قمت بواجب تعزية صديقٍ كريمٍ وعزيزٍ بوفاة أمه الحاجة الجنوبية العاملية، التي هي ثروة من ثروات أمهاتنا اللواتي استعففن تراب الجنوب تعفُّفاً،وهذا مما يعني أننا نقف على مرآة الحياة لنشاهد ونعاين الداخلين إليها، ونقرأ أسرارهم وما فيها من رسائل ووصايا، وتعلمنا من صمت أمهاتنا لغة الأرض،وأن نزن الحياة الموت بميزان كفوفهنَّ لنعرف قلَّة الأحياء وكثرة الأموات، ونشتمُّ من روائحهنَّ ذكريات مخبَّأةٌ في ذاكرة صلواتنا وأدعيتنا للمقاومين والمجاهدين والمؤمنين الذين بذلوا مهجهم في سبيل الأرض والإنسان، وما زرعته أياديهنَّ في قلوبنا وعقولنا، وهنَّ يعشبن حقول العمر في أشواك قرانا وضيعنا، ويروين عظامنا ولحومنا بدمعٍ من شمع الأصابع.. التقيت في هذه المناسبة الأخ العزيز رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد، وهو رجلٌ دمثٌ خلوقٌ يحترم الصغير والكبير، قلتُ له ممازحاً ( حجنا الكريم نحن من المعارضين وأقسمُ لك بأنني لم أستلم أموالاً من أيٍّ جهة داخلية أو خارجية، ليتك يا حج تدلني على من قبض المليارات علَّني أحصل على حصتي ولو بشيءٍ قليل، تبسَّم الحاج وردَّ مع بسمة غير مصطنعة يا شيخنا لك الله، وخرجنا معاً والبسمة لم تفارق وجناتنا).
نحن تعلمنا من مدرسة مولانا الصادق (ع) مدرسة العقل والإجتهاد، ولهذا مدرسة الشيعة الإمامية هي مدرسة العقل، وإلاَّ بماذا تمتاز عن غيرها من المدارس إن كانت ذات رأي واحد لاغير، فإن كانت في أمور الدين والشريعة هكذا، وهذا يسري أيضاً على الأمور الإجتماعية والحياة السياسية، وفي ثقافتنا يوجد من يرى أنَّ المعارض للثنائي الشيعي هو محلٌ خللٍ في بنيته الثقافية والدينية، بحيث يكون مشكوكٌ في أمره على مستوى براءة الذمة، هذا الأمر هو موجود عند طبقة محدودة من حيث العلم والمعرفة، لكنهم يتميزون بعيون خارقة وثاقبة هي أشبه بعيون ـ سوبرمان ـ فيعرفون نوايا المعترض والكاتب والمثقف من قراءة مقالٍ عن الدين وعن الأوضاع المعيشية والحياتية، لعلهم حرموا من نعمة العلم والمعرفة بسبب محدوية الثقافة، وبعضهم قد يعجز عن كتابة ردٍ أو مقالٍ، لأنَّ الكتابة ليست بالأمر السهل، لكن الذهاب إلى الشك بأمر الخوف على الدين والعقيدة لهو من الأمور السهلة المسهلة،ومن جهةٍ أخرى يخطئ من يعتقد بأنَّ مثل هذه الأمور ستعيق الكتابة والفكر والعلم وحرية الرأي والتغيير لأننا نعتقد بأن المستقبل يحمل في طياته ثماراً قد يجنى أكلها ولو بعد حين، لأنَّ العلم والمعرفة والإدراك لا يمكن أن يقفوا عند حدٍ أو عند أحد، ولقد دفع الأحرار ثمن مواقفهم وآرائهم ودفع مثقفو الغرب حياتهم عندما واجهوا الكنيسة ولكن كان النصر للعلم على الأساطير وللعقل على الأوهام، وللنسبية على المطلق، وأصبحت الكنسية بفكرها اللاهوتي الديني شيءٌ من الماضي، وهذا مما دعت إليه مدرسة مولانا الصادق(ع)، من تحرير العقل لتحرير الإنسان، لكي يصنع صيغاً قانونية ودستورية لتحسين أوضاعهم السياسية والإجتماعية.