين موقفه وموقف الحريري.
وازاء كل هذه المعطيات والوقائع، يتساءل بعض السياسيين عن مستقبل العلاقة بين الحريري و «القوات» في ظل التباين المحلي والاستراتيجي بينهما، وكذلك عن موقف الرياض وهل ستتدخل لرأب الصدع؟ وألا يخشى الحريري ان يتحول في تموضعه الجديد الحلقة الأضعف وحال ابتعاده عن عمق تحالفه الاقليمي مع السعودية وعن عمق تحالفه الداخلي مع «القوات» و«الاشتراكي»، خصوصا أنّ التجربة بينه وبين رئيس الجمهورية غير مطمئنة لجهتين: الاولى الشارع السنّي الذي ينظر بعين الريبة الى هذه العلاقة التي يعتبرها غير سويّة. والثانية اندفاع رئيس الجمهورية في كل محطة خلافية بينه وبين الحريري الى فتح مواد في الدستور للكلام عن صلاحيات رئيس الحكومة تحجيماً لدوره وتذكيراً بوجود بدائل له.
ما حصل بين «المستقبل» و «القوات»، يقول مطلعون على ما يدور بينهما من خلاف، ليس بسيطاً للغاية، وأنّه في حال حافظ الحريري على تموضعه الجديد، فإنّ الساحة اللبنانية ستكون مقبلة على تطورات وتموضعات جديدة، ونزاعات وخلافات متجددة، ولكن من دون ان تُسقِط من الحسابات احتمال ان يتراجع الحريري عن تموضعه المستجد على اثر الاعتداء الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت تحت ضغط الشارع السنّي ورؤساء الحكومة السابقين والرياض وواشنطن.