جديد الأزمة، مبادرة رئاسية لاعادة إطلاق عجلة الحكومة، ترتكز على البند 12 من المادة 53 من الدستور التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية. وبَدت وكأنها رَميٌ للكرة في اتجاه رئيس الحكومة سعد الحريري، بما يؤشّر بشكل غير مباشر الى الجهة الرافضة دعوة الحكومة الى الانعقاد. 

وبحسب ما أُعلِن، فقد اتصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من موقعه وصلاحياته لاسيما الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور، بالحريري، بعد بلوغ الوضع حداً خطيراً من تعطيل السلطة الاجرائية ومصالح الناس والخدمات والادارات والمؤسسات، وبعد استنفاد كل الحلول والمبادرات بشأن حادثة «البساتين»، طالباً منه الدعوة الى عقد مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن، من منطلق انّ مجلس الوزراء مجتمعاً هو السلطة التي تطرح لديها كل الخلافات والاشكالات السياسية والامنية».

أدّى الطلب الرئاسي الى «سجال ناعم» مع رئيس الحكومة، حيث جاء الرد عبر 3 مصادر:

الأول، عبر الحريري نفسه، الذي لم يعلّق شخصياً على الطلب، بل غادر في زيارة باريسية خاصة ليومين يمضيهما مع عائلته، ويحتفل بعيد زواجه كما تردّد. 

الثاني، عبر تأكيد أوساط تيار المستقبل بأنّ الحريري ماض في جهوده لاحتواء تداعيات أزمة قبر شمون، ومنع تفاقمها.

الثالث، عبر «مصدر حكومي مطّلع»، أكد انّ الحريري «يدرك صلاحياته تماماً وهو يتحمّلها على أكمل وجه، وقد سبق له أن وجّه رسائل مباشرة وغير مباشرة لكل المعنيين، بوجوب انعقاد مجلس الوزراء، وفك الاشتباك بين العمل الحكومي ومصالح المواطنين، وبين الخلاف المُحتدم في الجبل والذي يتطلّب حلولاً سياسية وأمنية وقضائية واقعية على خطوط الاتصال بين مختلف القيادات. غير انّ إصرار البعض على ربط مصير العمل الحكومي بمشكلة الجبل والكلام التصعيدي المستمر منذ أسابيع والعراقيل التي اعترضت مبادرات اللواء عباس ابراهيم، كلها أمور تدفع الرئيس الحريري الى التزام حدود المصلحة الوطنية إدراكاً منه للمخاطر التي ستترتّب على أي خطوة ناقصة في هذه المرحلة الدقيقة».

وأكد «انّ الحريري معني بالمحافظة على صفة الوفاق الوطني للحكومة وعدم تعريض مجلس الوزراء لأي انقسام عمودي في ظل أية اقتراحات يمكن أن تؤدي لهذا الانقسام، لكنه معني أيضاً بمنع اللجوء الى أي خطوة تؤدي الى تدهور الاوضاع في الجبل. ومن هنا فإنّ الرئيس الحريري يتطلّع لتحريك الجهود السياسية لتحقيق المصالحة وتوفير مقتضيات الامان السياسي لانعقاد مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن، وهو لن يتأخر لحظة واحدة عن هذه الدعوة، والتي باتت ملحّة، فور التوَصّل الى تحقيق إنجاز ملموس نحو المصالحة». 

وأشارت أوساط بيت الوسط الى أنّ الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور، تتحدث عن الدعوة الى الجلسة بالتوافق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وهو أمر لم يتحقق بعد. لا بل انّ الخلاف جذري حول الجدوى من الجلسة والهدف منها، فلكلّ منهما نظرة مختلفة عن الآخر. 

وقالت: «طالما انّ المحكمة العسكرية قد وضعت يدها على ملف أحداث قبرشمون وقد صدرت قرارات استدعاء المتورّطين، فلماذا الحديث عن إعادة تصويت لإحالتها على المجلس العدلي او الى أي هيئة قضائية أخرى؟.

بعبدا
في المقابل، قالت مصادر وزارية مقرّبة من بعبدا لـ«الجمهورية»: إنها لم تتلق بعد أي اتصال او جواب مباشر من الحريري، بل تلقّت الردود بمسلسل المواقف التي نقلت عبر وسائل الإعلام.

وأكدت انّ رئيس الجمهورية سيواصل مساعيه لإحياء العمل الحكومي، ولن يخطو أي خطوة خارج صلاحياته الدستورية التي اضطر الى التذكير بها، ليقتنع الجميع أننا نعيش في دولة لها دستور وفيها قوانين على الجميع اللجوء اليها عند الاحتكام الى اي موقف ولفَضّ أي خلاف او رأي نقيض.

قبرشمون
وعلى صعيد الاتصالات الجارية حول حادثة قبرشمون، يبدو أنه لا مؤشرات عن تقدّم فيها. لكن لفتت في هذا السياق الزيارة الصباحية التي قام بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى القصر الجمهوري، واجتماعه مع الرئيس عون، حيث أطلعه على الجهود التي يقوم بها، مؤكداً انّ هذه الجهود ستستمر، ولن يحول شيء من دون إكمال هذه المهمة.

