كيف يترجم موقف رئيس الجمهورية ميشال عون باعتبار الاعتداء الإسرائيلي إعلان حرب على لبنان؟ في تقويم المجلس الأعلى للدفاع، اتفاق على موقف موحد من الرد، والجيش أبلغ جاهزيته وأوامره واضحة بالرد على أي اعتداء
ولأن الزمان والمكان في يد حزب الله وحده، كما كان اعتراف الحاضرين في المجلس الأعلى للدفاع، فإن جانباً أساسياً من النقاش الأمني والسياسي في الاجتماع المذكور وخارجه، تركز على ما يمكن أن يحيط بهذا الرد وتداعياته المحلية والإقليمية والدولية، وعلى قراءة الحدث الأمني من زاوية خطورته. لأن هناك عناصر أساسية يفترض الأخذ بها استناداً الى أسئلة أمنية تتداولها الأجهزة المختصة، ومنها: ما هو حجم الخرق الأمني الذي سمح بوصول الطائرتين المسيّرتين الى المنطقة المستهدفة؟ وهل هذا الخرق الأمني أوسع بحيث يمكن للطائرة المسيرة أن تكون قد انطلقت من لبنان وليس من خارجه؟ السؤال الأخير مطروح للبحث، على اعتبار المعلومات التقنية المتوافرة حتى الآن عن الطائرات تدل على أنه لا يمكن أن تطير مسافات بعيدة، مهما كانت قدرة الإسرائيليين على تطوير قدرتها على التحليق مسافات أكبر من المعتاد. حتى احتمال انطلاقها من البحر لا يزال نظرية من النظريات الأمنية المتداولة غير المحسوم صحتها. وهذا يعني توسيع رقعة البحث الجدي عن هذا النوع من الطائرات وإدخالها الى لبنان، أو تهريبها إليه وليس عن طريق المطار، المتشددة أجهزته في الكشف الدقيق على هذه الأنواع وهوية أصحابها.
الشق الأمني أيضاً يتعلق بمكان الرد، انطلاقاً من كلام نصر الله. الرد في لبنان، قد لا يتعلق حكماً بالحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة وبمنطقة عمل القوات الدولية ومنطقة القرار 1701، بما يعني التماس مع القوة الدولية أو الجيش. المجال الجوي والبري والبحري مفتوح على كامل مساحة لبنان، من الشمال الى البقاع والجنوب. وهذا يفتح احتمالات عدة لاستهداف الحزب إسرائيل بكل الوسائل الممكنة. وهذا لا يعني حصر الرد بضرب طائرات استطلاع إسرائيلية من أي منطقة في لبنان، بل يعني توسيع أطر الرد، وخصوصاً أن الغطاء الرسمي والحكومي أضاف الى حركة الحزب حرية في الرد وفق جاهزيته ورزنامته.
من هنا، كان البحث في الخطوة التالية بعد رد حزب الله. فالمجلس الأعلى للدفاع استفاض في الشرح السياسي والعملاني حول كيفية تجهيز أرضية صالحة عدةً وعديداً لمواجهة التطور التكنولوجي وتحديث أجهزة الردع والمراقبة، إضافة الى الخطوات السياسية والدبلوماسية التي اتخذت، بعدما كان قد اتفق على استبعاد دعوة مجلس الأمن الدولي لاجتماع طارئ، والاستعاضة بتقديم شكوى لبنانية إليه. والشرح السياسي تناول تفصيلاً مواقف الدول الغربية التي أبلغها لبنان موقفه الرافض للاعتداء الإسرائيلي، وبعض الأجوبة ــــ الأميركية تحديداً ــــ التي نقلت تبرير إسرائيل بأن ما قامت به هو رد فعل وليس فعلاً، رداً على تصعيد حزب الله ضدها في لبنان وسوريا.
لكن المجلس الذي شهد إجماعاً على كيفية إدارة معركة الرد على إسرائيل، شهد في ختامه طرح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سؤالاً مركزياً، تحت عنوان ماذا بعد العملية الإسرائيلية ورد حزب الله الذي أصبح أمراً واقعاً بعد كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وما هو الموقف الذي يتخذه لبنان؟ سؤال عون وسّع النقاش ليصل إلى السؤال عما لو ردت إسرائيل ووسعت رقعة اعتداءاتها، وماذا لو لم تكتف بتعادل في الرد؟ ورغم أن الانطباع أن رد حزب الله لن يغيّر قواعد الاشتباك المعمول بها منذ عام 2006، وأن الحوار الأميركي الإيراني المرتقب لا يحتاج الى انهيار استقرار لبنان في هذه المرحلة وتوسع رقعة الاعتداءات، إلا أن الواجب التعامل مع مروحة واسعة من الخيارات المطروحة واحتمال تدهورها في أي لحظة.
أجمع الحاضرون على موقف واحد سياسياً وأمنياً، انطلاقاً من موقف عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على اعتبار أن أي اعتداء إسرائيلي هو اعتداء على كل لبنان، ولبنان يجب أن يرد بكل الوسائل المتاحة له. والتأكيد الثاني هو ربط الموقف السياسي بالعسكري، لأن الجيش جزء أساسي في ما يمكن أن يعدّ للبنان. قائد الجيش العماد جوزف عون كان واضحاً في التعبير عن أن الرد على أي اعتداء إسرائيلي أمر مفروغ منه، وهذه أوامر معطاة لكل القوى العسكرية قبل الحادثة وبعدها، لا يمكن أن يقف الجيش على حياد أو متفرجاً على أي عملية عسكرية ضد لبنان. والجيش، الذي رفع جاهزيته منذ ليلة العملية الإسرائيلية، أبلغ الجميع أنه متأهب لكل الاحتمالات المطروحة، وأن ألويته وقطعه مستنفرة، وأن أي جندي أو ضابط لن يحتاج الى أوامر جديدة كي يرد على أي عمل عسكري إسرائيلي، وهذا ما تبلغته مجدداً كل القطع والألوية. هذا أمر عسكري بحت لا يحتاج الى نقاش، فكيف الحال إذا كان معززاً بتغطية سياسية واسعة، من جانب رئيس الجمهورية؟