إلى متى يستمر الصمت الدولي على جرائم وإرهاب الحوثي؟ علامة استفهام باتت تطورات الأحداث تطرحها على ساحة النقاش الدولي، لا سيما في ضوء التصعيد الأخير تجاه المملكة العربية السعودية.
كما أن السياسة لا يمكن أن تُقرأ بعيداً عن الخرائط الجغرافية، هكذا الاعتداءات الحوثية الأخيرة على المملكة لا يمكن بحال من الأحوال تفسيرها بشكل مقنع إلا في ضوء الربط مع الزمن وسياقات الأحداث وتتابعها، وفي المقدمة منها زيارة وفد الحوثي، الأيام القليلة المنصرمة، إلى طهران ولقاء المرشد خامنئي.
ذهب الحوثيون إلى إيران طلباً للمزيد من الأسلحة والدعم، هكذا بدا المشهد، وإن كانت الزيارة تحتمل الكثير من التفسيرات والتأويلات، لا سيما علاقة المشهد بالصراع الأميركي الإيراني الجاري على قدم وساق.
الرسالة التي أدركها خبراء الولايات المتحدة ومراكز استخباراتها المتقدمة تدور حول نوايا إيران توسيع المواجهة عبر الوكلاء، وربما من الأصح القول «العملاء»، في المنطقة، تحسباً لأي مواجهة قائمة أو مقبلة.
في مقدمة هؤلاء يأتي الحوثيون الذين يهددون دول الخليج من جهة، ومضيق باب المندب وحركة الملاحة في البحر الأحمر من ناحية ثانية، سواء جرى ذلك عبر الصواريخ الباليستية، أو من خلال الطائرات المسيرة من دون طيار والمحملة بالمتفجرات، عطفاً على الألغام البحرية التي تكتشف يوماً تلو الآخر.
لم تكن عملية الطائرات المسيرة ضد المنشآت النفطية السعودية في منطقة الشيبة أمراً غير متوقع في واقع الأمر، فقد كان ولا بد للحوثيين من إظهار الحضور الإيراني والذراع الطويلة لهم في اليمن المتألم، الذي يتشارع ويتصارع أبناؤه، والسبب في كل ما يجري هو إيران لا غيرها فهي تسخِّر كل الآليات من أجل تحقيق الهيمنة الإيرانية في المنطقة.
الشاهد أن التوقعات لم تطل المقام، ومن أسف على تنفيذها، غير أن الغريب والمثير، هذه المرة، أن يخرج زعيم جماعة «أنصار الله» اليمنية، عبد الملك الحوثي، ليعلن رسمياً أنها أكبر عملية تستهدف ما وصفه بـ«تحالف العدوان» منذ بداية الحرب اليمنية.
كان لا بد للحوثي من أن يظهر، وظهوره في واقع الأمر ليس إلا إعلاناً عن تدشين مرحلة جديدة من مراحل العدوان المسلح والإرهابي على الآمنين، واستهداف للمصالح الاقتصادية لدول الجوار.
التفكير الإيراني يبدو جلياً ومفضوحاً فيما بين ثنايا كلمات الحوثي، الرجل الذي يعتبر «التحالف الدولي»، الذي ذهب لدعم الشرعية، ووقف التمدد الإيراني الحوثي، بمثابة تحالف لـ«لأعداء».
عبر «تويتر»، يغرد بدر الدين الحوثي بالقول: «إن عملية سلاح الجو المسير، التي سميت عملية (توازن الردع)، تحمل رسائل مهمة لقوى العدوان»... وهنا يمكننا أن نتساءل: منذ متى كان للحوثي سلاح جو، لا سيما أن كافة القطع المتخلفة عن الصواريخ التي أطلقتها على المملكة، عطفاً على بقايا الطائرات الإرهابية المسيرة، والألغام البحرية المنفجرة، وغيرها، حملت لمسات ولمحات وطابع الصناعة في إيران؟، الأمر الذي أكدته الولايات المتحدة الأميركية في مؤتمر صحافي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
من أين للحوثيين عشر طائرات مسيرة إرهابية عالية المستوى، وغالية القيمة المالية، لتقوم بالاعتداء على مصفاة الشيبة التابعة لشركة «أرامكو» شرق السعودية؟
إرهاب الحوثي لا يتوقف عند المملكة العربية السعودية فحسب، إذ يغرد بدر الدين الحوثي ثانية تغريداً إرهابياً أكثر سوءاً، ليؤكد أن ما جرى اليوم هو درس مشترك وإنذار مهم للإمارات العربية المتحدة، ما يعني أن الشراكة الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أمر حيوي وحقيقي لا بد منه في مواجهة الإرهاب الذي لم ولن يتوقف.
حين نسائل المجتمع الدولي عما يتوجب فعله أمام إرهاب الحوثي، فإننا نضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، وفي المقدمة من هؤلاء وأولئك الولايات المتحدة الأميركية، تلك التي لم يوفرها الحوثي اليوم في تغريداته المشينة، إذ قال: «أكدنا سابقاً أن عملياتنا ستتركز على ما يعتمد عليه الأميركيون».
التغريدة الأخيرة هذه تفضح شهوات قلب الحوثي الإيرانية الهوى والهوية، التي ترى في المملكة رقماً صعباً، في المعادلة الدولية، عبر حضورها السياسي والعسكري من جهة، والاقتصادي ودورها في معادلة النفط العالمية من ناحية ثانية.
ومن دون أدنى شك، فإن الاعتداء يوجه رسالة للولايات المتحدة الأميركية، تفيد بأن حلفاء واشنطن لن ينجو أحدهم من العقاب الإيراني، وهو ما هدد به من قبل الملالي في طهران، والآن بدأت مرحلة التنفيذ الفعلي.
البيانات الصادرة عن الحوثي، نهار السبت، تحمل إشارات مقلقة للمجتمع الدولي، إذ تشير إلى وجود ما يسمونه بنك أهداف يتسع يوماً بعد يوم، والتصريح بأن «العلميات القادمة ستكون أشد إيلاماً».
صمت المجتمع الدولي على الإرهاب الحوثي الإيراني سيكون مكلفاً للعالم برمته، والتخاذل عن إنهاء المهزلة الحادثة على الأراضي اليمنية سيكلف الأوروبيين والأميركيين، وحتى الآسيويين، الكثير، إنها إرهاصات لإعلان فاشية إيرانية بأصابع حوثية، فهل هذا ما يتطلع إليه العالم في هذا الوقت المأزوم جيواستراتيجياً، لا سيما من فعل التهور الاستراتيجي الإيراني الكارثي في الحل والترحال؟