جنبلاط
الى ذلك، أوضح مصدر قريب من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ«الجمهورية» انّ «ما يجري في المحكمة العسكرية خطير، لأسباب عدة أبرزها: 
- ممارسة الضغوط على قاض لفبركة رواية مختلفة عن نتائج التحقيقات التي توصّل اليها فرع المعلومات.
- إقصاء القاضي المناوب في العطلة القضائية، وإلزامه بالتنازل عن الملف.
- إستدعاء قاضٍ آخر من عطلته القضائية.
- إمتناع أجهزة أمنية رسمية عن تزويد القاضي بالمعلومات التي يطلبها. 
- التدخل المباشر للفريق الوزاري التابع للعهد في مجريات التحقيق.
- الإمتناع عن توقيف أيّ من المطلوبين من الفريق الآخر في حادثة البساتين.
- تحقيق فرع المعلومات أصبح في عهدة الرؤساء الثلاثة، وأبرز خلاصاته: لا كمين، لا محاولة اغتيال وزير، الطرف الآخر باشر بإطلاق النار، شباب المنطقة في حال الدفاع عن النفس.

وأشار المصدر الى انّ «الإدعاء الأول لم يذكر إرهاباً»، لافتاً الى انّ قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي عَكفت على عقد سسلسلة اجتماعات خلال اليومين الماضيين لتقييم ما توصّلت اليه المبادرات والمعطيات وخلفيات التصعيد والتعطيل، وانها اتخذت مجموعة من القرارات للتحرك في ضوئها إبتداء من الاسبوع المقبل.

المادة 95 
من جهة ثانية، إستجاب رئيس المجلس النيابي نبيه بري للرسالة الرئاسية حول تفسير المادة 95 من الدستور، وحَدّد «جلسة تفسيرية عامة» لمجلس النواب في 17 تشرين الاول المقبل، أي في مستهلّ العقد العادي الثاني للمجلس النيابي. 

 

أبي رميا
وقال عضو تكتل لبنان القوي النائب سيمون أبي رميا لـ«الجمهورية»: ّ»أهمية رسالة رئيس الجمهورية أنها تفتح باب النقاش على تفسير مادة أساسية، تلحظ لغطاً كبيراً».

وأضاف: «من الضروري شرح ما تعنيه كلمة ميثاقية، وتوضيح معنى مقتضيات الوفاق الوطني، وتفسير معنى العيش المشترك، وذلك لحسم استخدام التعابير التي تحمل تفسيرات وتأويلات عدّة، لمرة واحدة أخيرة، منعاً لتفصيلها كلّ على مقاسه». 

وأضاف: «قانونياً ودستورياً، إنّ مباراة الخدمة المدنية التي جَرت هي حقّ لِمَن قدّم وفاز، لكننا نعتبر أنّ هناك ما هو أقوى من النص والدستور، وهي الميثاقية والروحية التي نُصّ فيها الدستور، وهدفنا أن نرى كيف يمكن ترجمة هذه الروحية عملياً». 

الجميّل
وأدرج النائب نديم الجميّل الرسالة الرئاسية في سياق «مزايدة لا تقدّم ولا تؤخّر، وتصبّ في خانة استعراض القوة والصلاحيات»، معتبراً أنّ «هذا الأمر يضعف ولا يقوّي».

وقال لـ«الجمهورية»: لا أرى في هذا الامر أي قيمة، فدعونا نرى كيف سيتمكن «رئيس الجمهورية القوي» من إعادة اللبنانيين الى حضن الدولة. فاللبناني عامة والمسيحي تحديداً لم يعد يثق لا بدولته ولا بوطنه، فلنبدأ من هنا، ولنعالج هذه المشكلة، قبل أن نعالج مشاكل أخرى، ونبحث عن مشاكل وهمية لا تمتّ بصلة لاستمرارية وجودنا في لبنان».

أبي اللمع
وأعلن عضو «الجمهورية القوية» النائب ماجد إدي أبي اللمع أنّه «لا يؤيّد خطوة رئيس الجمهورية»، وقال لـ» الجمهورية»: «إنّ إثارة أيّ موضوع دستوري في الوقت الراهن، من شأنها أن تخلق عصبيات طائفية من جديد، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، ستفتح هذه القضية المجال لتصبح المواد الدستورية الواردة في الاتفاق أمام احتمالية التفسير هي أيضاً».

إنذار اقتصادي
إقتصادياً، اذا كان التقرير المنتظر من الوكالة الدولية للتصنيف «ستاندرز اند بورز» في 23 آب الجاري، مَحل ترقّب قلق على المستوى الداخلي، إلّا انه من جهة ثانية أثار حالاً من الارباك المُسبق في الاوساط المالية والاقتصادية، بعد ورود إشارات عن تصنيف سلبي للبنان. وعلمت «الجمهورية» انّ الجهات الرسمية المعنية بالشأنين المالي والاقتصادي، بدأت جهوداً حثيثة في اتجاه وكالة التصنيف المذكورة لحملها على تأجيل إصدار تقريرها.

