الإجتماع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، والمُرتقب انعقاده الإثنين المُقبل أو تأجيله الى يومٍ آخر، بعدما أعلنت الحكومة أنه يوم عطلة رسمية، ليس «مؤتمرَ حوار» إقتصادياً، بل سيكون إجتماعاً واحداً هدفه «مواكبة القادة السياسيين للإجراءات التي ستتخذها الدولة لتعزيز الوضع المالي - الإقتصادي»، حسب ما تؤكّد مصادر مطلعة على الإجتماع.
أمّا سبب دعوة رؤساء الأحزاب والكتل النيابية فمردّه أنهم «المرجع» في اتّخاذ القرارات إن في مجلس النواب أو في مجلس الوزراء، إذ إنهم مُمثَّلون في المجلسين.
والإجراءات التي يجب أن تُتخذ، ستُقرّ إمّا في قوانين في مجلس النواب أو عبر قرارات صادرة عن مجلس الوزراء، أو في موازنة 2020. ويسعى عون من خلال الإجتماع إلى تأمين توافق حولها قبل الوصول إلى لحظة إقرارها أو تنفيذها، فتُعرقِلها المواقف و«المزايدات» السياسية.
ويعتبر رئيس الجمهورية أنّ هناك مسؤولية وطنية على الأطراف كافة تحمّلها لمواجهة الوضع الإقتصادي، فأيّ تراجع أو تدهور قد يحصل لن يطاول حزباً أو فريقاً معيّناً، بل اللبنانيين جميعاً.
وبالتالي، وبعد المسار الذي سلكته جلسات درس موازنة 2019 في الحكومة، ثمّ جلسات مناقشتها في مجلس النواب إلى حين إقرارها، إضافةً إلى ملاحظات بعض الأطراف ومواقفهم السياسية التي عطّلت مجموعة إجراءات كبيرة كان يجب أن تشملها الموازنة، يرى عون أنّ هناك ضرورة أن يكون هناك قرار أو موقف واضح للسياسيين، وأن يكونوا على اطّلاع على المعالجات والإجراءات الإقتصادية التي ستُعتمد، وموافقين عليها إذا أمكن أو معلنين موقفهم منها، وذلك ليتحمّلوا مسؤولياتهم، من جهة، وللمساهمة في المعالجة، من جهة ثانية.
لكن، هل المطلوب الإطّلاع والموافقة فقط؟ تجيب المصادر المطلعة: «بالتأكيد سيحصل نقاش، ولكن بواقعية ومنطق بعيداً من المزايدات، لا أن يضع كلّ طرف مجموعة نظريات على الطاولة تضيّع بوصلة النقاش والغاية من الإجتماع».
أمّا المطروح على الطاولة فهو الإجراءات المحدّدة التي أصبحت معروفة، حسب ما تقول المصادر، بعضها أُقرّ في موازنة 2019 ومن المُفترض تنفيذه، وبعضها يجب أن يُقرّ في موازنة 2020، إضافةً إلى ملاحظات مؤسسات التصنيف والإصلاحات والإجراءات التي طلبت جهات ومؤسسات دولية من لبنان اتخاذها... وستتمّ مناقشة هذه النقاط كلّها في الإجتماع للوصول إلى توافق عليها، لكي لا تعطّل السياسة العمل الإقتصادي والمسار الإصلاحي.
ويعوّل رئيس الجمهورية على هذا الإجتماع «المهم جداً»، لأنّ الجميع سيشاركون فيه من موالاة ومعارضة، وليس فقط الأطراف الموجودة في الحكومة...
وسيستمع عون الى وجهات نظر الجميع، ويُطلعهم على الوضع الراهن وعلى الإجراءات المطلوب اتخاذها ليكون الجميع على دراية بها وليتحمّلوا مسؤوليتهم أمام الشعب إذا لم تُتخذ، وحصلت أيّ انتكاسة إقتصادية أو مالية، فـ»المزايدات لا تنفع ولا تُنقذ».
وتنطلق هذه الإجراءات من الورقة التي اتُفق عليها في الإجتماع الإقتصادي – المالي الذي عُقد برئاسة عون في القصر الجمهوري في بعبدا في 9 آب الجاري، بمشاركة رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري، ومن أبرزها: الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة والاستقرار الائتماني، خطوات أساسية تساهم في تفعيل الاقتصاد وتعزيز وضع المالية العامة، المباشرة بمناقشة تقرير «ماكنزي»، إصلاحات قانونية وإدارية...
