سادت أمس حال من الحذر الشديد على طول الحدود الجنوبية إثر الاعتداء الاسرائيلي فجراً بالطائرتين المسيرتين على الضاحية الجنوبية، وتواكبت مع نداءات أطلقتها السلطات الاسرائيلية للمستوطنين في المستعمرات القريبة من الحدود اللبنانية، لتوخي الحذر، فيما بَدا الأمر على الجانب اللبناني هادئاً، إلّا ان مصادر امنية اكدت لـ«الجمهورية» انّ حالة من الاستنفار تسود المنطقة، متواكبة مع إعلان المقاومة رفع حالة الجهوزية لدى مقاتليها تحسّباً لأي طارىء.
نصرالله
في هذه الاجواء أطلّ السيد نصرالله من بلدة العين (في محافظة بعلبك الهرمل) بخطاب مُتلفز لمناسبة ذكرى تحرير الجرود من المنظمات التكفيرية، فأكّد أنّ ما حصل في الضاحية «خطير جداً، هو هجوم بطائرة مسيّرة انتحارية على هدف في الضاحية الجنوبية لبيروت».
ولفت الى أنّ هذا الهجوم «هو أول عمل عدواني منذ 14 آب 2006، وهذا خرق لقواعد الاشتباك التي تأسست بعد حرب تموز، وهو خرق كبير وخطير، وأيّ سكوت عنه سيؤدي الى تكرار السيناريو العراقي في لبنان»، وقال: «نحن في المقاومة لن نسمح بمسار من هذا النوع مهما كلّف الثمن، وانتهى الزمن الذي تأتي فيه طائرات اسرائيلية تقصف مكاناً في لبنان ويبقى الكيان الغاصب في فلسطين آمناً».
وقال: «من الآن وصاعداً سنواجه المسيّرات الإسرائيلية في سماء لبنان، وعندما تدخل سنعمل على إسقاطها وليعلم الاسرائيلي بذلك من الآن، ولن ننتظر أحداً في الكون، وإذا كان أحد في لبنان حريصاً على عدم حصول مشكلة ليتحدث مع الأميركان لكي يطلبوا من الاسرائيليين أن ينضَبّوا».
وأشار نصرالله الى القصف الاسرائيلي الذي استهدف مركزاً لحزب الله في سوريا «وارتقى فيه شهيدان»، وقال: «سأعيد تذكير العالم بهذا الالتزام، اذا قتلت اسرائيل أيّاً من أخواننا في سوريا سنرد في لبنان وليس في مزارع شبعا، وأقول للجيش الإسرائيلي على الحدود «قف على الحائط على إجر ونصف وانطِرنا» يوم أو اثنين أو 3 أو 4. وأقول للاسرائليين ما حصل ليلة أمس لن «يقطع»، وأقول للاسرائيليين انّ نتنياهو ينظّم انتخابات بدمائكم ويستجلب لكم النار من كل مكان».
وأضاف: «لن نسمح بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء أو أن يصبح لبنان مستهدفاً، وهذا الأمر بالنسبة إلينا خط أحمر». وقال: «نحن أمام مرحلة جديدة، وليتحمل الجميع مسؤوليته في هذه المرحلة».
مشاورات
وجرت مشاورات في الساعات الماضية بين الرؤساء الثلاثة، تمحورت حول العدوان الاسرائيلي وسبل مواجهته.
وفيما لم تؤكد مصادر وزارية مواكبة لهذه الاتصالات او تنفي ما تردد عن إمكان الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، او دعوة المجلس الاعلى للدفاع الى الانعقاد، علمت «الجمهورية» انّ رئيس الحكومة سعد الحريري إتصل برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووضعهما في اجواء اتصال تلقّاه من وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، الذي نقل اليه رغبة واشنطن في إبقاء حال الاستقرار سائدة في لبنان، وانّ الادارة الاميركية تبلغت من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو انّ اسرائيل ليست في صدد التصعيد مع لبنان.
وكان الاتصال بين الحريري وبومبيو حصل إثر حادثة الطائرتين، وشدّد الاخير خلاله على «ضرورة تجنب أي تصعيد، والعمل مع كافة الأطراف المعنية لمنع أي شكل من أشكال التدهور».
وفي المقابل، شدد الحريري على «التزام لبنان بموجبات القرارات الدولية، ولاسيما منها القرار 1701»، منبّهاً إلى «مخاطر استمرار الخروقات الإسرائيلية لهذا القرار وللسيادة اللبنانية، ووجوب العمل على وقف هذه الخروقات». وشكر الحريري لبومبيو اتصاله، مؤكداً «بذل كل الجهود من الجانب اللبناني لضبط النفس والعمل على تخفيف حدة التوتر».
