يسود اتفاق بين مختلف الأوساط المتابعة لسير الاشتباكات والانفراجات، مؤداه ان أزمة تمويل الدولة، واستحقاقاتها كانت وراء سرعة الانفراج السياسي، الذي تمثل بلقاء «المصارحة والمصالحة» الخماسي، الذي يحرص الرئيس نبيه برّي على تحصينه بمصالحات إضافية، ونزع الألغام امام استحقاقات ما بعد آب اللهاب، والانصراف إلى ورشة موازنة العام 2020، ومعالجة مفاعيل العقوبات واعتراضات البنك الدولي على رغبة مصرف لبنان الاكتتاب بسندات خزينة تصدرها وزارة المالية اللبنانية بقيمة 12 ألف مليار ليرة لبنانية، بفائدة 1٪.
وهذا الموضوع بحثه الرئيس سعد الحريري في واشنطن مع مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي بحضور الوزير السابق غطاس خوري وجرى البحث في الإجراءات المالية ولا سيما ما يتعلق بقطاع المصارف.
وذكرت مصادر مقربة من الرئيس الحريري إلى ان اللقاء مع بيلينغسلي كان جيداً والمسؤول الأميركي أبدى ارتياحه لسياسة مصرف لبنان وما تقوم به المصارف اللبنانية. وسيلتقي الرئيس الحريري غداً الخميس وزير الخارجية مايك بومبيو، ثم ديفيد شنكر الذي حل مكان ديفيد ساترفيلد كمساعد لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ثم ستكون لقاءات في الكونغرس.
وعلمت «اللواء» ان العناوين الأساسية لـ اللقاءات:
1- وضع لبنان تجاه ما يجري في المنطقة، للحؤول دون فرض اجندات توطين أو ما له علاقة بالنازحين السوريين، وان يكون أي حل على حساب لبنان.
2- ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في ضوء مهمة ساترفيلد، وما حققته.
3- إعطاء دفع لتنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، خاصة في ضوء إقرار الموازنة والاصلاحات.
4- موضوع العقوبات التي تطال جهات لبنانية لا سيما مقربين من حزب الله.
وإذا كان لقاء المصالحة والمصارحة في بعبدا، فتح الطريق امام الرئيس ميشال عون لقضاء مداومة صيفية تقليدية في قصر بيت الدين، فإن النائب السابق وليد جنبلاط دعا إلى الابتعاد عن السجال والتحدي ما دامت المصالحة تحققت.
بانتظار الأسبوع المقبل
في هذا الوقت، بقيت البلاد في مدار عطلة عيدي الأضحى وانتقال السيدة العذراء، بانتظار ما سيحصل من تطورات الأسبوع المقبل، بعد انتقال رئيس الجمهورية ميشال عون بعد غد الجمعة إلى المقر الرئاسي الصيفي في بيت الدين، وترقب ردة فعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على انتقال الرئيس معقل الحزب في الشوف، وكذلك بانتظار زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى واشنطن والتي ترتدي طابعين، خاصاً لجهة انتقال ابنته إلى الجامعة في أميركا وطابعاً رسمياً بلقاء وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو المقرّر غداً الخميس وربما نائب الرئيس مايك بنس، إضافة إلى ترقب ما بعد لقاء «المصارحة والمصالحة» في قصر بعبدا يوم الجمعة الماضي والذي أسفر عن احياء جلسات مجلس الوزراء، بجلسة انعقدت السبت أقرّت جدول اعمال جلسة الثاني من تموز، فيما لم يصل لقاء بعبدا إلى حدّ وضع أطر المصالحة الشاملة الكاملة بين جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان، وان كان أرسى ضوابط لمنع تجدد الأزمة التي أعقبت حادثة البساتين - قبرشمون، ومهد لحل الشق الأمني - القضائي من الأزمة، وفق ما أكّد الرئيس عون امام مجلس الوزراء السبت، لافتاً الى ان اجتماع بعبدا «اعاد الأمور الى طبيعتها».
وقال عون ان «معالجة تداعيات حادث قبرشمون تمت وفق مسارات ثلاثة: مسار سياسي اكتمل باجتماع الجمعة ومسار قضائي هو بعهدة القضاء الذي سيكمل عمله وفقاً للقوانين المرعية الاجراء، وسترفع النتائج الى مجلس الوزراء، وفي ما خص المسار الأمني فالقوى الأمنية تتولى تطبيق الخطط الموضوعة في هذا الشأن».
