منذ اشتداد أزمة المضائق، من هرمز إلى جبل طارق، عامت فوق سطح البحار ظاهرة حديثها وقديمها متساويان، نقيضها ونسقها، فروقاتها وثنائياتها: أميركا وبريطانيا، تقفان معاً في المواجهة، بصرف النظر عن سائر الدول الغربية.
للمرة الأولى في ذاكرة طويلة، نسمع من جديد بشيء اسمه البحرية البريطانية، بعدما كانت سمعة الأسطول الإمبراطوري تملأ المياه واليابسة. لكن، بالدرجة الثانية. فالبلد الأم هو الأصغر والأضعف. والولايات المتحدة التي وُلدت من رحم بريطانيا قبل أن تستقل عنها، تكبر الدولة الأم 36 مرة. وفي حين الأم ليست سوى جزيرة مكتظة بالسكان وشعر بوريس جونسون، تسرح الولايات المتحدة وتمرح فوق 3.615.211 ميلاً. لكل ميل نحو 600 بريطاني وعشرة أميركيين.
أكبر دلالة على أثر ومفارقة الحجم، بين الدولتين (بالنسبة إليّ) هي الصحافة. ليس في أميركا صحيفة «وطنية» مهما امتد توزيعها. هناك «تايمز» نيويورك و«تايمز» لوس أنجليس، و«بوست» واشنطن، بينما هناك «التايمز» البريطانية و«التلغراف» و«الغارديان». حتى الآن، الصحف الأميركية هي صحف مدن وليس حتى ولايات. فالذي يقرأ «نيويورك تايمز» في المدينة لا يقرأها في بقية الولاية، بل يكتفي بقراءة صحيفة محلية صغيرة لم يسمع بها أحد خارج الولاية.
إذن، ما هو الرابط بين دولتين متناقضتين إلى هذا الحد؟ لماذا بريطانيا أقرب من ألمانيا وفرنسا في الأزمات الكبرى، منذ الحرب العالمية الأولى إلى اليوم؟ أهم عنصر مشترك هو اللغة التي تجعل البلدين يبدوان واحداً في القيم والمصالح والمفاهيم. وبما أن الإنجليزية لغة أكثر كونية من سواها، فقد تزايدت اللحمة المشتركة بين الدولتين.
في الامتحان العالمي الراهن تبدو الثنائيات أكثر وضوحاً وحدّة، خصوصاً في ظل ترمب وجونسون. وبعدما كانت ألمانيا، في الماضي، تنافس بريطانيا على موقع الأقرب إلى أميركا، تبدو اليوم وكأنها في صف الخصوم، خصوصاً فيما يتعلق بالنزاع مع إيران. ولم يكن ترمب دبلوماسياً في الإعراب عن شعوره حيال أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي ماكرون. بالنسبة إليه، المواجهة مع طهران امتحان لحلفائه، وليس لخصومه. ومن كان مثله لا يقبل اللون الرمادي في الصراعات المصيرية. وقد اكتفى من ذلك بالموقف التركي الذي تحول إلى أحمر.