مورو هو الطعم المسموم الذي تختبر من خلاله حركة النهضة الشعب التونسي. بعده ستكون الحركة مطمئنة إلى مستقبلها على حساب مستقبل الشعب التونسي الذي سيكون مجرد حطب في محرقتها الإخوانية.
 

من حق عبدالفتاح مورو أن يترشح إلى منصب رئاسة الدولة كونه مواطنا تونسيا. ولكن الرجل الذي يرتدي لباسا دينيا لا يترشح إلا باعتباره نائبا لرئيس حركة النهضة، حزبه المعروف بمواقفه المناهضة للقوانين المدنية والحريات الفردية وسيادة الدول من منطلق الإيمان بالأمة الإسلامية.

مورو إن انتخب رئيسا فإنه سيفتح أبواب قصر قرطاج لجماعة الإخوان المسلمين من داخل حركة النهضة، ومن خارجها. أي من داخل تونس ومن خارجها. ذلك لأن الإخوانيين لا يعترفون بالدولة التي يعتبرونها اختراعا غربيا. ما يعني أن مورو سيحول قصر قرطاج إلى منبر إخواني، وسيكون وجه تونس في الخارج إخوانيا.

يذكرني عبدالفتاح مورو بالسوداني الراحل حسن الترابي. كلاهما يجيد فن المراوغة، كما لو أن المستمع لهما قد تعرض لعملية تنويم مغناطيسي. إنهما يمرران الأفكار المتشددة من خلال حديث ناعم وسلس وهادئ وشيق يبدو على قدر لافت من الاعتدال. ولكن مورو في الكثير من الأحاديث الجانبية كان يصل إلى حقيقة موقفه فيصمت. حينها يبدو الرجل مفخخا.

صدق الكثيرون أن رجلا معتدلا في توجهاته يمكن أن يصعد إلى موقع نائب رئيس حزب متشدد. تلك خرافة لا يمكن أن تقع في الأحزاب الشمولية التي تجري اختبارات معقدة على أعضائها قبل أن ينالوا ثقتها.

مورو في حقيقته إنما يمارس فن “التقية”. إنه يقدم نفسه باعتباره سياسيا ينظر باعتدال إلى التعددية الفكرية التي أنتجها المجتمع المدني التونسي عبر سنوات نضاله، غير أن ذلك يتناقض، كليا، مع كونه رجل دين يلتزم بالمنطلقات النظرية لحركة النهضة التي لا تؤمن بتلك التعددية، بل وتعتبرها نوعا من الخروج على الإسلام.

ليس السؤال هنا “مَن نصدق مِن الاثنين؟” بل هو “ما هو مصير تونس في ظل وجود رئيس، يجيد لعبة التخفي من أجل تحيق مكاسب سياسية على حساب الحقيقة؟”. أعتقد أن ذلك السؤال يُحرج الشعب التونسي أكثر مما يُحرج مورو.

لقد سعى مورو عبر سنوات من المخاتلة إلى تبييض صورته. وهي جريمة تشبه إلى حد كبير جريمة تبييض الأموال. ما يعرفه التونسيون عنه لا يمتّ إلى حقيقته بصلة. حقيقته ينطق بها موقعه نائبا لرئيس حركة النهضة.

قد يعتقد البعض أن ذهاب مورو إلى الرئاسة مغامرة غير محسوبة من قبل حركة النهضة. ذلك اعتقاد خاطئ. فراشد الغنوشي قرر أن يضع هذه المرة كل أوراقه على الطاولة. رهانه الوحيد يكمن في فشل الدولة التونسية في مسألة تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.

يستعمل الغنوشي الفشل الحكومي مظلة للعبور، غير أنه لا يعدُ بشيء. هي اللغة المضللة ذاتها التي يستعملها مورو. فهو ابن المدرسة نفسها. هناك صورة تونسية منقحة لجماعة الإخوان. وهي صورة تتشكل بناء على معرفة بالتاريخ النفسي للشعب التونسي.

صحيح أن النهضويين يضمنون تبعية القرى والبلدات والمدن الصغيرة المهمشة لهم، غير أنهم يفكرون في المدن الكبيرة التي لا تزال تحتفظ ببقايا آثار التأثير المدني البورقيبي.

ما تفكر فيه حركة النهضة يتخطى مورو رئيسا. فالرجل لن يكون سوى واجهتها التي ستهزم من خلالها تونس المدنية. هناك خطط في رأس الغنوشي للاستيلاء على تونس كاملة من خلال مجلس النواب ورئاسة الحكومة. وهو ما يمكن أن ييسره على صعيد نفسي صعود مورو إلى منصب رئاسة الجمهورية.

مورو هو الطعم المسموم الذي تختبر من خلاله حركة النهضة الشعب التونسي. بعده ستكون الحركة مطمئنة إلى مستقبلها على حساب مستقبل الشعب التونسي الذي سيكون مجرد حطب في محرقتها الإخوانية.

كما أرى فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة تشكل مفصلا خطيرا في التاريخ التونسي الحديث. من خلاله سيؤكد الشعب حقيقة تمدنه. فهزيمة مورو هي هزيمة للمشروع الإخواني. فشل مورو في الوصول إلى قصر قرطاج هو بداية انهيار مخططات الغنوشي.