من حيث الشكل، ولو أنَ الهدف من هذا النوع من الاجتماعات بَثّ المعنويات في الاسواق، إلا انّ مفاعيله قد تأتي معاكسة، والدليل انّ المواطنين عاشوا لحظات قلق وترقّب، خلال اجتماع بعبدا، وكأنهم ينتظرون تلاوة البيان رقم واحد، لإعلان الكارثة.
وبالتالي، لا يعطي هذا النوع من الاجتماعات المفعول الايجابي المأمول. واذا كان الهدف إظهار تصميم السلطة (التنفيذية والتشريعية) وتوافقها، كان يمكن الاكتفاء بصورة مصالحة قبرشمون، وإعلان استئناف نشاط الحكومة الذي كان مجمّداً لأكثر من شهر.
أمّا من حيث المضمون، فإنّ المقررات التي صدرت لم تكن جديدة، وهي مجرد تكرار لنيّات سبق وتمّ الاعلان عنها، ولا تقدّم أو تؤخّر طالما انّ المشكلة ما كانت يوماً في المقررات، بقدر ما كانت في التطبيق. لكن ما كان لافتاً هذه المرة، أنّ المجتمعين تجاوزوا في بيانهم منطق الوعود وصولاً الى اللامنطق، من خلال الخلط بين الاجراءات والتمنيات. إذ كان مفهوماً أن يؤكّد البيان نية الحفاظ على ثبات سعر صرف الليرة، وقد فهم الناس انّ ذلك تأكيد على استمرار السياسة النقدية القائمة. لكن ما لم يكن مفهوماً، هو قول المجتمعين انهم يلتزمون الحفاظ على التصنيف الائتماني للبنان!
كيف نستطيع تفسير هذا الالتزام قبل أيام من صدور التصنيف عن وكالة «ستاندر أند بورز»؟ هل أراد لقاء بعبدا القول انّ مسألة التصنيف هي مجرد قرار تستطيع أن تتخذه السلطة اللبنانية وتفرضه على وكالات التصنيف؟ أم انّ السلطة تأمل في أن تتأثّر وكالات التصنيف بهذا الالتزام الكلامي الذي لا يمكن صرفه في أي مكان، وتبدّل في التصنيف في اللحظة الأخيرة؟
في الواقع، الاستعداد لصدور تقرير التصنيف يحتاج الى اكثر من كلمتين في بيان نيّات. ولو أنه لا يحق لأيٍّ كان استباق التقرير من خلال التأكيد على طبيعة القرار الذي سيتضمّنه لجهة الابقاء على تصنيف البلد الائتماني كما هو أو خفضه، إلا انّ عدم التحضير لاحتمال هبوط البلد الى درجة C (غير صالح للاستثمار) فيه الكثير من التفاؤل غير المبرّر.
حتى الآن، قيل الكثير في التداعيات التي يُفترض أن نتوقعها اذا حصل خفض التصنيف. لكن لا تزال هناك حاجة الى إيراد بعض الحقائق والاحصاءات التي يمكن الاستناد اليها لتقييم حجم المخاطر التي قد نواجهها في دائرة الـC.
من خلال الاطلاع على سجل مؤسسات التصنيف الثلاث الكبار، يتبيّن انّ نسبة الخطأ في التقدير تختلف بين فئة وأخرى. الشركات الثلاث تعتمد سلّم تصنيفات يستند الى 4 مراحل اساسية: A,B,C,D. كل مرحلة تتضمّن 3 تصنيفات، بمعنى ان الدولة التي تكون في رأس سلّم التصنيف في الفئة A مثلاً، يختلف وضعها عن الدولة التي تُصنّف في أسفل سلّم الفئة A. ويتم التفريق بينها من خلال إشارة AAA أو A-.
التصنيف الائتماني للبنان نزل الى فئة CAA1 بالنسبة الى «موديز»، وهذا يعني انه لا يزال في قمة المرحلة C. وبالتالي، وفي حال قررت «ستاندر اند بورز» خفض تصنيف لبنان، من المتوقّع ايضاً ان تخفضه الى CCC. وهذا يعني انّ التصنيف الرسمي للبنان سيهبط في هذا الوضع الى هذه الدرجة التي تعني، وفق قاموس مؤسسات التصنيف، الدخول في دائرة الدول غير الصالحة للاستثمار فيها.
انطلاقاً من هذا الاحتمال، من المفيد ان نشير الى انّ الاحصاءات المتعلقة بهذه المرحلة من الفئة C لدى الشركات الثلاث تُظهر ما يلي:
اولاً، انّ احتمال الخطأ في التقدير في المرحلة A، أي ان تعطي المؤسسات الثلاث هذه الدرجة الى دولة أو شركة ما، ومن ثم تتعرّض هذه الدولة أو الشركة الى مشاكل توصلها الى العجز عن السداد، ضئيل جداً. ويبلغ معدله لدى «فيتش»حوالى 1,07 في المئة، ولدى موديز 0,75 في المئة، ولدى «ستاندر اند بورز» 0,97 في المئة.
في حين انّ هذه النسبة ترتفع في تصنيفات الفئة B (فئة المضاربة). وهي 12,78 في المئة لدى «ستاندر اند بورز»، و9,9 في المئة لدى «فيتش»، و10,3 في المئة لدى «ستاندر اند بورز». إنتقالاً الى الفئة C ترتفع النسبة بشكل لافت، وهذا يعني ان الدول التي تدخل في هذه الدائرة، قسم كبير منها يصل الى الانهيار، وفق الارقام التالية: «ستاندر اند بورز» وصلت نسبة الافلاس لدى مؤسسات او دول منحتها تصنيف CCC الى 48 في المئة، في حين ترتفع النسبة الى 100 في المئة لدى من حصل على تصنيف CC.
ولم يتم تصنيف اي دولة او شركة في درجة C طوال الفترة التي شملها الاحصاء. لدى «فيتش» وصلت النسبة الى 46,15 في المئة للفئة CCC. وبالنسبة الى «موديز»، وصلت النسبة الى 35,17 في المئة في الفئة CAA.
هذه الأرقام التي دُرست لفترة معينة وصدرت عنها الاحصاءات، تُظهر بما لا يقبل الشك انّ الدخول الى دائرة الـC يعني انّ احتمال الانهيار يصبح مرتفعاً.
واذا جمعنا النسَب لدى الشركات الثلاث للوصول الى معدل وسطي، تكون نسبة انهيار الدولة او الشركة التي يتم تصنيفها CCC حوالى 43 في المئة.
هذه النسب تعني انه، وفي حال انضمّ لبنان في الربع الأخير من آب الجاري الى فئة الـCCC، ستكون حظوظه في النجاة لاحقاً 43 مقابل 57 تقريباً، وهي نسبة لا تزال تعني انّ الانقاذ مُتاح. وما ستفعله السلطة بعد هذا الاستحقاق، سيحدّد الى حدّ بعيد اذا كنّا سنصبح من الفئة المحظوظة التي نَجت (57 في المئة)، أم إننا سننضَم الى نسبة الـ43 في المئة التي انتهى بها الامر الى الافلاس.