عندما يقول محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إن بلاده لن تبدأ حربا، فإنه بكل بساطة يكذب، بينما يهلوس قادته بقول مختلف، وكأنهم في عالم آخر.
فإيران تشن عدة حروب مستمرة منذ عدة سنوات. ووقع ضحيتها مئات الآلاف، وأسفرت عن ملايين المهجرين، ودمرت بلدانا ومجتمعات بكاملها، وأفسدت دولا إلى حد الخراب، واستبدلت مقومات مؤسسية بميليشيات وعصابات وجماعات.
وفي حدود الأزمة الراهنة في مياه الخليج، فقد كانت إيران هي التي بدأت الاعتداء على عدة سفن، داخل المياه الإقليمية لدول أخرى. ولئن أنكرت، فلأنها أجبن من أن تعلن عن نفسها كمعتد. وهي تلجأ إلى التخفي وراء عصابات فتزودها بصواريخ وطائرات مسيرة من أجل شن اعتداءات على أمن دول في الجوار، بينما الكل يعرف، ويُعرّف، تلك الاعتداء على أنها “حرب بالوكالة”.
ولو لم تشن إيران اعتداءاتها على السفن في الخليج، ما كان لأحد أن يتجشم عناء الدعوة لحماية أمن الملاحة فيه، ولا كان أحد سيرغب بأن يرسل بوارج وطائرات إلى المنطقة. فالأمر في النهاية مُكلف. ودول العالم العاقلة لا تنفق أموالها من دون مبرر معقول.
والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، إنما تبنتها دولة عظمى، آثرت أن تنسحب من اتفاق (نووي) وجدته غير منصف، لأنه يتجاهل ما تصفه بـ”النشاطات المزعزعة للاستقرار” التي تمارسها طهران، ويتيح لها إنتاج صواريخ متوسطة المدى تشكل تهديدا لكل دول المنطقة.
وإذ يتعلق الأمر بدولة عظمى، فإنه من غير العاقل أن توجه طهران نزعاتها الهستيرية وحروبها بالوكالة إلى دول أخرى بينما تتجاهل (أو تجبن عن) المواجهة المباشرة مع الدولة التي تفرض تلك العقوبات.
وفي دلالة قاطعة على أن ما يكذب بشأنه ظريف، غير ظريف بالمرة، وقبيح كل مرة، فإن صدى التهديدات الإيرانية بالعدوان على حقوق وحريات الملاحة في مياه الخليج إنما يتردد في طهران، على لسان الرئيس الإيراني نفسه، حسن روحاني، الذي قال في ذات التوقيت، إن “الممرات المائية الدولية لن تكون آمنة إذا انخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر”.
وما لم يكن هذا التصريح إعلانا للحرب، أو تهديدا بها، فلا أحد يعرف ما هي الحرب. مع ذلك، فإن إيران، أجبن في الواقع من أن تشن حربا تعرف سلفا إنها سوف تخسرها. وحتى لو لم يصدق الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قول، فقد صدق بالقول “إن إيران لم تكسب حربا، ولم تخسر مفاوضات”. فهذا موجز تاريخ طويل بالفعل.
واليوم فرغم ما تزعمه من قوة حربية، فإن قوتها أقرب إلى أسلحة وتوظيفات القرون الوسطى. وهي لا تملك طائرات مؤهلة لحماية أجوائها، كما لا تملك أسلحتها تقنيات توازي الأسلحة الحديثة. ولئن كانت تملك بالفعل صواريخ يمكنها أن تصل إلى بولندا، فإنها صواريخ عشوائية، وسبق لها أن استخدمت ضد بغداد في سنوات الحرب ضد العراق، وكان كل ما أسفرت عنه هو ضحايا بين المدنيين.
ومنذ ذلك الزمن البعيد نسبيا (30 عاما تقريبا) كانت قد مرت مياه كثيرة من تحت جسر التقنيات الحديثة التي حُرمت منها إيران، وبات بوسعها أن تُسقط الصواريخ الإيرانية كما يسقط الذباب. بل إن ظريف يكذب، بمقدار أكبر، عندما يقول إن بلاده لن تبدأ حربا، وهو يعرف أنه لا قبل لها على أي حرب بالمعنى الذي أشار إليه.
المشكلة في المواجهة مع إيران، هي أن الدول القادرة على الحرب لا تريدها، لأنها لا تريد أن تنفق مالا على نظام ذباب يمكنه أن يسقط من تلقاء نفسه، أو لا يستحق قيمة الصواريخ التي قد تسقط على رأسه.
فالعقوبات المفروضة على إيران تجعلها تخسر أكثر من 50 بالمئة من مدخولاتها النقدية. وبينما تتهاوى قيمة عملتها تحت وطأة تضخم ساحق، فإن قدرتها على تمويل ميزان المدفوعات تتراجع على نحو دراماتيكي واضح. حتى وصل الأمر إلى حد أن “حزب الله” في لبنان الذي كانت تمده بملياري دولار سنويا، صار يشحذ ويمول وجوده من أعمال التهريب والموانئ غير الشرعية وتجارة المخدرات. أما ميليشياتها في العراق، فإنها تميل، أكثر فأكثر، إلى نهب الدولة من أجل تزويد طهران ببعض المال الذي لا يقدر أن يسد كل ثقوب اقتصاد منخور حتى النخاع.
والحال فإن إيران تشن حروبا لا تعترف بها. وتطلق تهديدات لا تقدر على تحمل تكاليفها. ويقول وزير خارجيتها ما لا يقوله رئيسها. وتزعم لنفسها قدرات مكشوف للجميع مدى هزالها. وتضع نفسها أمام تحديات لا تقدر على تجاوزها، وتختلق اضطرابات وأزمات لا تضر أحدا أكثر مما تضر به نفسها. حتى لكأنها كيان مصاب باضطراب عقلي شديد، والكذب فيه مجرد تعبير عن حالة هلوسة.