شكّل اجتماع مجلس الدفاع الاعلى برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون واتصال رئيس الحكومة سعد الحريري بكل من وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ومفوضة الامن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، الحدثين البارزين على مستوى مواجهة مرحلة ما بعد الإعتداء الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وطلب الحريري من لافروف، انّ توجّه روسيا رسائل واضحة لإسرائيل بوجوب التوقف عن خرق السيادة اللبنانية. كذلك أبلغ اليه أنّ «الاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف منطقة ضاحية بيروت الجنوبية هو عمل خطير واعتداء على السيادة اللبنانية وخرق للقرار 1701 الذي أرسى الهدوء والاستقرار طوال السنوات الماضية».
وأوضح أنّ «لبنان يعوّل على الدور الروسي في تفادي الإنزلاق نحو مزيد من التصعيد والتوتر، وتوجيه رسائل واضحة لإسرائيل بوجوب التوقف عن خرق السيادة اللبنانية».
وأعتبر أنّ «اعتداء إسرائيل على منطقة مأهولة بالسكان المدنيين يوجّه ضربة لأسس حالة الاستقرار التي سادت الحدود منذ صدور القرار 1701، ويهدّد بتصعيد خطير للأوضاع في المنطقة، لا يمكن التكهن بنتائجه».
كذلك طلب الحريري من موغيريني دعم الإتحاد الأوروبي مساعي التهدئة وضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية للقرارالدولي الرقم 1701والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة بعد التطورات الأخيرة.
من جهته، المجلس الاعلى للدفاع أكّد انّ «حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس بكل الوسائل ضد اي اعتداء، هو حق محفوظ في ميثاق الامم المتحدة، لمنع تكرار مثل هذا الاعتداء على لبنان وشعبه وأراضيه»، معتبراً أنّ الوحدة الوطنية هي «السلاح في وجه العدوان».
ردّ «الحزب»
وفيما سرت معلومات عن انّ مجلس الدفاع أخذ علماً بأنّ «الحزب» سيوجّه ضربة لإسرائيل رداً على هجومها، سرعان ما تمّ نفيها، علمت «الجمهورية» انّ المجلس تبلّغ انّ ردّ الحزب «سيكون تنسيقياً ومتناسباً»، وأنّ ما يتمّ العمل عليه هو الضغط على اسرائيل لمنعها من أي ردة فعل على ردّ «حزب الله» لئلا تنزلق الامور، وضبط العملية في إطار الفعل الذي قامت به اسرائيل وردّ الحزب عليه. لكن الوسطاء ابلغوا الى الجانب اللبناني انّ حجم الردّ هو الذي يحكم التطورات.
«ضربة محسوبة»
الى ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن «مصدرين مطلعين» قولهما أمس، إنّ «حزب الله» يخطّط لتنفيذ «ضربة محسوبة» ضد إسرائيل، رداً على هجومها الأخير على الضاحية الجنوبية لبيروت بطائرتين مسيّرتين مفخختين، لن تؤدي إلى إندلاع حرب في المنطقة.
ونقلت الوكالة عن أحد هذين المصدرين، أنّ الرد «سيتم ترتيبه بطريقة لن تؤدي إلى حرب لا يريدها أي من «حزب الله» وإسرائيل».
وأضاف: «التوجّه الآن إلى ضربة محسوبة، أما الطريقة التي ستتطور بها الأحداث، فهذه مسألة أخرى».
في مجلس الدفاع
وفي معلومات «الجمهورية»، انّ جلسة مجلس الدفاع بدأت بمداخلتين لعون والحريري، اللذين شدّدا على أهمية الموقف اللبناني ووحدته اياً كانت النتائج المترتبة على العملية العسكرية، وخصوصاً عندما يخاطب لبنان المجتمع الدولي لضمان وقوفه الى جانبه وتطويق اي مشروع حرب عليه، بعدما اتفق الجميع على اعتبار انّ ما حصل أدّى الى تغيير قواعد الإشتباك في المواجهة المفتوحة مع اسرائيل.
وبعدما شدّد عون على الظروف التي دفعته الى الدعوة الى الإجتماع، شرح الحريري للمواقف الدولية، وتوقف عند مضمون اتصاله بوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف وحجم تفهمّه للموقف اللبناني ووعده بإجراء الإتصالات اللازمة لتكون لموسكو كلمة في حماية لبنان ووحدته واستقراره ومنع اي انفجار مُحتمل.
