قال محللون في «غولدمان ساكس»، ومنهم فاروق سوسة، في مذكرة الأسبوع الماضي، إنّ «التدهور المستمر في وضع السيولة الاجنبية للبنان، يشير إلى خفض محتمل للتصنيف إلى درجة CCC».
وفيما اعتبر «غولدمان ساكس»، انّ التوترات السياسية الأخيرة هدّدت بتعطيل الأجندة الاقتصادية وقلّصت من شهية المستثمرين، ما خفّض توقعاته للنمو الاقتصادي في لبنان هذا العام إلى 1 في المئة من 2.2 بالمئة.
في هذا الاطار، وضع الخبير الاقتصادي نسيب غبريل مذكرة «غولدمان ساكس» في خانة التكهنات، معتبراً أنّ من الأفضل الابتعاد عن تلك التكهنات وعدم استباق تقييم «ستاندرد اند بورز» المتوقع صدوره الجمعة او تقييم وكالة «فيتش» التي ستُصدر تقييمها الجديد قريباً أيضاً. وفضّل غبريل عدم الغوص في التكهنات، كما هو الحال حالياً مع كثير من وسائل الإعلام والسياسيين والمحلّلين، الذين أطلقوا العدّ العكسي قبل صدور تقرير الوكالة، كأنّها المرّة الاولى التي تصدر فيها تقييمها الائتماني حول لبنان.
وفيما انتقد غبريل مَن بدأ بالتهويل والادّعاء انّ خفض تصنيف لبنان، إذا حصل، سيؤدي الى الإنهيار أو الإفلاس، قال لـ«الجمهورية»: «انّ تقييم «ستاندرد اند بورز» تجريه لجنة متخصّصة ولا يصدر القرار سوى قبل 24 ساعة من نشر التقرير». وذكر انّ امام الوكالة 4 خيارات لا يمكن ولا يجب التنبُّؤ بأرجحيّة كلّ منها:
- الابقاء على التصنيف الائتماني الحالي عند B- مع نظرة مستقبلية سلبية.
- الابقاء على التصنيف الائتماني الحالي عند B- وتعديل نظرتها المستقبلية من سلبية الى مستقرة.
- رفع التصنيف الائتماني للبنان من B- الى B
- خفض التصنيف الائتماني من B- الى CCC-
واكّد غبريل، انّه بغض النظر عمّا سيكون تصنيف ستاندرد اند بورز، فإنّ المصارف اللبنانية قادرة ولديها الامكانات لتتعاطى في الشكل المناسب مع التقييم الجديد، مما يحافظ على ملاءتها وسيولتها واستمرار عملياتها بنحو طبيعي. مشدّداً على انّ المصارف أعادت ضخّ 60 في المئة من أرباحها في رأسمالها في الفترة من 1990 و2018 ما سمح لها بمواجهة التقلبات والخضّات السياسية والاقتصادية والمالية المحلية او الاقليمية.
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد أمل خلال الإحتفال الختامي لطلاب الأكاديمية المارونية، أن تبقي وكالة «ستاندرد اند بورز» على تصنيف لبنان الائتماني الحالي، لافتاً الى انّ مصرف لبنان شرع، من باب الاحتياط، في اتّخاذ إجراءات لحماية القطاع المالي من خفض المخاطر السيادية. وكان لا بدّ من رسملة العائدات التي حققتها البنوك من الهندسة المالية في العام 2016 وعدم توزيعها، وفقاً لتوجيه أصدره مصرف لبنان في ذلك الوقت، ما ساعد في رفع ملاءة المصارف إلى نحو 16 في المئة.
واشار سلامة الى انّ خفض التصنيف سيخفّض هذه النسبة إلى 12 في المئة، لكنها ستظل أعلى بكثير من متطلبات بازل. وذكر انّ تعميماً آخر صدر هذه السنة، سيمكّن المصارف من إعادة تكوين الملاءة المالية تدريجاً إلى المستويات الحالية. وكرّر وزير المال علي حسن خليل عبر «الجمهورية»، دعوته الى إنتظار تقرير وكالة «ستاندراند بورز»، معتبراً «أنّ ما يتمّ الحديث عنه في الاعلام هو مجرّد تحليل أو تقرير صحافي، وأرفض التعليق عليه». واستبعد خليل أنّ «يكون لبنك «غولدمان ساكس» أي علاقة بالتقرير الصحافي المذكور».
محاولات فاشلة
وعلمت «الجمهورية»، انّ محاولات فاشلة هي تتمّة لمحاولات متعددة سابقة جرت في الأيام القليلة الماضية أجرتها الجهات اللبنانية المعنية بالشأن المالي، مع وكالة «ستاندرد اند بورز»، لتأخير صدور تقريرها حول التصنيف الائتماني للبنان.
وبحسب معلومات المصادر الموثوقة، فإنّ الجواب الذي تلقّاه الوسطاء الذين تواصلوا مع الوكالة جاء سلبياً، مع التأكيد أنّ التقرير سيصدر في موعده في 23 آب الجاري، وربما قبل الموعد بيوم.