إذاً، الإجراءات التي ستُناقش في إجتماع بيت الدين محدَّدة، ولم يُطلب من القادة المدعوّين تقديم أوراق أو تصورات قبل الإجتماع، بل سيطرحون أفكارهم خلال الإجتماع وسيستمعون إلى شرح من أصحاب إختصاص ومعنيين في الشأنين المالي والإقتصادي، بعدها سيُناقشون الأفكار المطروحة. وذلك، بعد أن يُستهلّ الإجتماع بكلمة لرئيس الجمهورية يشرح فيها هدف الإجتماع ويضعه في إطاره.
«تحمُّل المسؤوليات» أمر لا يطلبه عون من المسؤولين والسياسيين فحسب، بل أيضاً من المواطنين من خلال تكراره المستمر بـ»أننا سنتّخذ التدابير التي قد يكون غيرَ مرحَّب بها إلّا أنّها ضرورية للخروج من الأزمة الراهنة». فما هي التضحيات المطلوبة؟
تقول المصادر المطلعة على الإجتماع «إنّ اللبنانيين، ولاسيما الموظفين في القطاع العام اعتادوا الحصول على امتيازات وعلى ممارسات معيّنة في الوظيفة، وكأنّ «البلد مرتاح»، ويجب إعادة النظر في كثير من هذه الإمتيازات التي لا تؤثّر مباشرة عليهم، ولكن «بحصة بتسند خابية»، والمطلوب تحقيق أكبر وفر ممكن في نفقات الدولة، فتراكم الوفر يُنتج مبلغاً مالياً يساعد في وضع الموازنة وخفض العجز وفي تنفيذ حلول ومشاريع».
وتشدّد على «ضرورة تخفيض النفقات وتقليص بعض المكتسبات»، وتقدّم مثالاً على ذلك أنّ «هناك مدراء عامين أعضاء في لجان عدة ويتقاضون مقابل ذلك مبالغ مالية كبيرة من الدولة».
وإذ تشير إلى أنّ «هناك هدراً في الإدارات»، تسأل: «هل يجب أن يستمرَّ ذلك؟ هل يجب أن تستمرَّ الدولة في إعطاء هذه المكتسبات؟»، مؤكدة أنّ «الإجراءات لن تمسّ الخدمات الإجتماعية وحياة اللبنانيين مباشرةً، بل ستطاول بعض الكماليات التي يُمكن تخفيضها». وتلفت إلى أنّ «الإجراءات ستكون تدرّجية ومن غير المُقرّر أن تطاول ذوي الدخل المحدود».
أمّا بالنسبة إلى اعتبار البعض أنّ عون يخرج عن الدستور من خلال إجتماعات من هذا النوع، فيما أنّها مُناطة بالسلطة التنفيذية، فتقول المصادر إنّ «رئيس الدولة حين يجري عملية إنقاذ في وقتٍ يواجه البلد مرحلة صعبة، من المُفترض أن يَجمع الأفرقاء جميعاً، موالاة ومعارضة، لكي يجلسوا الى طاولة واحدة ويتشاركوا في القرارات».
وتضيف: «إذا حاورهم وطلب منهم أن يكونوا جميعاً يداً واحدة في مواجهة وضع يخضّ البلد كلّه يزايدون بطروحاتٍ تدلّ على استهتارهم، وإذا لم يدعهم يقولون إنّه لم يسألهم أو يأخذ برأيهم».
الإجتماع مُقتصر على عون ورؤساء الأحزاب المُمثلة في مجلس النواب ورؤساء الكتل النيابية أو مَن يمثّلهم، إضافةً إلى معنيين بالشأن المالي – الإقتصادي. وأكد المدعوّون جميعاً مشاركتهم في الإجتماع، حسب ما تبلّغت دوائر معنية في رئاسة الجمهورية.
وفي حين يهدف عون من خلال الإجتماع إلى أن «يشترك الجميع في اتخاذ القرارات ومعاونة الدولة التي هي دولتهم، فحتى المعارض يمكنه المساعدة لا أن تكون معارضتُه سلبية مئة في المئة»، قد يفتح هذا الإجتماع باباً جديداً على المزايدات والمعارضة.
لكنّ المصادر المطلعة على الإجتماع، تقول: «حين يجلسون حول الطاولة ويعون الواقع على حقيقته ويتحدثون بصدق وشفافية، ليتّخذوا المواقف التي يريدونها، فلا يُمكن أحد بعد الإجتماع التحجّج بأنه لم يُستشر أو يُسأل أو يُبلّغ»، أو القول: «ما معنا خبر».