وكشف وزير الإعلام جمال الجراح ان وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، كان يرغب بأن تكون له مداخلة في الجلسة، لكن الرئيس عون تمنى عليه الا يفعل وهكذا حصل.
واثار وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي موضوع العمالة الفلسطينية، فأيد الرئيس الحريري صدور قرار عن مجلس الوزراء بتجميد خطة عمل وزير العمل كميل أبو سليمان، في هذا الشأن، وأيده في ذلك وزير الصناعة وائل أبو فاعور على ان يتخذ القرار بدون إعلان، لكن وزير الدفاع الياس بو صعب لفت النظر إلى انه لا يجوز البحث في الموضوع إلى وقت يكون فيه الوزير أبو سليمان حاضراً، وهو أصدر بياناً اعتبر فيه انه لا يمكن بقرار من مجلس الوزراء وقف تطبيق قانون أو كف يد وزير عن ممارسة صلاحياته الدستورية بتنفيذ القوانين المختصة بوزارته.
ولوحظ ان مصادر مطلعة في قصر بعبدا، لم تشأ ان تدرج الاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس عون بجنبلاط صبيحة الأحد الماضي، الا في إطار التهنئة بالعيد، من دون ان تعطيه ابعاداً أكثر من ذلك، مشيرة الى ان الاتصال جاء في سياق الاتصالات التي اجراها الرئيس عون بكافة المسؤولين اللبنانيين المسلمين للتهنئة، بالاضحى وبينهم النائب أرسلان وشيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن، وكذلك الشيخ المعين من قبل أرسلان نصر الدين الغريب.
لكن يُشار على هذا الصعيد، ان التحضيرات اللوجستية لانتقال الرئيس عون إلى المقر الصيفي في قصر بيت الدين، اكتملت، ومن المقرّر ان يستأنف مزاولة نشاطه الرسمي بعد غد الجمعة، وسيقام للرئيس عون مراسم استقبال لدى انتقاله إلى القصر الذي سيمكث فيه مُـدّة أسبوعين حيث ستكون له هناك لقاءات، من دون استبعاد عقد جلسة لمجلس الوزراء برئاسته منه.
جنبلاط - حزب الله
في غضون ذلك، نقل متصلون بالرئيس نبيه برّي الذي لعب دوراً واضحاً في تحقيق المصالحة والمصارحة في بعبدا بين جنبلاط وارسلان برعاية الرؤساء الثلاثة، قوله حول ما بعد لقاء بعبدا، «ان الأمور لا زالت بحاجة إلى عناية ودراية ومتابعة، لكن البلد لا يسير الا بالتوافق، وهو وعد بمتابعة مساعيه بعد الأعياد لإتمام المصالحة بين جنبلاط وارسلان، على المستوى السياسي».
وبالنسبة لما تردد عن مسعى الرئيس بري لعقد لقاء بين جنبلاط ومسؤولين في «حزب الله» لمعالجة الخلافات القائمة وتوضيح المواقف، فإن الحزب لا زال يلتزم الصمت حيال ما يُطرح هنا وهناك، ويبدو انه ينتظر ما ستؤول اليه المساعي بين جنبلاط وارسلان، على ان يحدد الامين العام السيد حسن نصر الله الموقف في خطابه يوم الجمعة المقبل لمناسبة انتهاء عدوان العدو الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006.
لكن مصادر متابعة للموضوع قالت لـ «اللواء»: ان الرئيس بري سيعمل على مساري جنبلاط- ارسلان، و«حزب الله» – الحزب الاشتراكي، بحيث يجري عقد لقاء - قالت المصادر- انه ليس بالضرورة ان يكون بين جنبلاط واحد مسؤولي الحزب القياديين، بل بين مسؤولين من الحزبين على غرار لقاء 5 أيّار الماضي كخطوة اولى لإستيضاح المواقف والتوجهات، ويُبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه لما ستكون عليه العلاقة لاحقاً.
