على طريقة «غيم شباط ما عليه رباط»، يتحرك الوضع السياسي، الرئيس سعد الحريري يدعو اللبنانيين للانتظار «وتسمعون بعد الخبر السار»، أي الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، تذهب «بغيوم سوداء» تتكاثف فوق بلدهم، في ظل وضع إقليمي - دولي كالح، وصراعات مفتوحة إلى ما شاء الله.
وما ان جرى الاطلاع على مجرى ما حدث، وجلسة لمجلس الوزراء، رشح ان تعقد بعد ظهر اليوم، حتى تحرّكت «الغيوم الداكنة» من جديد، وأظهرت المواقف المعلنة ان المبادرة الجديدة، تعثرت بعد ان أعلن النائب طلال أرسلان، انه «اصبح من الواضح ان هناك من لا يريد محكمة ولا محاكمة، وان أية مبادرة تخلو من الوضوح مرفوضة».
وكشفت المصادر الوزارية لـ«اللواء» ان النائب السابق وليد جنبلاط، بعد تغريدته، أوفد الوزير وائل أبو فاعور إلى بيت الوسط، عند السابعة مساء، لإبلاغ الرئيس الحريري ان إثارة موضوع الاحالة الى المجلس العدلي، ولو من دون اتخاذ أي قرار من شأنه ان يحمل اتهاماً سياسياً مباشراً للحزب التقدمي الاشتراكي بالمسؤولية عن حادثة قبرشمون وهذا ما لا يقبله رئيس الحزب جنبلاط.
وعليه، استبعدت المصادر عقد مجلس الوزراء اليوم، مرشحة ان تستمر الاتصالات، لعقده ربما غداً، مشيرة إلى ان «المجلس العدلي» بات بحكم المستبعد تماماً، وان لا إحالة للقضية امامه من قِبل مجلس الوزراء، وان إثارة الموضوع مرتبط بمتابعة القضية امام المحاكم العدلية، أو المحكمة العسكرية.
لا دعوة.. لا جلسة اليوم
وحتى ما قبل منتصف الليل، لم يكن الرئيس الحريري قد وجه دعوة للوزراء لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء، كان مأمولاً ان تنعقد اليوم، وهذا يعني ان الاتصالات التي عهد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم اجراءها مع الأطراف المعنية بحادثة قبرشمون - البساتين، لم تحقق بعد النتائج الإيجابية المأمولة، أو التي تسمح بانعقاد جلسة للحكومة، توافق الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري، على «اهمية انعقادها في أسرع وقت ممكن لمتابعة المشاريع والقوانين التي من شأنها إعادة دوران عجلة الوضع الاقتصادي وتسهيل أمور المواطنين»، بحسب ما جاء في بيان المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية، أثناء توصيف خبر لقاء الرئيسين والذي ضم إليه لاحقاً اللواء إبراهيم الذي كان زار الحريري في السراي صباحاً.
وبحسب المعلومات التي عممت قبيل وصول الحريري إلى بعبدا قرابة الرابعة من بعد ظهر أمس، فإنها تحدثت عن اتصالات تجرى لعقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم الجمعة أو غداً السبت، في قصر بعبدا، أي برئاسة الرئيس عون وحضور جميع الوزراء، من دون ان تطرح فيها مسألة التصويت على إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، وتخصص بالتالي لجدول أعمال الجلسة التي لم يتسنى عقدها في الثاني من تموز الماضي بسبب تطيير النصاب من قبل وزراء «التيار الوطني الحر»، لكي يكون مجرّد انعقادها مؤشراً على انتظام عمل الحكومة.
الا ان لقاء بعبدا، لم يخرج بخطة أو باتفاق سوى تفاهم على تكليف اللواء إبراهيم باجراء اتصالات مع الأطراف المعنية، وفي ضوء النتائج تحدد الخطوة التالية، فإما ان تنجح بالوصول إلى حل وتعقد جلسة الحكومة اليوم أو غداً، أو تعود الأمور إلى سابق عهدها من التصعيد.
