في الوقت الذي يواجه فيه لبنان أصلاً الكثير من المخاطر، ويقف على حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. يتصرّف البعض وكأنه الوحيد على الساحة وهذا البعض يتعامل مع التطورات السياسية الجديدة انطلاقاً من المحافظة على هيبته ومصلحته دون الالتفات الى هيبة الدولة ومصلحتها ومصلحة مواطنيها.
لذلك مَن يعتقدُ بأن الوضع ليس بدرجة عالية من الخطورة فهو حكماً، سيكون مخطِئًا جدًا. وللدلالة على ذلك هناك العديد من الامثلة الواقعية والملموسة فلا يكاد واقعنا الاقتصادي يخرج من مؤشر سلبي ليدخل في آخر. وكأن الأمر مقصود أو مبرمَج وفق أجندة معدة سلفاً، تمنع البلاد من أخذ استراحة. والسبب هو نتاج زرع الطبقة السياسية لبذور الفساد في كافة المجالات والقطاعات،حيث أثمر هذا الكم من التراجعات والإخفاقات التي لم تعد الطبقة السياسية قادرة على لجمها. وإلى جانب زرع الطبقة السياسية، تساهم المفاجآت الأمنية الموسمية في زيادة عدد المؤشرات السلبية التي يحصدها الاقتصاد. والبلد اليوم يواجه ثلاثة مستويات من المخاطر، امنية عسكرية، مالية اقتصادية، بيئية.
وفي الحالات الثلاث فإن المنهجية التي تتحكم بذهنية تعاطي الطبقة السياسية باليات المعالجة فانها تنطلق دائما انطلاقاً من مصالحها الذاتية وفي إطار المعالجات للاوضاع المستجدة تكثفت الإتصالات الدولية بين ديبلوماسيين ومسؤولين لبنانيين حول ضرورة التهدئة وتجنب الذهاب نحو التصعيد. ومن الواضح أن التطورات في لبنان كانت الهمّ الأساسي بالنسبة إلى دولٍ عديدة مهتمة بشؤون الشرق الأوسط. هذا الاهتمام تجلّى في اللقاء الذي عقده رئيس الحكومة سعد الحريري مع سفراء الدول صاحبة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبالجولة التي قام بها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش على مختلف المسؤولين.
إقرأ أيضًا: هل الطائرتين المسيرتين عملية جس نبض؟
بحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن لقاء الحريري مع السفراء، بحث في كيفية تجنّب أي تصعيد، خاصة بعد معلومات مؤكدة بأن حزب الله أرسل رسالة إلى الجميع بأنه سيرد على الضربة التي يتلقاها، ولا مجال لعدم الردّ. وعلى هذا الأساس بدأت التحركات السياسية في محاولة للجم أي تداعيات لذلك الرد على قاعدة الإكتفاء بمعادلة ضربة مقابل ضربة، وبحيث لا تكون ضربة حزب الله تستدعي رداً إسرائيلياً يُدخل البلاد في نفقٍ مظلم لا أحد يعلم كيف سيخرج منه.
وعلى المستوى الداخلي عقد المجلس الاعلى للدغاع اجتماعاً للبحث في تداعيات التطورات السياسية والامنية وقبل الاجتماع صدر موقفين الاول صدر عن رئيس الجمهورية بعد لقائه المنسق الخاص للامم المتحدة حيث اعلن الرئيس ان الهجمات الاسرائيلية هي بمثابة اعلان حرب وقد أبلغ السفراء الأجانب انزعاجهم من هذه التصريحات، معتبرين أن الوضع في لبنان لا يحتمل أي تصعيد لأن الأمور في المنطقة تقف على شفير الحرب والموقف الثاني صدر عن الرئيس الحريري خلال اجتماعة مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية حيث ابلغهم بأن الحكومةَ اللبنانيةَ ترى أنه من المصلحة تفادي أي انزلاق للوضع نحو تصعيد خطير.
وتجدر الإشارة إلى ان موقف رئيس الحكومة جاء غداة تلقيه اتصالًا من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو دعا فيه إلى ضبط النفس. ولكن في موازاة هذا الحراك الديبلوماسي، فالأكيد أن حزب الله سيرد على ما تعرّض له. وهناك معلومات تشير إلى أن الرد سيكون قريب، ولن يسمح الحزب بأن تطول فترة الانتظار، وذلك لأسبابٍ متعددة. وتكشف المعلومات بأن الرد سيكون نوعياً، بينما لبنان قد ينطلق في جولة اتصالات واسعة بعد حصول هذه الضربة لتجنّب حصول تصعيد إسرائيلي يؤدّي إلى تدهور الأوضاع بشكل لا تحمد عقباه. فهل دخل البلد ، منذ أيام وحتى موعد الانتخابات الاسرائيلية، في نفق مرحلة حرجة وكأنّه كُتب على هذا البلد أن يكون ساحة تصفية حسابات الآخرين، ومختبراً لموازين القوى والمتصارعين، فهل يستطيع اللبنانيون أن يتحمّلوا بعد؟