فهل المطلوب العودة إلى نظامٍ توظيفي من القرن التاسع عشر؟
يسعى الرئيس سعد الحريري في هذا الوقت على إعادة إطلاق عجلة الدولة ومؤسّساتها، وتفعيل عمل الحكومة، وهو سيواجه المعطّلين ويضع النقاط على الحروف. وفي هذا السياق، تكشف مصادر متابعة أن هناك فكرة بدأت بالتبلور باتجاهين،الاول حول توجيه دعوة للحكومة للانعقاد لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وإظهار حقيقة نوايا مختلف الأطراف.
وفي أقصى الأحوال إذا ما حصل تصويتٌ على ملف إحالة حادثة البساتين إلى المجلس العدلي، فستكون النتيجة متعادلة، وبالتالي سيسقط الاقتراح. وبعد سقوطه، يكون الامتحان حيث يكرم المرء أو يهان. فهل يتم التعطيل مجدداً بالانسحاب من الحكومة، والإصرار على العرقلة وفرض الشروط، أم أن القضية تسلك مسارها الأساسي والطبيعي بعيداً عن لعبة اختلاق الذرائع بهدف التعطيل ومن ضمن المحاولات الهادفة باطار ترتيب الامور والدفع بشكل ايجابي لتقوم الحكومة بمهامها والثاني على خلفية المادة 80 من قانون الموازنة والتي حفظت حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية، وبعد انقضاض فريقٍ سياسيٍ بعينه على حقوقهم، ومنعَ عنهم التوظيف على مدى سنتين وأكثر بحجة غياب التوازن الطائفي وجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رسالةً إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا فيها إلى، مناقشة مجلس النواب، ووفقاً للأصول، المادة 95 من الدستور، ولاسيّما منها الفقرة ب الواردة تحت عنوان وفي المرحلة الانتقالية، معطوفةً على الفقرة ي من مقدمة الدستور وفقاً لقواعد التفسير الدستوري .
وذلك حفاظاً على ميثاقنا، ووفاقنا الوطني، وعيشنا المشترك، وهي مرتكزات كيانية لوجود لبنان وتسمو فوق كل اعتبار، مع حفظ حقّنا وواجبنا الدستوريين، وذلك من موقعنا ودورنا وقَسَمنا باتّخاذ التدبير الذي نراه متوافقاً والدستور في المسائل المطروحة في الرسالة. وأعرب الرئيس عون عن أمله في أن يساهم تفسير مجلس النواب في الإضاءة الوافية له، ولأي سلطةٍ دستورية معنية بالمسائل التي وردت في الرسالة.
ومن الطبيعي جدا ًأن يبعث رئيس الجمهورية برسالةٍ إلى مجلس النواب، وهذه من صلاحياته التي يكفلها الدستور. إلّا أن أسئلةً عدة تطرح نفسها، خاصةً وأن رئيس الجمهورية قد أقسم على حماية الدستور والدستور هو الذي نصّ على شرط الكفاءة في التوظيف. وبالتالي، هل يجوز نسف هذا المبدأ فقط إرضاءً للخلفيات الطائفية والمذهبية؟ إلا أنّ الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب هذه المرة لها أبعادٌ أخرى، في السياسة أولاً، وهو ما يبرّر وضعها من جانب بعض المتابعين في خانة "تفادي الإحراج" الذي تسبّبت به الموازنة، بعدما سُمّي في الأوساط القريبة من عون وفريقه السياسي، "تهريباً" للمادة 80، والتي ظنّ النواب أنّها شُطِبت، فإذا بها واردة في متن الموازنة، على رغم عدم طرحها على التصويت، وهو ما أكد وزير الخارجية جبران باسيل رفضه، واستعداده للتصدّي له أياً كانت العواقب.
إقرأ أيضًا:" الى متى سيبقى لبنان اسير الانقسامات؟ "
ويشير خبير إداري إلى أن هذه الرسالة تتضمن دعوةً إلى اعتماد نظام الـمغانم بدلاً من نظام الـكفاءة ، الذي يشهد تدخلاتٍ سياسية في النتائج، حيث أن الحزب الأقوى في السلطة يُنعم على نفسه وعلى مناصريه بالحصة الأكبر من الوظائف، بينما نظام الـمغانم هو الذي يعتمده مجلس الخدمة المدنية من خلال قبول الناجحين بحسب ترتيب العلامات. وبالتالي فإن في هذا الأمر انقضاضٌ على نتائج الامتحانات، وعلى دور مجلس الخدمة المدنية. وأما السؤال الأهم فهو، ما البديل عن المادة 95 من الدستور الواضحة جداً لناحية حصر المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في الفئة الأولى، وضمن إطار الكفاءة؟ ولماذا الانقضاض على الطائف، وعلى الدستور، وعلى مبدأ الكفاءة في امتحانات مجلس الخدمة المدنية؟
وإذا كان البعض لا يريد اعتماد مبدأ الكفاءة في الفئتين الثالثة والرابعة، فلماذا نعتمد اذاً مبدأ المحاصصة السياسية؟ وتوضيحا لما تقدّم فإن نظام المغانم كان معتمداً في الولايات المتحدة، وقد تخلّصوا منه في العام 1880، حيث كان كل حزبٍ يصل إلى السلطة يأتي بموظفيه ويخرج موظفو الحزب الآخر.
فهل المطلوب العودة إلى نظامٍ توظيفي من القرن التاسع عشر؟
ولا بد من الإشارة إلى أن، مجلس الخدمة المدنية قد أسّسه الرئيس فؤاد شهاب، وكان من عماد دولة المؤسّسات، والتي هي أجهزة الرقابة التي تم تأسيسها في المرحلة الشهابية الإصلاحية التي حدّدت الإدارة وأنشأت مؤسّسات الرقابة، ومنها التفتيش المركزي، وديوان المحاسبة، ومجلس الخدمة المدنية. فهل المقصود هو الانقضاض على مجلس الخدمة المدنية، والإطاحة بهذه الإنجازات التي لا زلنا نستفيد منها من العهد الشهابي؟ على أمل أن يأتي تفسير مجلس النواب للمادة 95 بروحية اتفاق الطائف. أما إذا لم يحدث هذا فإن الدولة تكون في هذه الحالة تقوم بدعوة الشباب اللبناني إلى الاصطفاف في طوائفهم للحصول على الوظيفة العامة، فيما نقوم بتقويض دور الدولة، وضرب دور المؤسسات، بدل أن نعيد ثقة المواطن اللبناني والشباب الكفوء بدولته.