وبحسب المعلومات، أنه قد تمّ تكليف أحد الوزراء في الحكومة بالتواصل مع وكالة «ستاندرز اند بورز»، للسعي لديها لعدم إصدار تصنيفها، الذي تقول المؤشرات انه سيكون سلبياً، في الموعد المحدد في 23 آب الجاري، ومَنح لبنان فترة سماح لـ6 أشهر، لعل في هذه الفترة تبرز إيجابيات على صعيد نتائج الموازنة على المالية العامة.

وعُلم في هذا الإطار انّ الجهات الرسمية اللبنانية المالية والاقتصادية، أرسلت 3 تقارير الى الوكالة الدولية، يتناول الأول وضع المالية العامة، ويدور الثاني حول موضوع الكهرباء، أمّا الثالث فيتناول وضع مصرف لبنان وإمكانياته وقدراته على احتواء الأزمة.

وعلمت «الجمهورية» انّ الوزير المذكور لم يعكس أجواء إيجابية كاملة حيال المسعى الذي يقوم به، بل انه أبلغ الجهات الرسمية المعنية أنه لم يتلقّ جواباً نهائياً، «فالجَو رمادي، ولا جواب نهائياً حتى الآن، وما أستطيع قوله هو انّ تجاوب الوكالة معنا محتمل بنسبة 50 في المئة، وانّ عدم تجاوبها محتمل ايضاً بنسبة 50 في المئة».

الديون السيادية
وتزامَن ذلك مع تطور سلبي تَمثّل بارتفاع تكلفة التأمين على ديون لبنان السيادية إلى مستوى قياسي، وفق ما أظهرت بيانات شركة «آي.إتش.إس ماركت» بأنّ مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية لـ5 سنوات ارتفعت أمس إلى 990 نقطة أساس، بزيادة 33 نقطة أساس عن إغلاق أمس الاول. 

الخبير وزنة
وأوضح الخبير المالي والاقتصادي غازي وزنة لـ«الجمهورية» انّ هذا الامر «ينطوي على رسالة واضحة تحذيرية، أو بمعنى أدقّ غير إيجابية، بأنّ مخاطر الديون السيادية تزداد أكثر فأكثر، وهذا يفترض بلبنان أن يُسارع الى اتخاذ إجراءات لطمأنة الاسواق المالية العالمية والمستثمرين. لأنّ لديه مخاطر كبيرة على صعيد الدين العام وكلفته، وعلى صعيد المالية العامة والنمو الاقتصادي».

وأشار وزنة الى انّ السياسيين اليوم في حال ترقّب لصدور تقرير «ستاندرز اند بورز»، وقال: «الخطوة الاولى التي يتوجّب على السياسيين المبادرة اليها قبل صدور هذا التقرير، هي إيجاد حل للأزمة السياسية التي يعيشها لبنان في هذه الفترة. فتعطيل الحكومة على مدى شهر حتى الآن، قدّم رسالة شديدة السلبية لوكالات التصنيف. والخطوة الثانية هي إظهار الجدية في معالجة الأزمات الاقتصادية وغير الاقتصادية، وايضاً إرسال رسالة إيجابية نحو «سيدر»، والشروع فوراً في ملف الكهرباء سواء على صعيد التعرفة او على صعيد التغذية، وذلك بالتوازي مع رسالة إيجابية ومهمّة عبر مشروع موازنة العام 2020، ولاسيما لناحية العجز المخفض فيها وكذلك الاصلاحات التي ستتضمنها».

ورداً على سؤال، قال: «ما زال في إمكان لبنان أن يعالج أزمته الاقتصادية والمالية من دون اللجوء الى توصيات صندوق النقد الدولي، الذي يطلب رفع الضريبة على القيمة المضافة الى 15 في المئة، وزيادة خمسة آلاف ليرة على صفيحة البنزين، وتقليص حجم القطاع العام وكلفته. وبالتأكيد، ليس في حاجة الى تحرير سعر صرف الليرة. فموازنة 2019 تضمّنت بعض الاصلاحات وخفّضت العجز من 11.2 في المئة من الناتج المحلي الى ما يقارب 7,6 في المئة، وهذه تعتبر خطوة إيجابية، وانطلاقة لإصلاحات أكثر، وخفض أكبر للعجز في موازنة 2020، التي يفترض ان يقدّمها وزير المالية نهاية آب 2019 الى مجلس الوزراء».

وعن نتائج تقرير «ستاندرز اند بورز»، في ما لَو جاء سلبياً، قال: «هذا معناه ارتفاع معدلات الفوائد، وانخفاض أسعار سندات «اليوروبوند» في الاسواق العالمية، وصعوبة بيع هذه السندات اللبنانية في الاسواق العالمية، وإلزام المصارف بزيادة رساميلها، وحدوث إرباك داخلي كامل، وإشاعة مناخ غير مطمئن للمستثمرين والمودعين، وتراجع التدفقات المالية الى لبنان، وزيادة العجز في ميزان المدفوعات.