وفي الشق السياسي شدّد المجتمعون على متابعة الإجراءات الديبلوماسية لتفي الشكوى اللبنانية بأهدافها وتزويد البعثات الديبلوماسية المعلومات والوثائق الضرورية التي يمكن تقديمها بتصرف كمصادر للقرار الدولي حماية للأمن القومي اللبناني.
وفي الشقين الأمني والعسكري، وبعدما قدّم قادة الأجهزة الأمنية التقارير وما تمّ جمعه من معلومات بعيداً من الإطلاع على جسم الطائرة المفككة وتلك التي انفجرت، لأنّهما ما زالتا بكل أجزائهما وما تبقى منهما في عهدة «حزب الله»، وكل ما استطاعوا تأكيده انهما كانتا تحملان المتفجرات من نوع «سي 4» بناء لمعلومات توافرت رسمياً من مصادر «حزب الله».
وإزاء النقص في المعلومات، لفت القادة الأمنيون الى انّهم لم يتوصلوا بعد الى تأكيد حول مصدر انطلاق الطائرتين وسط خيارين لا ثالث لهما: إما من البر أو من البحر، وتوسعوا في التحليلات ليُجمعوا على الإشارة الى خطورة الحدث في حال تبيّن انّهما انطلقتا من داخل الأراضي اللبنانية، لأنّ ذلك يعني حصول خرق خطير جداً ولا يمكن التهاون في شأنه.
وتوسّع النقاش في آلية استيراد مثل هذه الطائرات وطريقة تسويقها وضبط استخدامها وبيعها والأنواع المسموح باستيرادها، فشدّدوا على أهمية وضع آليات وإجراءات دقيقة لإستخدامها وفرض تراخيص مسبقة لتنظيم لمنع استخدامها لأغراض غير تقليدية ولغير الأهداف السلمية في المجتمع اللبناني والمناسبات حماية للأمن والإستقرار في لبنان.
وقالت مصادر المجتمعين لـ «الجمهورية»، انّ مجموعة من القرارات قد اتُخذت تركّز على أهمية متابعة الشكوى امام مجلس الأمن وتعزيز الموقف اللبناني وكذلك متابعة التحقيقات الجارية لتوضيح ما بقي ملتبساً من العملية.
نتنياهو ينبّه
وعلى صعيد الموقف الاسرائيلي، نبّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبنان و»حزب الله» و»فيلق القدس» الإيراني الى ضرورة أن «يتوخوا الحذر» في أقوالهم وأفعالهم.
وقال نتنياهو في مؤتمر صحافي، مشيراً الى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إنه «يعرف جيداً أنّ دولة إسرائيل تعرف كيف تدافع عن نفسها وتردّ على أعدائها».
وأضاف: «أود أن أقول له وللدولة اللبنانية التي تحتضن المنظمة التي تسعى إلى تدميرنا، وأقول (لقائد فيلق القدس) قاسم سليماني، كونوا حذرين في كلامكم وأكثر حذراً في أفعالكم». وتعهّد «منع إيران من ترسيخ نفسها عسكرياً في سوريا».
«مهمة تجسس»
في هذه الاثناء كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أمس معلومات جديدة عن الطائرتين المسيّرتين. ونقل موقع «إسرائيل 24» عن مصدر استخباراتي قوله إنّ «الطائرتين المسيّرتين كانتا في مهمّة تجسس، وأنّ كمية المتفجرات التي كانت على متنهما، أُعدّت من أجل التدمير الذاتي وليست لأهداف أخرى». وأضاف، أنّ «الطائرتين ليستا من صناعة إسرائيلية، وقد تمّ تعديلهما لمهمات عسكرية».
وكشف الموقع عن صور إلتُقطت بواسطة الأقمار الصناعية، تشير إلى مسار تحليق الطائرتين، لافتاً إلى أنّ «الطائرتين كانتا تداران عن بعد من البحر الأبيض المتوسط، على مسافة 5 كيلومترات من الضاحية الجنوبية لبيروت».