وحرص الرئيس الحريري بعد اللقاء على إشاعة أجواء إيجابية، وبدا متفائلاً، وهو عبر عن هذا التفاؤل، مؤكداً على ان أجواء الاجتماع كانت إيجابية آملاً ان «تسير الأمور في هذا الاتجاه وان الحلول باتت في خواتيمها، لكنه دعا إلى الانتظار قليلاً وبعدها تسمعون الخبر السار»، من دوان أية إشارة منه إلى عقد الجلسة، وان كان يعني ضمناً دعوة الحكومة للانعقاد.
غير ان مصادر مطلعة أوضحت لموقع «المستقبل ويب» الناطق حالياً بلسان تيّار «المستقبل» ان الدعوة لجلسة مجلس الوزراء معقودة على استكمال المشاورات هذه الليلة، والتي قد تتطلب ساعات إضافية قبل الوصول إلى القرار النهائي.
وأكدت المصادر للموقع نفسه ان المشاورات مستمرة على قدم وساق لتهيئة المناخ الملائم لانعقاد الجلسة، وان الاتصالات ناشطة في هذا الوقت على خطوط عين التينة والسراي الحكومي والمختارة وخلدة، وهذا يعني بحسب المعلومات ان موعد الجلسة لن يُحدّد الا بعد الحصول على موافقة الأطراف المعنية.
رفض ارسلاني وجنبلاطي
وبموجب التكليف الرئاسي، زار اللواء إبراهيم بعد اجتماع القصر رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان قرابة السادسة مساءً، قبل ان ينتقل بعد ذلك إلى عين التينة لوضع الرئيس نبيه برّي في الأجواء.
وذكرت مصادر الحزب الديموقراطي لـ«اللواء» ان «لا جديد بعد بانتظار انتهاء الاتصالات. فيما ذكرت معلومات غير مؤكدة ان ارسلان رفض عقد الجلسة ما لم يتم البت بمطلبه احالة الجريمة الى المجلس العدلي، كما رفض تسليم المطلوبين من الحزب الديموقراطي قبل البت بالموضوع».
وتأكد ليلاً رفض أرسلان للمسعى الجديد، حيث أعلن في تغريدة له عبر حسابه على «تويتر» ان أية مبادرة تخلو من الوضوح بما حصل من محاولة لاغتيال الوزير (صالح) الغريب مرفوضة رفضاً مطلقاً، لافتاً إلى انه «اصبح واضحاً، ان هناك من لا يريد محكمة ولا محاكمة ايا كان شكلها واسمها، ويسعى لتوتير الأجواء داخلياً وخارجياً لفك الحصار السياسي الذي فرضه على نفسه، في إشارة إلى جنبلاط الذي رفض بدوره تسليم باقي المطلوبين من الحزب الاشتراكي قبل تسليم الحزب الديمقراطي المطلوبين لديه، وواصلت اوساطه إشاعة معلومات عن عدم ثقته بالمحكمة العسكرية، وبأن تكون الجلسة المقترحة لمجلس الوزراء بمثابة فخ له.
وفي هذا السياق كان لجنبلاط الذي التقى مساء المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ايان كوبيتش، تغريدة قاسية على العهد، متهماً اياه بأنه «يريد الانتقام»، إذ كتب على حسابه عبر «تويتر» قائلاً: «لم تعد القضية قضية مجلس وزراء ينعقد ام لا ينعقد. السؤال المطروح هل التحقيق سيجري مع الذين تسببوا بحادثة البساتين ام سيبقى هؤلاء يسرحون خارج المساءلة، لان رئيس البلاد ومن خلفه يريد الانتقام. اذا كان الامر هكذا فنحن نملك الصبر والهدوء الى يوم الدين ولم تطلب ضمانة من احد سوى القانون».
ورجحت مصادر مطلعة ان لا تعقد جلسة هذا الأسبوع لمجلس الوزراء بسبب رفض طرفي النزاع في الجبل للمسعى الجديد، متوقعة تأجيل البت بها إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى وعودة الحريري من واشنطن.
شائعات
وسبق هذه التطورات تسجيل تطوّر قضائي في القضية، حيث قرّر قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل وقف النظر بدعوى حادثة البساتين بانتظار صدور قرار محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الناظرة بطلب رد القاضي باسيل.