جو سلبي
وعلمت «الجمهورية» ايضاً، أنّ الوسطاء عادوا بجو سلبي لناحية التصنيف، بحيث تأكّد لهم أنّ التقييم الذي سيتضمن التقرير للبنان سلبي، ما يعني التخفيض إلى C. مع ما يعني ذلك من آثار سلبية وارباكات سيُحدثها التقرير، لجهة تخفيض يُفقد الثقة بلبنان، ويعدم ثقة المستثمرين، بما يجعله بلداً غير مؤهّل، أو غير قابل للاستثمار فيه.
وقالت مصادر اقتصادية لـ«الجمهورية»، انّ التقرير «يرسم صورة قاتمة حيال المرحلة التي ستليه، قد يكون من الصعب جداً احتواء تداعياته في حال استمر الحال على ما هو في لبنان، وخصوصاً لجهة التقصير الواضح لدى السلطة الحاكمة في مقاربة جديّة وفاعلة للأزمة الاقتصادية الخانقة، وهي تتحمّل كل المسؤولية، كونها تجاهلت كل النصائح التي أسدتها لها المؤسسات المالية الدولية، فضلاً عن انها لم تقدّم أي إشارة إيجابية للمجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، تشير إلى توجّهها الحقيقي نحو علاجات وإصلاحات على مستوى الادارة، أو على المستوى المالي. وهذا معناه انّ المؤسسات المالية لم تقتنع بالموازنة التي أُقرت قبل فترة، ولم تر فيها مجالاً لإنعاش حقيقي للاقتصاد، ولا لإصلاح حقيقي مطلوب، ولا سبيلاً لتحقيق النمو.
وكشف خبراء اقتصاديون لـ«الجمهورية»، ان حالاً من الارباك يسود المستويات المالية والاقتصادية، إلاّ أن اللافت للانتباه أنّ الجهات الرسمية المعنية، لا تملك خطة لمواجهة تداعيات التصنيف السلبي، بل يبدو انها قرّرت ان لا تتحرّك الّا على وقع الصدمة التي قد يحدثها.
واللافت في هذا المجال، أنّ الجهات المعنية بالشأن المالي تقلّل من وطأة التقرير السلبي. وقالت مصادر وزارية معنية لـ «الجمهورية»: «التقرير في نهاية الامر يصدر عن وكالة، وهذه الوكالة بالتأكيد تابعة لجهات دولية معينة. لا ننفي أنّ الوضع الاقتصادي صعب في لبنان، والحكومة تقوم بواجباتها لجهة التحصين والخروج من الأزمة، وبالتالي يُخشى ان يكون التقرير مستنداً الى خلفيات سياسية، علماً انّ التصنيفات السابقة صدرت حينما كان الوضع الاقتصادي اكثر صعوبة مما هو عليه الآن، ومع ذلك لم تأتِ التصنيفات سلبية بكاملها، وبالتالي أياً كان محتوى التقرير او درجة التصنيف، لسنا قلقين من أي تداعيات، بل على العكس، الحكومة ماضية في سياستها لتحقيق الاقتراحات المطلوبة على هذا الصعيد، وخصوصاً لجهة تنفيذ ما اتُفق عليه في الاجتماع الاقتصادي في بعبدا».
ويبدو أن الاولويات تحولت بعد اجتماعات بعبدا الآخيرة الى أولوية استراتجية واحدة هي المالية والاقتصادية يُمَهَّد لها بأولوية سياسية الخصها بلكمتين كما تمّ تأكيدها ببعبدا «صفر مشاكل» ما يتيح للبنان وقطاعاته المالية والاقتصادية ضمن مناخ من الاستقرار السياسي استعادة الثقة محلياً وخارجياً. وقد اتخذ القرار بتنفيذ موازنة ٢٠١٩ وتوصيات لجنة المال بحذافيرها واحالة واقرار موازنة ٢٠٢٠ في موعدها الدستوري لأول مرّة منذ الطائف كما وضع الخطط التنفيذية في الملفات المالية والاقتصادية المطروحة من تهرّب ضريبي وجمركي وكهرباء ورفع معدلات النمو بالتوازي مع اعداد موازنة ٢٠٢٠ برعاية رئيس الجمهورية وبالتعاون مع رئيسي المجلس النيابي والحكومة.
بطيش
ورفض وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش «إستباق الأمور»، داعياً الى «إنتظار نتائج التصنيف ليبنى على الشيء مقتضاه».
وعن النتيجة التي يتوقّعها قال بطيش لـ«الجمهورية»: «لم يتم يوماً تسريب أي معلومات من هذه الوكالات، وإني أنتظر نتائج التصنيف، وعودة الحريري، وكل الاحتمالات واردة». واضعاً «كل ما يُقال ويُسرّب من هنا وهناك في اطار التكهنات لا أكثر».
وعمّا إذا كانت لدى الوزارة خطّة إقتصادية لمواجهة أي خفض للتصنيف، أكّد بطيش أنّ «لدى الوزارة سلسلة إقتراحات سيتم درسها مع الرئيسين عون والحريري في الوقت المناسب».
