أجدني هنا مضطرا بأن أنصح السيد كما في كل مواقفنا ومقالاتنا وآرائنا ومن موقع الحريص بأن يقلع عن هذه الاتهامات من أجله وليس من أجلنا
ليست هي المرة الاولى التي يتناول فيها أمين عام حزب الله موضوع "المعارضة الشيعية" التي تطرق لها في خطابه الاخير بذكرى حرب تموز الذي أقامه الحزب في مدينة بنت جبيل، وكما درجت عادته فقد قارب موضوع المعارضة فقط من زاوية التهكم والاتهام والافتراء والادعاء (بدون اي دليل) ومحاولة تصوير المعارضة الشيعية على أنها مجموعة أشخاص يعرضون مواقفهم وآراءهم على بسطة البيع والشراء ولا هدف عندهم إلا ترويج بضاعتهم لأقرب شاري متوفر، فالمهم بنظره هو تحصيل الاموال ليس إلا !!!
غريب هذا الافتراء، بالخصوص من شخصية تجهد الماكينة الحزبية على الدوام لتصويره بأنه لا ينطق إلا صدقا، ولا يعد إلا صدقا، وانه حتى الاعداء يصدقون مقولاته فضلا عن وعوده، لدرجة أن حرب تموز الذي يحي ذكراه انما سميت عندهم بحرب "الوعد الصادق" فقط لانه كان وعد والدة سمير القنطار بأنه سيعمل على الافراج عنه !
فإذا كان لهذا الاصرار من سماحة السيد، بتصوير كل معارض له وللثنائية الشيعية بأنه مرتزق ومرتبط حتما بسفارة أجنبية، وأن "ملايين الدولارات يتلقونها شهريا" من معنى ومداليل فإن أهمها هو أن هذه "المعارضة" هي موجودة حتما، والا فمن غير المنطقي أن يعيش السيد قلقا من أمر غير موجود، وأن يضطر أن يزور بنفسه شوارع وبيوت وازقة بعبلك الهرمل شخصيا (كما قال) في فترة الانتخابات.
المدلول الثاني هو قوة حجة هذه المعارضة وقوة منطقها ورجاحة ما تحمله من رؤية وأفكار، وإلا ما معنى أن لا تواجه بالحجة والدليل والبرهان ولا تواجه إلا بالتخوين والاتهام .
إقرأ أيضًا:" متى سيقفز باسيل من مركب حزب الله؟ "
أما النتيجة الثالثة، التي تتولد من الاصرار على اتهامات السيد، وإن كنا لا نريدها له، فهي زعزعة مصداقيته عند كثيرين ممن هم على تماس ومقربة من شخصيات معارضة ويعرفون عن قرب أوضاعهم وأحوالهم ويعلمون بالدقة عن شظف العيش وسوء الحال التي يعانون منه، تماما كباقي المواطنين .
صحيح أن "المعارضة الشيعية"، ليست عبارة عن إطار تنظيمي ولا هي تجمع سياسي موحد، وإنما هي مجموعة شخصيات متفرقة (ومختلفة في الكثير من الاحيان)، بينها من كان في صفوف الحزب نفسه، وفيهم المثقف والصحافي وعالم الدين والطالب والاستاذ والعامل، وكل هؤلاء يعيش معظمهم في داخل بيئة حزب الله، وعندهم إخوة وأقارب وأصدقاء من الحزب، ويسكنون في قراهم بالجنوب أو في البقاع والضاحية، وبالتالي فهم معروفون حلا ونسبا من جمهور الحزب، فماذا سيبقى من مصداقية للسيد عند كل هؤلاء وهم يسمعون اتهامات يعلمون علم اليقين أنها غير صحيحة ولا تمت إلى الواقع بصلة ؟!! فأجدني هنا مضطرا بأن أنصح السيد كما في كل مواقفنا ومقالاتنا وآرائنا ومن موقع الحريص بأن يقلع عن هذه الاتهامات من أجله وليس من أجلنا .
الملفت في هذا السياق ايضا، وبالتوازي مع ضيق صدر الاخوة في حزب الله من وجود "معارضة شيعية" هو سعة الصدر وتقبل الأمر من قبل الاخوة في حركة أمل، فمعارضتنا للثنائي الشيعي وسهام نقدنا واعتراضنا على اداء حركة أمل واختلافنا معها لا يقل البتة عن نقدنا وخلافنا مع حزب الله، الا أنه والحق يقال، لم نتلمس من إعلام الحركة ومسؤولي وكوادر الحركة شي من هذا الغل الموجود عند حزب الله، بل أستطيع ان أدعي بأن جو من الاحترام والود يسود بيننا وبين الاخوة في حركة امل بالرغم من كل الاختلاف الموجود، وان حوارات ونقاشات يسودها الاحترام المتبادل وروح تقبل الآخر تجري بيننا بشكل دائم إن في قرانا واماكن تواجدنا أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي،
ولا أدري هنا سبب هذا التفاوت بمقاربة العلاقة معنا بين انفتاح حركة امل وتقبلها للمختلف ورفض الحزب وافتراءاته ، هل هو نتاج "عسكرة" الثقافة الحزباللهية مقابل مدننة ثقافة الحركة، أم هو إشكالية الفكر الديني عند الاحزاب الاسلامية باعتباره وحده القابض على ناصية الحقيقة ويشيطن كل معارض له، بالرغم أن الفكر الديني من المفروض ان لا يلحظ عامل الكثرة العديدة او القلة في السعي بالوصول إلى الحق كما حاول أن يوحي السيد في خطابه الاخير، خاصة أن منطوق القران الكريم هو ان أصحاب اليمين هم ثلة من الاولين وقليل من الاخرين .