ويأتي قرار القاضي باسيل انسجاما مع نص المادة 125 من قانون أصول المحاكمات المدنية، التي تفرض على القاضي المطلوب رده، التوقف عن النظر بالدعوى إلى أن تبت محكمة الاستئناف اما بقبول الطلب، فيحال الملف على قاض آخر، واما رفضه فيستأنف القاضي تحقيقاته من النقطة التي وصل اليها.
وكان الوكيل القانوني عن بعض المدعى عليهم المحامي نشأت الحسنية، قد تقدم بطلب رد القاضي باسيل أمام المحكمة المختصة.
وتزامن هذا التطور مع نشاط للشائعات والمعلومات غير الصحيحة عن توتر أمني في الجبل، تزامن مع اشكال حصل في بعلشمية بين عناصر الحزب القومي وآخرين، نفى الحزب الديمقراطي ان يكونوا من عناصره، ما اضطر وكالة داخلية الشويفات - خلدة في الحزب الاشتراكي إلى إصدار بيان نفى فيه ما يتردد عن استنفار مشايخ ومناصرين للحزب لوجود عناصر من «حزب الله» مدججين بالسلاح في الشويفات وضواحيها، مؤكداً «ان ملاذ الحزب الوحيد هو الدولة واجهزتها الامنية».
عودة الاتصالات
وكانت عجلة الاتصالات قد عادت إلى دورانها السريع بشكل مفاجئ لمعالجة الأزمة السياسية، بهدف احياء جلسات مجلس الوزراء، بعد عودة الرئيس الحريري من الخارج، ولقائه رئيس الجمهورية في حضور اللواء إبراهيم الذي كان زار الحريري في السراي قبل اجتماع قصر بعبدا.
ورأت اوساط متابعة ان استئناف الاتصالات ربما جاء قبيل زيارة رئيس الحكومة الى واشنطن الاسبوع المقبل، حيث علمت «اللواء» ان مواعيده ستكون يومي الاربعاء والخميس مع نائب الرئيس الاميركي بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو الى مسؤولين اخرين، كما جاء التحرك المستجد غداة إعلان السفارة الاميركية في بيروت موقفا من الازمة السياسية اللبنانية، تعددت وتضاربت تفسيرات القوى السياسية له، لكنه حرّك المياه الراكدة نسبة الى ما تركه من تأثيرات وردود فعل سلبية وايجابية..
وأفادت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان لقاء بعبدا خرج باتفاق على أهمية انعقاد مجلس الوزراء بأسرع وقت ممكن وهو أمر كان متفقا عليه في وقت سابق انما بفعل تهاوي المبادرات لم تلتئم الجلسة.
واشارت المصادر الى ان الايجابية التي اعلنها الحريري وللمرة الأولى منذ بدء المعالجة لحادثة قبرشمون أوحت ان هناك بعض العمل، معلقا الامال على ما تم التفاهم حوله لجهة التوصل الى حل وسطي في الموضوع، كإنعقاد جلسه حكومية في الساعات المقبلة تناقش جدول أعمال جلسة الثاني من تموز الماضي وطرح ملف قبرشمون ضمن سقف معين من دون الاشارة الى تصويت للاحالة على المجلس العدلي ومن دون اشكالات.
وقالت ان حضور اللواء ابراهيم قسما من الاجتماع وبقاءه الى ما بعد مغادرة الحريري لوقت في قصر بعبدا كان بهدف تنسيق العمل للمباشرة بالاتصالات على ان تحدد الخطوة التالية بنتيجتها.
واشارت الى ان الفكرة المطروحة جدية وانها قد تكون محور العمل للوصول الى حل في اقرب وقت ممكن.
بيان السفارة الأميركية
في هذا الوقت، بقي بيان السفارة الأميركية بخصوص احداث الجبل، موضع اهتمام مع ردود فعل متناقضة، خصوصاً وان البيان حذر من أي محاولة لاستغلال ما حدث في قبرشمون لتعزيز أهداف سياسية، في إشارة واضحة إلى ما يجري من محاولات لتوظيف الحادث في الصراع السياسي، سواء في الجبل، أو بين القوى السياسية، وهو ما اعتبره الحزب الاشتراكي بأنه «يعكس نظرة الغرب القلقة تجاه ما يحدث في لبنان من تدجين وتدخل سافر في شؤون القضاء ومحاولة ترتيب ملف غير مطابق لنتائج التحقيقات» في حين وصفه «حزب الله» في بيان، بأنه «تدخل سافر وفظ في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويشكل إساءة بالغة للدولة ومؤسساتها الدستورية والقضائية»، مشيراً إلى ان الغاية منه «اضفاء المزيد من التعقيد على الأزمة الراهنة».