وزني
من جهته، قال الخبير الاقتصادي غازي وزني لـ«الجمهورية» عن نتائج تصنيف «ستاندرز اند بورز»، في حال جاء سلبياً، ان هذا يعني اولاً ارتفاع معدلات الفوائد، وثانياً انخفاض أسعار سندات «اليوروبوند» في الاسواق العالمية، وثالثاً صعوبة بيع هذه السندات اللبنانية في الاسواق العالمية، ورابعاً إلزام المصارف بزيادة رساميلها، اضافة الى حدوث إرباك داخلي كامل، وإشاعة مناخ غير مطمئن للمستثمرين والمودعين، وتراجع التدفقات المالية الى لبنان، وزيادة العجز في ميزان المدفوعات.
مجلس الوزراء
من جهة ثانية، علمت «الجمهورية» انّ تفاهماً تمّ على عقد جلسة لمجلس الوزراء بعد غد الخميس في قصر بيت الدين للبحث في آخر التطورات السياسية والإقتصادية. وقالت مصادر مطلعة، انّ الترتيبات جارية بين المدير العام للقصر الجمهوري والأمين العام لمجلس الوزراء لترتيب جدول الأعمال الذي سيُعمّم على الوزراء اليوم.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»، إنّ «القوات تطالب بإستنفار نيابي وحكومي في هذه المرحلة الدقيقة، لكي تتمكّن الحكومة من إيصال لبنان إلى شاطئ الأمان، وذلك مع عودة الإنتظام المؤسساتي، بعد المصالحة التي تمّت في بعبدا وطيّ الصفحة الأليمة التي مرّت على لبنان. فالجميع ينتظر أن تكون هناك إنتاجية على مستوى المؤسسات، وهناك أكثر من ملف ينتظر الرأي العام اللبناني معالجته بفارغ الصبر، خصوصاً على الصعيد الإقتصادي».
أمّا بالنسبة إلى التعيينات، فأشارت المصادر، إلى أنّ «القوات تأمل مع عودة الكلام عن موضوع التعيينات أن يُصار إلى وضع آلية للتعيينات، وأن تتحوّل هذه الآلية قانوناً مُلزماً لكي لا تبقى رهن السير بها أو عدمه». واعتبرت أن «من المفيد جداً تحويلها قانوناً لتُصبح ملزمة في كل العهود والمراحل بلا إستثناء، لأنه لا يُمكن بناء دولة في لبنان إلّا من خلال آليات قانونية تُمكّن أصحاب الكفايات والجدارة من الوصول إلى مواقع المسؤولية».
وعن الجدل حول المعابر غير الشرعية، أكّدت المصادر نفسها أنّ «منذ إثارة موضوع المعابر غير الشرعية أثناء مناقشة موازنة 2019 منذ نحو شهرين وإلى اليوم، لم نحصل على أي تقرير واضح وموقّع يُطلع اللبنانيين على العمل في هذا الإطار، حيث أنّ أكثر من فريق سياسي تحدّث عن هذا الموضوع».
وقالت المصادر «القواتيّة»: «لا نعلم بعد ما إذا تمّ إقفال معابر غير شرعية منذ شهرين إلى اليوم وما هو عددها، وأين أصبحت التجهيزات والتحضيرات من أجل إقفال هذه المعابر، وأين هي الثغرات في هذا الموضوع وماذا أُنجز حتى اللحظة، وماذا لم يُنجز؟»، معتبرةً أنّ «من حق الرأي العام اللبناني، خصوصاً بعدما أُثيرت هذه القضية في مجلس النواب وعلى الملأ، أن يعرف بالتحديد معطيات عملية عن هذه المعابر وليس مواقف سياسية تنظيرية وإعلامية».
باسيل في الديمان
من جهة ثانية، التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان أمس رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على مدى ساعتين، وقالت مصادر بكركي لـ«الجمهورية»، انّ الإجتماع عُقد بناء على طلب باسيل، «وكان ممتازاً وأجواؤه كانت إيجابية جداً»، مشيرةً إلى «أنه كان لقاء عمل تمّ خلاله البحث في مسائل أساسية ومهمة وتناول مواضيع عدة، وسيستمرّ التواصل بين البطريرك والوزير باسيل لمتابعتها». ولفتت إلى أنّ «بكركي توافق على كلّ ما صرّح به باسيل بعد اللقاء في الديمان».
وكان باسيل قال، بعد اللقاء: «أخذنا الحديث الى الدستور وضرورة الحفاظ عليه والميثاقية التي نعيش من خلالها، ومن خلال ما هو مطروح في المادة 95 والتي تشكّل الشراكة بين بعضنا والحفاظ على ميثاقنا، وإننا برعاية غبطته مقتنعون بتوحيد الجهد والكلمة، ونحن أكثر من منفتحين ويدنا ممدودة لنكون جميعاً في الموقف الصحيح في الحفاظ على الميثاق ولا يكون لدينا اي التباس في الموقف الموحّد من الأمور الكيانية».