ودانَ كلّ من عون والحريري الاعتداء الإسرائيلي، فيما أصدرت وزارة الخارجية بياناً طلبت خلاله من مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة أمال مدللي تقديم شكوى فورية إلى مجلس الأمن الدولي، لإدانة هذا «الخرق الخطير للسيادة اللبنانية».
روكز
وفي المواقف من حادثة الضاحية، إعتبر عضو كتلة «لبنان القوي» العميد شامل روكز لـ«الجمهورية» أنّ «هذا الإعتداء على السيادة اللبنانية مرفوض، خصوصاً أنّ الضربة الإسرائيلية أتت في قلب الضاحية الجنوبية».
وشدد على «ضرورة المواجهة الشعبية الموحّدة لهذا الإعتداء»، قائلاً: «نحن كلبنانيين، علينا أن نقف في وجه الإعتداء». داعياً مجلس الوزراء إلى «اتخاذ موقف واضح وصريح وحاسم من هذا الموضوع». ومشيراً الى أنّ «توقيت الضربة الإسرائيلية حسّاس جداً وسلبي إزاء الإستقرار في لبنان والمنطقة».
هاشم
بدوره، عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم قال لـ«الجمهورية» انّه «بات واضحاً وضوح الشمس أن ما حصل في الضاحية هو اعتداء على لبنان وانتهاك لسيادته، وهذا الاعتداء لا يحتاج الى أدلّة أو براهين. ما حصل هو تأكيد لطبيعة الإسرائيلي العدوانية والهمجية، فهو لا يتوقّف عند حدود المواثيق والقرارات الدولية».
وأضاف «أنّ لبنان سيتعامل مع هذه الحادثة على أنّها اعتداء، ولن يسكت عن هذا الإنتهاك لأنّه أوّل تغيير في قواعد الإشتباك منذ العام 2006، أي منذ 13 عاماً وحتّى اليوم. وهذا التطوّر الخطير يدلّ الى النيات الإسرائيلية العدوانية تجاه لبنان».
ولفت هاشم إلى أنّ «هذا الإعتداء قد جاء مباشرةً بعد الإعتداء على سوريا، كذلك تزامناً مع ما يجري في العراق، وكأنّ الهدف أخذ المنطقة إلى حرب مفتوحة».
قاطيشا
واعتبر عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب وهبة قاطيشا أنّ «حزب الله يروي ما يريد من القصّة، وأنّ العدوّ الإسرائيلي لم يقدّم أي معلومات إضافية، فلا تزال الحقيقة غير معروفة».
وطرح قاطيشا تساؤلات عدة حول ما حصل في الضاحية الجنوبية، وقال لـ«الجمهورية»: «كيف تحلّق طائرة بهذا الحجم بين البنايات في الضاحية الجنوبية، فمن أين انطلقت ومن أطلقها؟ أمّا بالنسبة الى الطائرة الثانية، فكيف وصلت بعد دقيقة ونصف دقيقة وكان الإتصال قد قطع بينهما؟».
واعتبر قاطيشا أنّ «السيد حسن غيّب الدولة اللبنانية في خطابه الذي يحمل لهجة تهديدية، وانّ على الدولة أن تقوم هي بالتحقيقات، وأن يتسلّم الجيش اللبناني حطام الطائرة بنفسه». ودعا الحكومة إلى «التصرّف بسرعة قبل أن يضعها «حزب الله» في موقف معيّن يحتّم عليها ترجّي الأمم المتحدة».
داوود
وإذ تزامن الخرق الاسرائيلي للأجواء اللبنانية مع الذكرى الثانية لمعركة «فجر الجرود»، قال قائد عملية «فجر الجرود» العميد السابق فادي داوود لـ«الجمهورية»: «بداية، استبعد انّ الطائرة سقطت عن طريق الخطأ، فهل تسقط طائرتان من طريق الخطأ ونحن نتكلم عن طائرة متقدمة تكنولوجياً؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا لم تسقط تلك الطائرات مصادفة في الطريقة نفسها فوق العراق وسوريا بل فقط فوق الضاحية؟
ولم يستبعد داوود «امتلاك حزب الله الرادارات التي تتحكم بالمسيرات عبر اعتراضها راديوياً».
وعن إمكانية وجود صواريخ لدى الحزب تسببت باستهداف مركزه الاعلامي تحديداً، قال داوود: «حتى لو لم يكن هناك صواريخ على مقربة من المركز او تحته، من المؤكد انه أسوة بمراكز القيادة تستهدفه إسرائيل مثلما استهدفت مقر قناة «المنار» وقصفت كل الهوائيات واللواقط وفشلت في وقف الارسال، لأنها كان تعتقد أنّ وسائل اتصالاته وأوامره لمجموعاته القتالية كانت تتم عبر تلفزيون «المنار» برسائل مشفّرة، فالوسيلة الاعلامية التابعة لحزب الله بحسب الاسرائيليين هي في حد ذاتها هدفاً».