اما وزارة الخارجية، فلم تشأ ان تعلق رسمياً، من خلال بيان يعبر عن وجهة نظرها، واكتفت بتعميم معلومات عن لسان مصادر في الوزارة من دون الإتيان على ذكر اسم السفارة، رأت فيها انه «من الجيد ان تهتم السفارات بسلامة العمل القضائي في لبنان وعدم إقحام السياسة فيه، لكن من المهم أيضاً ان لا تقحم السفارات نفسها في ما لا يعنيها، أي في شؤون لبنان الداخلية وتحديداً في عمل القضاء».
ومن جانبه، لاحظ مستشار رئيس الحكومة النائب السابق عمار حوري انه «من الأفضل علينا كلبنانيين عدم إعطاء فرص للآخرين ليتقدموا بملاحظات حول ادائنا الداخلي».
وإذ حذر من أخذ الأمور بخفة، اعتبر ان البيان يسلط الضوء على المخاطر التي نواجهها، مذكراً بأننا في مرحلة إعادة تصنيف دولي على الصعيد الاقتصادي واستثمار مقررات «سيدر» من خلال دعم دولي لا يتأتى إلا من خلال علاقات طيبة مع دول العالم».
وكشف مصدر دبلوماسي ان الاشتباك الدبلوماسي الحاصل بين السفارة الأميركية ووزارة الخارجية قد يؤثر على مهمة الوفد اللبناني خلال اجتماعات نيويورك في الأمم المتحدة الشهر المقبل.
مبنى «تاتش»
على صعيد آخر، فتحت لجنة الإعلام والإتصالات الباب على قطاع الإتصالات من باب ما احيط من لبس حول شراء مبنى «تاتش» بقيمة 75 مليون دولار، واستمعت اللجنة الى وزير الإتصالات محمد شقير، الذي قدم مطالعة اشار فيها الى انه استخدم صلاحياته في قرار الشراء باعتباره الأفضل من الإستئجار المكلف، ليؤكد انه كان امامه اربعة خيارات وهو سيعقد مؤتمرا صحافيا اليوم الجمعة ويعرض ما لديه، مشيراً الى انه ابلغ هذا الامر مسبقا الى الرئيس الحريري كما ابلغ وزير المال علي حسن خليل اكثر من مرة بهذا الموضوع، ونظرا لعدم انعقاد مجلس الوزراء لم يكن امامه الا اتخاذ هذا القرار بالشراء وكان امامه اربعة عروض، فيما ذهب النائب جميل السيد الى حد المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول المبنى المذكور ولجنة اخرى موسعة لكل قطاع الإتصالات،والاستعانة بشركة تدقيق دولية في كل الانفاق الذين يجري في قطاع الخليوي، واعتبر ان «عدم تأليف اللجنة يعني خيانة من كل النواب في حق اللبنانيين».
ونفى الوزير خليل لاحقاً ان «يكون قد تبلغ من الوزير شقير أي شيء بخصوص المبنى المذكور، متحدياً اياه إبراز أي مستند أو كتاب بهذا الخصوص، لافتاً إلى انه أوّل من راسل الوزارة بمخالفات وتجاوزات شركتي الهاتف الخليوي بمال الدولة».
وبقي النقاش معلقا، بسبب فقدان النصاب، على ان تتم دعوة الوزير السابق للإتصالات جمال الجراح، لإستيضاحه حقيقة ما جرى، وان تبقى مسالة المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في عهدة رئيس المجلس والالية القانونية، بعد اصدارها بمثابة توصية من اللجنة، بعيدا من الخلاف السياسي والإتهامات بالتصويب على فريق دون الاخر، ووعد رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن بجلسة في 2 ايلول المقبل لوضع الامور في نصابها من عمل شركتي الخليوي.