تكنولوجيا الصواريخ
وقالت صحيفة «التايمز» البريطانية، انّ حادث الطائرتين المسيّرتين في ضاحية بيروت الجنوبية، يُعتقد أنّه هجوم إسرائيلي استهدف موقعاً يخزّن فيه «حزب الله» أجزاء أساسية من صواريخه الدقيقة.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ «الحادث في بيروت أكثر إثارة للحيرة من الهجوم الذي أدّى إلى مقتل عنصرين من «حزب الله» في منطقة عقربا السورية في اليوم عينه»، معتبرة في هذا السياق أنّ «الهجوم في الداخل اللبناني سيُعتبر تصعيداً كبيراً، وبالتالي فإنّ الهجوم على مركز إعلامي للحزب سيكون هدفاً مستبعداً».
ونقلت الصحيفة عن مصادر استخباراتية غربية قولها إنّ «منشأة التخزين التي تمّ استهدافها في منطقة الضاحية، معقل «حزب الله» في العاصمة اللبنانية، تحتوي على (خلاط كوكبي صناعي) متطور، ضروري لخلط الوقود الصلب المخصص للصواريخ عالية الدقة».
وزعمت المصادر، وفق «التايمز»، أنّ «الخلاّط الصناعي» المستهدف تعرّض لأضرار جسيمة، وأنّ أنظمة التحكّم الإلكترونية الموجودة في صندوق منفصل، دُمرّت بكاملها. وأشارت إلى «أنّ «الخلاط الصناعي» يُعتبر أحد الأجزاء الرئيسية لتكنولوجيا الصواريخ الدقيقة ويتمّ تصنيعه في إيران».
وأكّدت الصحيفة «أنّ إسرائيل تتعامل بجدّية مع تهديدات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، الذي قال الأحد الماضي، «إنّ الوقت الذي يمكن أن تضرب فيه إسرائيل لبنان من دون عقاب، قد انتهى».
كلام عون
الى ذلك، أثار كلام عون عن حق لبنان في الرد على الطائرتين المسيّرتين الإسرائيليتين بعض الإعتراضات والإنتقادات، إذ اعتبره اصحاب هذه الاعتراضات بمثابة تغطية وتشريع لأي ردّ لـ«حزب الله».
وقالت مصادر مطّلعة على مواقف عون لـ«الجمهورية»، إنّ «هذا الإعتراض يوضع في خانة الإعتراض في السياسة، ومن يتحدثون بهذا المنطق لا يفكرون بماذا يجب أن يكون موقف أيّ رئيس دولة»، وسألت: «هل يجب أن يُعلن رئيس الجمهورية الاستسلام للعدو الإسرائيلي؟».
وذكّرت المصادر بأنّ «من حق لبنان الدفاع عن نفسه وهذا حق مشروع حسب الدستور الذي أقسم رئيس الجمهورية يمين الحفاظ عليه وعلى سلامة الأراضي اللبنانية»، وقالت: «ليراجعوا البيان الوزاري الذي حصلت الحكومة على ثقة المجلس على أساسه، وليراجعوا الخطابات الرسمية».
وإذ شدّدت على أنّ «الرئيس قال إنّ من حق لبنان الدفاع عن نفسه»، سألت: «هل يعترض أحد على ذلك؟ هل كان يجدر به القول للإسرائيليين، يُمكنكم انتهاك سيادتنا وكرامتنا ولن ندافع عن أنفسنا؟ أين الحس الوطني لدى هؤلاء المعترضين؟».
واشارت إلى أنّ «حزب الله» لم يبادر الى أي عمل، ومنذ 2006 إلى الآن لم تُطلق رصاصة من الأراضي اللبنانية وإسرائيل تخرق أجواء لبنان يومياً، وتضرب سوريا من أجوائنا وتنفّذ عمليات وتعتدي على أرضنا». وقالت: «لو ضربت الطائرة الإسرائيلية المُفخخة طائرة مدنية، ماذا كان ليحصل؟ وهل يجب أن نسكت؟».
كذلك، برزت فرضيات عدة حول هوية الطائرتين ومركز إطلاقهما، وفي هذا الإطار، قالت المصادر نفسها إنّ «التحقيقات سرّية إلى الآن، لكن من المؤكّد أن إسرائيل أرسلتهما. فهل يُمكن الرئيس أن يطلق مواقف غير مستندة إلى معطيات أكيدة؟ إنه رئيس الدولة ويزين كلّ كلمة يقولها ويدرسها ويبني عليها».
وعن وسائل الرد أو الدفاع التي تحدّث عنها عون، قالت المصادر إنّ «كل وسائل الرد متاحة وفق القانون الدولي وشرعات الأمم المتحدة التي تحفظ لكلّ الدول حق الدفاع عن نفسها».