يتخوّف ركن سياسي من أن تكون هناك قوى داخلية، بتعليمات خارجية، تتقصّد إثارة تعقيدات لتعطيل كل مسار الدولة. فربما يكون الهدف تحضير الساحة لمتغيّرات ذات ارتباط بما يجري في المنطقة. ولذلك، هو يطرح علامات استفهام حول ما جرى في قبرشمون- البساتين: هل كان الأمر مجرد صدفة؟
يضيف: إذا كان الأمر كذلك، فهل تُستثمر الصدفة، إلى الحدّ الأقصى، سعياً إلى «تأديب» جنبلاط أو حتى إلى ضربه وتبديل خريطة المرجعية الزعامتية الدرزية، كما يُقال في المختارة؟ وإذا لم يكن أحد يريد استثمار الصدفة، فلماذا رفع السقوف هذه المرة إلى مستوى لا مجال فيه للحلحلة؟
يمكن التفكير في حوادث دموية عدّة داخل البيئة الدرزية، بين مناصري جنبلاط ومناصري إرسلان أو حتى وهّاب، في السنوات الأخيرة، من الشويفات إلى الجاهلية إلى البساتين. فالمشترك فيها هو الغموض الذي يدعو إلى الريبة. وهذا ما يستتبع أن تفكر القوى الدرزية في الخلفيات والملابسات والتداعيات، بدل الغرق في سطحيات كل حادثة والتهرّب من المسؤولية.
وفي أي حال، على المسيحيين والسنّة أيضاً أن يفكّروا. فالمشكلة التي تعصف بالطائفة الدرزية وجنبلاط يمكن أن تكون نموذجاً يضرب الطائفتين. فهل مطلوب درزياً أن يُزاح جنبلاط، معاقبةً له على مواقفه غير المهادنة من النظام السوري وإيران؟ أم أن يُدفَع إلى حالة من الرعب… فينكسر وربما يطلب الحماية من البعض، ويقطع روابطه بالحريري وجعجع؟
لبنان يقترب من وضعية المواجهة الشاملة. وثمة من يتحدث عن «سيناريو انهيار شامل» صار متوقعاً حصوله، إذا لم تطرأ مفاجأة. ويرى أنّ الخريف سيكون صعباً جداً، وسيمهِّد لتكون سنة 2020 هي الموعد المحتوم مع خطر الانهيار الواضح المعالم:
1- طارت الحكومة «تقريباً» تحت تأثير الصراع السياسي والطائفي- المذهبي. فهي عالقة في «البساتين» شكلاً، لكن أزمات أكبر بكثير تعصف بها. ولا تبدو قادرة على إدارة هذا الحجم الهائل من الأزمات، ولو عادت إلى الاجتماع. وتالياً، صار لبنان بلا حكومة فاعلة، فيما هو يحتاج إلى جهود خارقة للإنقاذ.
2- يتضرَّر لبنان بشدَّة من الشكوك المثارة حول دور الأجهزة والقضاء في حادثة البساتين. وتسجِّل الجهات الدولية ذلك باعتباره تكذيباً للوعود وشعارات الإصلاح وفشلاً للدولة ككل. وهو يعزِّز الانطباع بأنّ في لبنان دولة فاشلة ومسؤولين فاسدين لا يمكن الاستجابة لمطالبهم بالدعم والمساعدات المالية.
3- استتباعاً، توحي الأجواء أنّ جزءاً كبيراً من مساعدات «سيدر» ربما ذهب أدراج الرياح. فالجهات المانحة سجلت أنّ موازنة 2019 حملت أرقاماً وتوقعات غير دقيقة. وكشفت أنّ المسؤولين اللبنانيين ليسوا عازمين على الوفاء بتعهداتهم.
ويحاول هؤلاء إقناع الجهات المانحة بأنّ موازنة عام 2020 هي التي ستتضمن خطوات الإصلاح الحقيقية، سواء لجهة مكافحة التهريب والتهرّب الضريبي أو لجهة إعادة النظر في القطاع العام وهيكلة المؤسسات.
لكن تأجيل المشكلة لا يعني بالضرورة حلَّها، إذا كان الفريق نفسه سيكرّر المحاولة بالأدوات نفسها. والرهان أساساً يبقى في مدى التزام لبنان إنجاز موازنة السنة المقبلة في مواعيدها الدستورية.
4- تتجّه مؤسسات التصنيف الدولية، في ظلّ هذا المناخ التشكيكي، إلى خفض جديد لتصنيف لبنان السيادي، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على الوضع المالي والنقدي. وسيكون تقرير «ستاندرد إند بورز»، بعد أسبوعين، هو الفاتحة وتليه تقارير لمؤسسات أخرى. وليس سهلاً على لبنان تغيير نظرة هذه المؤسسات، لأنّها مبنية على وقائع وأرقام وتقديرات واقعية لا وهمية.
5- هناك مخاوف لدى جهات دولية من أن يؤدي ارتفاع مستويات النقمة الاجتماعية، بسبب الإقفال المتزايد للمؤسسات، إلى تعميق أزمات الفقر والتضخم والبطالة. وفي المجتمعات المنقسمة على ذاتها، يمكن أن تتحوّل الأزمة الاجتماعية إلى احتقان طائفي أو مذهبي وتَصادُم أمني. وبؤر التفجير الأمني كثيرة، وهي كامنة في معظم المناطق.
6- يدور صراع حول نظام الطائف، بين من يطرح «إصلاحه» أو «إيضاحه» ومَن يرفض المسّ به. وقد عصفت بالبلد هواجس الديموغرافيا والعدد في الأيام الأخيرة، ما يطرح علامات استفهام حول مدى استقرار النظام السياسي في الفترة المقبلة. وهذا الأمر يمكن أن يشكّل عامل تفجير إضافياً.
إذاً، كل الإشارات حمراء. وبات محسوماً أنّ الأشهر المقبلة ستكون حبلى بالأزمات على أنواعها. ووفق المطلعين، يمكن للبنان أن يتجاوز الانفجار ويجتاز عتبة السنة 2019، على الأرجح. ولكن، حذارِ، فالـ 2020 ستكون فعلاً «عام النكبة»… إلّا إذا حدثت «أعجوبة».