خطة الإصلاحات
وعلى خط موازٍ، ذكرت مصادر وزارية لـ «اللواء»، انه بعد استئناف جلسات مجلس الوزراء، فإن التركيز بعد عودة الرئيس الحريري سيكون على اولوية البدء بتطبيق خطة الاصلاحات الاقتصادية والمالية، انطلاقا من تنفيذ بنود موازنة 2019 المتعلقة بالاصلاحات والتحضير لموازنة 2020 ، ومن ثم العمل على «خطة ماكينزي» لزيادة الانتاجية في عدد من القطاعات، وبدء إنجاز المشاريع الاستثمارية في البنى التحتية، من خلال مقررات مؤتمر «سيدر» الاقتصادي في فرنسا وغيره من مشاريع سبق اقرارها، وسيجري تمويلها من مصادر اخرى مثل البنك الدولي. اضافة الى استكمال تنفيذ خطط معالجة قطاع الكهرباء وملف النفايات الصلبة، ومن ثم التفرغ لقطاع النفط. وكل هذه الامور –بحسب المصادر- بحاجة الى استقرار سياسي لا بدمن تثبيته وتوسيع هامشه ليشملكل القوى السياسية بحيث تهدا اوتتوقف التوترات السياسية التي تؤثر بشكل خاص على الوضع المالي والاقتصادي والسياحي.
واوضحت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان الآجتماع المالي - الآقتصادي الذي انعقد في قصر بعبدا يوم الجمعة الفائت يستدعي متابعة النقاط التي تم الأتفاق عليها خصوصا ان ما يحتاج منها الى مجلس الوزراء لا بد من تحضيره وكذلك الأمر بالنسبة الى النقاط التي تحتاج الى مجلس النواب لعرضها.
وافادت المصادر ان مجلس الوزراء سيبحث في المسائل التي عرضت في الأجتماع ولعل ابرزها بدء التحضير لموازنة العام 2020.
وكشفت ان رئيس الجمهورية مصمم على متابعة ما خلص اليه الأجتماع المالي - الأقتصادي من قرارات اتفق حولها لأنها تشكل بالنسبة اليه امرا اساسيا كما انها تبعث بالمصداقية وتعزز اكثر فإكثر الثقة برغبة الدولة في استعادة الأوضاع الإقتصادية والمالية بعد صدور الموازنة.
واوضحت انه لا يمكن اعتبار صدور الموازنة انجازا ما لم يقترن بمتابعة القرارات التي اتخذت في الأجتماع المالي - الأقتصادي ببعبدا.
أزمة نفايات
وليس بعيداً عن هذه الأجواء، ثمة أزمة بدأت تلوح في أفق نهاية الشهر الحالي، تتمثل في «تسونامي النفايات» التي بدأت طلائعها بالظهور على شاكلة موجات متعاقبة تجتاح أقضية الشمال الاربعة، فيما يتحضر أهالي ضاحية بيروت الشمالية لفيضان مكب برج حمود الذي غص باطنان النفايات العشوائية، وبات على مسافة أيام قليلة من تكرار واقعة كارثية خبروها في تاريخ لم يمر عليه الزمن ولم يمح من الذاكرة.
وبحسب المعلومات، فإن المواطنين في الشمال ينوون كسر قاعدة الصمت والانكفاء وهم سينفذون يوم غضب عارم عبر النزول إلى الشارع يوم الجمعة، احتجاجاً على الوضع البيئي القاتل الذي يتهددهم جرّاء النفايات، وسط عجز المسؤولين عن اجتراح الحلول، مرّة لتأخرهم في العمل على إيجاد حل علمي ومرة لرفض الخطة المؤقتة التي اقترحها وزير البيئة فادي جريصاتي باعتماد مكب في تربل.
وفي هذا السياق نقلت محطة OTV عن الوزير جريصاتي قوله ان المشكلة تبدأ وتنتهي بمواقع المطامر، لافتاً النظر إلى ان من افتعل أزمة مطمر برج حمود قبل سنوات واستثمر على مشهد النفايات في شوارع المتن لكسب سياسي يستمر بلغة الاتهام ونفض غبار المسؤولية عنه، علماً ان حل مشكلة النفايات لا يكون من دون شراكة المواطن قبل البلديات واتحاداتها، كما لا يمكن ان يكون خارج التوافق السياسي على مواقع المطامر المحتملة.