وشدد داوود على أنه «ليس من وسيلة تمكّن حزب الله من معرفة الـ «درون» او الطائرة اذا كان لا يملك رادارات كونها تطير على علو 2000 متر، وهو يستبعد ان تنخفض الى مجال رؤيتها مباشرة الّا اذا كانت ستفجّر هدفاً ما».
ورجّح داوود ان تكون الطائرة الثانية قد أرسلت عندما فُقد الاتصال مع الاولى، فأرسلت الثانية خلفها بـ 20 دقيقة للاستطلاع، وهي كانت مجهزة بمتفجرات لتفجير الطائرة الاولى والثانية معاً تحسّباً، إذا سقطت.
وعن إمكانية امتلاك حزب الله الرادارات التي تعزز قدراته الجوية، يعتقد داوود «أنّ حزب الله يمتلك تلك الرادارات لأنّ السيد حسن قد انذر اسرائيل اليوم (أمس) بأنه سيسقط مُسيّراتها من الآن فصاعداً، إضافة الى انّ هذه الرادارات متوافرة مع الحرس الثوري وقد استعملها في اماكن عدة من الاقليم».
حوار اقتصادي
وعلى الصعيدين الاقتصادي والمالي علمت «الجمهورية» انّ اتصالات مكثفة جرت بين المستويات الرئاسية والرسمية، فور صدور تقريرَي وكالتي «ستاندرد اند بورز» و«فيتش»، تناولت سبل احتواء التداعيات التي قد تنشأ منهما، وخصوصاً ما يتصل بالتصنيف السلبي وإسقاط لبنان الى المرتبة C، حسب تقرير وكالة فيتش.
في هذا الاطار جرى تواصل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وتم التوافق على عقد اجتماع موسّع في القصر الجمهوري في 2 أيلول المقبل.
وبحسب مصادر موثوقة فإنّ هذا الاجتماع سيكون على شاكلة جلسات الحوار الوطني، وستشارك فيه القوى السياسية الموالية والمعارضة من الصف الأول الممثلة للكتل النيابية في مجلس النواب، وذلك للبحث في الوضع الاقتصادي في ضوء التصنيف الائتماني الجديد، وبالتالي اتخاذ الخطوات والتدابير حتى ولو كانت موجعة، والواجب اتخاذها لإحداث صدمة ايجابية في الواقع الداخلي، تعيد الامور الى نصابها وتضع الوضع الاقتصادي على سكة المعالجة الجدية.
بري
وعُلِم أنّ بري سيتولى توجيه الدعوات الى الحوار الاقتصادي في الساعات المقبلة، وقال لـ»الجمهورية»: «الوضع دقيق، ووصلنا الى لحظة لا بد فيها من اتخاذ قرارات حاسمة».
وأشار الى انه «بصرف النظر عن التقريرين وما تضمّناه، فإنّ الكرة كانت وما زالت في أيدينا، لإيجاد العلاجات الفورية للأزمة الاقتصادية، وهذا الأمر يتطلب فوراً اعلان حالة طوارىء اقتصادية، لوضع خريطة طريق الانقاذ، الذي بات ملحاً».
واكد بري انه «لم يعد ينفع ترف الوقت والانتظار بلا أي مبادرات، نحن في مركب واحد، وواجبنا إنقاذ هذا المركب من الغرق». واشار الى انّ تشاوراً حصل بينه وبين رئيس الجمهورية، وفي ضوئه تقرر عقد اجتماع موسع على مستوى رؤساء احزاب الكتل النيابية على اختلافها، للبحث في الحلول الفورية، والتي تتطلب ادراك الجميع لضرورتها، حتى ولو كانت حلولاً موجعة.
واوضح بري انّ هذا الاجتماع هو بمثابة «حوار اقتصادي» ينبغي ان يصل الى نتائج سريعة، على ان تأتي ترجمته فورية في موازنة العام 2020، والتي يفترض ان تتضمن تخفيضات ملحوظة جداً في العحز، اضافة الى تضمينها الابواب الاصلاحية الضرورية.
ورداً على سؤال، قال بري: انّ المهم قبل كل شيء، هو ان يتم التركيز على الشأن الاقتصادي. لم يعد الوقت يسمح للتلهّي بالمناكفات السياسية التي ارتدت بسلبياتها على الجميع، وقبلها على الوضع الاقتصادي.
وكرر بري، قائلاً: نحن ملزمون بإيجاد حلول، الوقت يضيق وامامنا فرصة للانتقال الى الانفراج، وامامنا ابواب يمكن ان نَلجها فوراً وتكون عاملاً مساعداً. فعلى سبيل المثال، لم يُعالج ملف الكهرباء الذي يشكل وحده ثلث عجز الموازنة، لحل جانب كبير واساسي من المشكلة، فكيف اذا عالجنا اموراً اضافية، الوضع ليس مقفلاً، ولكن لا بد من حلول سريعة.