ماذا يملك اللبنانيون للمساهمة في تجاوز الأزمة الاقتصادية يا فخامة الرئيس؟
يبدو أنّ القيّمين على إدارة صفحة رئيس الجمهورية على وسائل التواصل الاجتماعي، هم على درجة كافية من السذاجة والسّطحية حتى ينشروا كلاماً منسوباً لفخامته، يطلب فيه من اللبنانيين التّضحية ببعض "مكتسباتهم"، هذه المكتسبات التي حصلوا عليها بالجهد والعرق خلال عهودٍ سابقة، وهي تتآكل يومياً وباطّراد في عهد فخامة الرئيس عون، وكان بعض اللبنانيين الذين سحرتهم شعارات الجنرال عون أواخر ثمانينيات القرن الماضي، قد قاموا بجمع أموالٍ وحلىً ومجوهرات لصالح حملته ضد الوصاية السورية على لبنان وتحقيق شعارات السيادة الوطنية والاستقلال، أمّا اليوم فما هو الدافع الذي يمكن أن يُحفّز لبناني واحد كي يُبادر للتّبرُّع لدولة متهالكة ينخرها الفساد؟ كي لا نقول بأنّ مقام رئاسة الجمهورية فقدت فاعليتها و"هيبتها" منذ أن قام الرئيس عون بالتنازل عن أهم صلاحياته وواجباته لصالح صهره الوزير جبران باسيل، والذي حوّلها إلى مهزلة أو أضحوكة في نظر الجمهور، الذي يسخر يومياً على صفحات التواصل الاجتماعي من أطروحة" الرئيس القوي" و"بيّ الكل"، أو استعادة حقوق المسيحيين المهدورة من شركائهم المسلمين.
يعلم القاصي والداني أنّ الحاكم بأمره هذه الأيام في لبنان لا يسكن في قصر بعبدا، ولا في قصر عين التّينة، ولا في بيت الوسط، وأنّ الإمرة هي عند من يمتلك السلاح الذي يستعلي يومياً على السلاح" الشرعي"، ويمتلك زمام الأمور في كافة مفاصل الدولة، التي لطالما تباهت باستقلالها وسيادتها، لم يبقَ بين يدي الرئيس الذي يطلب من المواطنين بذل بعض مكتسباتهم لإنقاذ الوضع المالي والاقتصادي المتدهور للدولة، سوى بعض السلطات القضائية والدينية والإدارية، وحضور الاحتفالات الرسمية( عيد الجيش وتقليد سيوف الضباط)، من أجل خلع المشروعية على عهده، وهذه ليست أكثر من تنازلات سطحية وخادعة، حتى بات بعض العارفين بما يدور في الكواليس، يمكن له أن يتنبّأ بإسم من سيقوم حزب الله بتعيينه خليفةً للرئيس الحالي في قادم الأيام.
إقرأ أيضًأ:" نقيب الصيادلة يحظر على زملائه التبوُّل على إصبع مجروح "
وضعٌ مؤسف، وصورة هزلية، ولعلّ هذا يُذكّر من يُفضّل العودة لحوادث مشابهة في التاريخ الإسلامي، عندما كان الأمراء البويهيون يتحكّمون بمقام الخلافة والخليفة العباسي، فيقومون بسجنه مع حريمه ونسائه في القصر، وهم الذين يُخفّضون من مخصّصاته ونفقاته، كما وأصبحوا هم الذين يخلعونه عن شرعه، وحفظ لنا التاريخ صورة واقعية عن حقيقة الوضع المزري لمقام الخليفة في هذه الرسالة التي كتبها الخليفة المطيع لله جواباً على طلب الأمير "بختيار" مالاً للقيام بالغزو وما شابه ذلك، فأجابه المطيع لله.. بأنّ الغزو يلزمني إذا كانت الدنيا في يدي، وإليّ تدبير الأموال والرجال، أمّا الآن وليس لي منها إلاّ القوت القاصر عن كفائي، وهي في أيديكم وأيدي أصحاب الأطراف، فما يلزمني غزوٌ ولا حجٌّ ولا شيء ممّا تنظر فيه الأئمة، وإنّما لكم منّي هذا الإسم الذي يُخطبُ به على منابركم، تُسكّنون به رعاياكم، فإن أحببتم أن اعتزل اعتزلتُ عن هذا المقدار أيضاً وتركتكم والأمر كلّه، وتردّدت المخاطبات في ذلك والمراسلات حتى خرجت إلى طرفٍ من أطراف الوعيد، واضطرّ إلى التزام أربعمائة ألف درهم باع بها ثيابه وبعض أنقاض داره، حتى شاع أنّ الخليفة صودر، وكثرت الشناعات.
يبقى الأمل أن لا نصل في يومٍ من الأيام إلى ما وصل ويصل إليه كل خليفة مطيع لله أو لولّيه.