ولم يكن الجزائري ليفوز بالمنصب في ظل الحضور القوي لأتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في مجلس محافظة بغداد، لكن التأثير الإيراني كان حاسما، إذ شجعت طهران، زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، على دعم الجزائري، ليمسك بالمنصب المحلي الأهم في العاصمة العراقية.
وحاول الصدريون انتزاع المنصب لأحد مرشحيهم، لكن ثقل المالكي رجح كفة الجزائري.
وفي ذي قار، دفعت كتائب حزب الله بأحد مرشحيها لشغل منصب المحافظ في أحد أهم المعاقل الشيعية جنوب العراق.
ويكتسي منصب المحافظ، في الأشهر الحالية التي تسبق انتخابات المجالس المحلية المتوقع إجراؤها في أبريل من العام القادم، أهمية كبرى، إذ قد يمثل مفتاحا مؤثرا لفوز الحزب الذي يمثله.
وكتائب حزب الله ليست هي الأولى من بين المجموعات العراقية المسلحة الموالية لإيران، التي تسعى إلى تعزيز حضورها في السلطة التنفيذية العراقية، إذ سبقتها كل من عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وكتائب الإمام علي التي يقودها شبل الزيدي، فضلا عن منظمة بدر بزعامة هادي العامري.
وشغل العامري شخصيا مناصب حكومية في السابق بينها وزارة النقل، في حين استحوذت عصائب أهل الحق على حقيبتي الثقافة والعمل في الحكومة التي يترأسها عادل عبدالمهدي، بينما حصل شبل الزيدي على وزارة الاتصالات، وأسندها إلى أحد رجاله.
ويقول مراقبون إن الحقائب الوزارية ومناصب المحافظين، وإن بدت غير مؤثرة، إلا أنها تستخدم كمنصات سياسية لتوسيع مساحة تأثير الأحزاب والجهات التي تسيطر عليها، وسط توقعات بأن يتضاعف تمثيل المجموعات العراقية المسلحة الموالية لإيران في السلطة التنفيذية خلال الدورات الانتخابية القادمة، سواء على الصعيد المحلي في المحافظات، أو الوطني في البرلمان والحكومة المركزية.
واللافت أن توسع هذه المجموعات في مشروع إشغال المناصب التنفيذية يجري تحت أنظار رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي يتحول تدريجيا إلى أحد أشد المدافعين عن مصالح الحشد الشعبي، بعدما كان ينظر إليه على أنه عنصر التوازن الرئيسي في النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران.
ويبدو أن عبدالمهدي يردّ جزءا من الدين للحشد الشعبي، الذي تبنى خيار الدفع به إلى منصب رئيس الوزراء، بعدما ركنته التطورات السياسية في الهامش خلال العامين الأخيرين من ولاية رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
ومنذ أن صار لميليشيات الحشد ثقل سياسي من خلال احتلالها للعشرات من المقاعد في مجلس النواب صارت الطريق أمامها سالكة للحصول على مناصب في الدولة، وبالأخص تلك المناصب التي لا يقع اختيار أصحابها ضمن صلاحيات رئيس الوزراء.
وهو وضع يمكن أن يطلق العنان للتنافس بين تلك الميليشيات من أجل السيطرة على مفاصل عديدة في الدولة العراقية بما أنه يمكن أن يؤدي إلى تغيير في ميزان القوى لتصبح الحكومة هي الطرف الأضعف في الدولة.
وصارت الميليشيات توزع المناصب بينها بما يحقق نوعا من “العدالة” في توزيع الغنائم، ما حدا بمقتدى الصدر إلى التنازل عن منصب “محافظ بغداد” الذي كان حصة صدرية في مقابل أن يهيمن أتباعه على مواقع حساسة أخرى قد تدرّ أموالا أكثر.
وتحتاج الميليشيات في هذه المرحلة إلى زيادة مصادر داخلية للتمويل بعد أن صار واضحا أن الحرس الثوري قد توقف عن التمويل بسبب العقوبات المفروضة على إيران.
لكن مراقبا سياسيا عراقيا يعزو الخطورة في الموضوع إلى أن تلك المناصب وبعد أن صارت من حصة الميليشيات ستكون المواقع التي تحتلها معفاة من المساءلة في ما يتعلق بأدائها، لأن تلك المواقع ستحظى بحماية معلنة من قبل الميليشيات. وهو ما يعني أن موقعا مثل محافظة بغداد سيكون وكرا للكتائب وينسحب الأمر ذاته على المواقع الأخرى.