أقفلت جريدة المستقبل... قلنا أزمة صحافة. تراجعت برامج تلفزيون المستقبل، قلنا أزمة إنتاج. لكن أن يصل الأمر الى اعتكاف الزملاء الإعلاميين والموظفين التقنيين عن العمل في تلفزيون المستقبل، وتصبح المحطّة مهدّدة بالإقفال، فلا يسعنا القول سوى انّ هذه أزمة وطنية لا بد من التحرّك الفوري لأيّ جهة معنية مباشرة أو غير مباشرة، للتوسّط من أجل إيجاد حلّ سريع ومُرض لطرف يسأل عن حقوق ومستحقّات ورواتب متأخّرة، وطرف يبحث عن حلول في بلد اقتصاده محلول.
بدأت القصة نهار الثلثاء عند الساعة 12 ظهراً عندما توقّف غالبية العاملين في تلفزيون المستقبل، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، عن أداء واجباتهم الإعلامية، واكتفوا بالحضور على الدوام كموظّفين إلى حرم المحطّة كما يروي أحد الإعلاميين، شارحاً «نحن لسنا مُضربين عن العمل كما يُشاع، ولكننا بكل صراحة لم نعد قادرين على العمل بعد الآن، خصوصاً مع الإدارة، وفي ظلّ الظروف المالية الصعبة التي لم تعد تفاصيلها تُخفى على أحد».
ومع بداية الأزمة المالية في تلفزيون المستقبل عام 2009، بدأت الإدارة تتأخّر في دفع الرواتب، لكنّ الموظفين العاملين في المحطّة، أو بالأحرى في حضن عائلة المستقبل، كما تصفها إحدى الإعلاميات «العتيقات» على الشاشة «لم نرض يوماً رَمي بحصة في الصحن الذي أكلنا منه، ولم ننس نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا قبلنا أن نخون الرئيس سعد الحريري». لتضيف: «قرّرنا تحمّل الصعاب مع الإدارة، ورضينا بكل ما كنّا نحصل عليه، آملين أنّ هناك ضوءاً في نهاية هذا النفق. ومرّت السنوات وتراكمت المتأخرات حتى أصبحت في الآخر 17 شهراً». وشرحت أنّ الإدارة في آخر قرار لها منذ 10 أشهر تقريباً «وعدت وكرّرت لنا أنها ستدفع لنا. لكننا نقبض نصف مرتّب كلّ 45 يوماً، لكن الوضع لم يعد يُحتمل».
ويصف زميل آخر من مؤسّسي تلفزيون المستقبل الوضع بالكارثي، شارحاً أنّ «المعدّات أصبحت عتيقة، والمكنات انهارت من كثرة الاستعمال... والناس تعبت، عن جَد تعبت». قبل أن ينتفض ويقول: «نحن لن نتخلّى عن تلفزيون المستقبل إلّا إذا هو تخلّى عنّا. نحن مع الرئيس سعد الحريري ولسنا ضدّه... جميعنا معه، لكن في الوقت ذاته نحن نستطيع الصمود في مواقفنا ولكن لا يمكننا الصمود معيشياً وإنسانياً أكثر من ذلك. فديوننا تراكمت، وجيوبنا فرغت، والجميع يعرف الوضع الاقتصادي في البلد، فكيف يمكننا الاستمرار بلا مرتّبات؟».
أمّا الإدارة، فأكّدت أن لا نيّة لها في إقفال المحطّة أبداً، شارحة أنها في سياق إعادة هيكلتها، وأعربت عن تفهّمها لوضع الموظفين الذين لا يستطيعون تحمّل الوضع أكثر.
باتَ اللبنانيون يعرفون أنّ الإعلام بشكل عام في لبنان يمرّ بمرحلة صعبة، لكن السؤال هو كيف وصل الوضع بمحطّة مثل المستقبل إلى هنا؟ أين تذهب الأموال ولماذا طالت الأزمة؟ ولعلّ الجواب عن هذه الأسئلة موجود في المستقبل نفسها، إذ بات يشتكي بعض العاملين في مطبخ المحطّة من الصرف في غير مكانه، سائلين: «لماذا تحتاج محطّة تلفزيونية مأزومة بهذا الشكل إلى 3 مراكز: واحد في القنطاري، وواحد في سبيرز، واستديوهات ضخمة في سن الفيل؟».
ونسأل نحن بدورنا، هل يمكن للتقشّف في المرتّبات والاستديوهات وضبط المصاريف أن يساهم في إنعاش هذه المحطّة التي كانت منذ لحظة ولادتها جامعة لكلّ الطوائف والمذاهب، ويعيد إحياء هذا التلفزيون الوطني العربي غير الطائفي؟
ولا بدّ في النهاية من أن نسأل «تيار المستقبل»، هل ترضى مستقبلاً بلا المستقبل؟ أنقذه حتى نبقى مؤمنين بالمشهد الإعلامي اللبناني، وبحريّته ومهنيته وتفرّده.