لمعت أسماء كثيرة في الآداب الإنجليزية في القرن الماضي، بعضها لا يزال مشرقاً، وبعضها انطفأ مع مرحلته. اسمان لا يزالان في طليعة البقاء الأبدي، مهما اختلف النقاد: جورج أورويل في النثر، وتي إس. إليوت في الشعر. لا تزال أعمالهما تصدر في طبعات جديدة، ولا تزال موضعاً لعشرات الأطروحات في جامعات العالم.
عاش إليوت ميسوراً في أميركا، وأورويل غير ميسور في بريطانيا، أو الأماكن الأخرى التي تاه فيها: بورما، وباريس، والهند، والحرب الأهلية الإسبانية. كلاهما كتب للحرية على طريقته. إليوت بالشعر الرمزي. أما أورويل، فذهب في الرمز أبعاداً أخرى. قرر أن يقلد ابن المقفع في «كليلة ودمنة»، والفرنسي دو لافونتين في حكاياته. وفي سبيل محاربة الاستبداد والنظام السوفياتي المطبق آنذاك، وضع كتابين، «مزرعة الحيوان» و«1984»، والأخير مرت هذه السنة ذكرى 70 عاماً على صدوره.
بعد انتهائه من «مزرعة الحيوان» لم يكن واثقاً أنه سوف يعثر على دار نشر تقبل بإصداره. إنه كتاب للخاصة والنُخب، وقد يكون مبيعه قليلاً. لذلك، لا بدّ من البحث عن مغامر يرعى هذا العمل الأدبي دون التطلع إلى التكلفة المادية. لم يفكر طويلاً. أعد المخطوطة وبعث بها إلى تي إس. إليوت، أحد المديرين في دار «فابر أند فابر» النيويوركية للنشر.
تحولت رسالته إلى إليوت، وردّ إليوت عليه، إلى أحد أهم الأحداث في تاريخ الأدب العالمي. قال إليوت إنه قرأ المخطوطة «في تمعّن» وحار في أمرها، وهو ينصح، في أي حال، بالبحث عن ناشر آخر يقبل هذا النوع من الكتب السياسية. «وسوف أكلف المسز شندون «السكرتيرة) أن تعيد إليك المخطوطة في مغلف آخر».
لم يفقد إليوت وظيفته بعد هذا القرار، لكنه فقد عقله واحترامه لنفسه يوم فاته أن يدرك أنه يرفض إحدى تحف الأدب الإنجليزي المعاصر، بحجة أنها تمثل الفكر التروتسكي. أربعة ناشرون آخرون رفضوا قبول «المزرعة». وعندما صدرت طبعتها الأولى في النهاية، نفدت 4500 نسخة خلال أيام (1944). وعام 1973 جلس أورويل يدون مذكراته، وتبين له أن «المزرعة» باعت 9 ملايين نسخة حتى ذلك الوقت.