فسّرت جملة باسيل باتجاهين على رغم انّ ارسلان كان يتحدث عن «الميغاسنتر» وتأثيره في الانتخابات، وانه لو تمّ اعتمادُه لكان نجح باسيل في تحقيق مزيد من النجاحات، ففي الاتّجاه الأول انتقادٌ لتموضع «حزب الله» في الانتخابات النيابية الأخيرة لجهة عدم وقوف الكتلة الشيعية صفاً واحداً خلف باسيل وارسلان وتوزيع أصواتها في أكثر من اتّجاه ما أدّى إلى تشتيتها، وفي الاتجاه الثاني حادثة البساتين ـ قبر شمون الأخيرة التي لم يدعم فيها الحزب موقف باسيل «عا العمياني» وحتى النهاية، بل ضغط لإنهاء هذه الحادثة وتحقيق المصالحة التي خرج منها خاسراً بسبب إسقاط المجلس العدلي.
ما تقدّم يندرج في إطار الوقائع، ولكن ماذا في أبعاد جملة «قليلة شو عمل فينا الحزب»:
أولاً، يعتقد باسيل انّ على «حزب الله» تنفيذ أجندته المحلية، وانه مقابل تأييده «مقاومة» الحزب، على الأخير أن يؤيّد سياساته الداخلية. فبالنسبة إلى باسيل،لا يحق للحزب أن تكون له سياسة محلية، فيما أثبتت الوقائع انّ اعتقاد باسيل ليس في محله.
ثانياً، تكشف جملة باسيل سوء تقديره السياسي لناحيتين، فهو يظنّ انّ «حزب الله» ينفّذ سياسته، فيما العكس هو الصحيح، حيث إنّ الحزب يدعمه حصراً في كل موقف يصبّ في خانته، ويقف على الحياد في كل ما يتعارض مع مصلحته، ويعارضه من دون أن يجاهر بذلك في كل موقف او تموضع لا ينسجم مع خطه السياسي على غرار المواجهة بين باسيل والرئيس نبيه بري، حين وقف علناً وصراحة مع بري ومن دون أن ينعكس هذا الموقف على طبيعة العلاقة مع باسيل.
والناحية الثانية انّ لـ«حزب الله» سياسةً محلّية تأخذ في الاعتبار مصلحة الحزب الاستراتيجية لناحية التموضع وطنياً ونسج الخيوط السياسية تبعاً لهذه المصلحة.
ويبدو انّ باسيل يخلط بين مرحلتين، مرحلة الانقسام العمودي التي كانت فيها المواقف «يا أبيض يا أسود» ولا تحتمل الهوامش والتمايزات السياسية، حيث كان التصعيد العوني يخدم أهداف الحزب السياسية، ومرحلة التسوية السياسية التي اختلطت فيها التقاطعات ودخل فيها الحزب بقوة إلى الحياة السياسية الداخلية.
ثالثاً، تكشف جملة باسيل حجم الاختلاف ضمن التحالف بينه وبين «حزب الله»، الأمر الذي يؤشر إلى معطى بغاية الأهمية، وهو انّ الحزب وضع في جيبه تأييد باسيل لسلاحه وأخرجه من كونه عامل مقايضة على غرار ما كان عليه في بدايات التحالف بينهما: «التيار الوطني الحر» يؤيد سلاح «حزب الله» مقابل تأييد الحزب سياسة التيار المحلية.
فالاختلاف الداخلي بينهما يدل على ان الحزب انتقل الى مرحلة جديدة عنوانها اعتبار سلاحه من البديهيات التي يجب على التيار تأييدها بكونها «تحصيل حاصل»، ما يعني وضعه للتيار في منزلة القوى والأحزاب الصغرى التي تدور تاريخيا في الفلك السوري، ومن دون ان يأخذ في الاعتبار كلفة هذا التأييد على التيار داخل البيئة المسيحية وعلى المستويات الوطنية والعربية والدولية.
وتصحّ في المعادلة الجديدة التي وضعها الحزب مقولة «ما لي لي وما لك لي ولك»، بمعنى انّ السلاح أصبح خارج النقاش والمقايضات وأنه انتزع تأييداً غير قابل للتبدّل، وهذا ما يهمّ الحزب، فيما الحركة السياسية الداخلية قابلة للأخذ والرد تبعاً لمصلحة كل طرف، ولكن مع الأخذ في الاعتبار عنصر أساس هو عدم تحويل الاختلاف إلى خلاف.
فالطرف الضعيف والخاسر في هذه المعادلة هو باسيل، والطرف القوي الرابح هو الحزب الذي انتزع الغطاء المسيحي لسلاحه من دون مقابل، فهو تأييد غير مشروط وكأنّ «التيار الوطني الحر» أصبح مقتنعاً عقائدياًَ بسلاح إيراني المنشأ والأهداف، بدليل انّ السيد حسن نصرالله أعلن مراراً وتكراراً انّ ايَّ استهداف أميركي لإيران سيستتبع رداً من كل مكوّنات محور الممانعة، ومن ضمنها الحزب.
ويدرك باسيل انّ كلفة تأييد سلاح «حزب الله» مكلفة جداً وتتجاوز انعكاساتها ترسيمات التحالفات السياسية أو حدود اللعبة الداخلية إلى العقوبات الأميركية التي في حال شملت «التيار الوطني الحر» يعني ذلك خروجه من السباق الرئاسي، والفارق الأساس بين مرحلة انتخاب العماد عون رئيساً واليوم هو التبدّل في الإدارة الأميركية والتشدّد في طريقة التعامل مع العهد وتياره إلى درجة المقاطعة السياسية.
والمفارقة انّ التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» كان يشكّل مع انطلاقته مصلحة للأول أكثر من الثاني، فيما تحوّل اليوم إلى مصلحة للتيار أكثر من الحزب، وهذا لا يعني انّ أحداً في وارد التخلّي عن الآخر، ولكن حتى المعادلة التي انطبقت على عون بتأييد ترشيحه الرئاسي لم تنسحب على باسيل مع رفض الحزب إعطاء أيّ تعهّد له على هذا المستوى.
وعلى رغم ذلك، فإنّ باسيل يجد نفسه مضطراً الى عدم التراجع عن تأييده سلاح الحزب من أجل أن يحافظ على فرصة تأييده رئاسياً، وفي هذا السياق يأتي موقف رئيس الجمهورية من الاستراتيجية الدفاعية كموقف تسليفي للحزب ودفعة على الحساب مقابل أن يبدّل في موقفه الانتظاري ويحسم خيارَه بتبنّي باسيل رئاسياً.
فكيف سيتصرف باسيل إزاء معادلة «حزب الله» الجديدة «ما لي لي وما لك لي ولك»، خصوصاً انّ الحزب وضعها في زمن ميشال عون؟ فيما السؤال: كيف سيتعامل معه مع أفول هذا الزمن بعد عمر طويل؟