هل الوقت مناسب لزيارة وزير خارجية أميركي لطهران بعد تدمير الولايات المتحدة جميع جسور التواصل معها؟
أعرب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عن رغبته لزيارة طهران والتحدث مباشرة مع الشعب الإيراني مستدلا بأن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، يزور الولايات المتحدة مرارا و"يتمتع فيها بحق الحديث بحرية". ويبدو أن هذا الفارق بين بومبيو ونظيره الإيراني دفع به إلى فرض قيود غير مسبوقة على حرية حركة ظريف أثناء زيارته إلى نيويورك في الشهر الجاري لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كان الأمر هينا بالنسبة لوزير الخارجية الإيراني حيث أنه عادة ليس لديه وقت للتسوق ولا التجول في شوارع نيويورك، فضلا عن أنه درس بواشنطن وعمل مندوبا لإيران لدى الأمم المتحدة بنيويورك وحتى لو لم تكن تلك القيود، لكان يستغني ظريف عن التردد خارج تلك المسافة المحددة ما بين مقر إقامة سفير إيران في الأمم المتحدة والبعثة الإيرانية ومطار كنيدي، ولكن شملت تلك القيود أكثر من عشرة دبلوماسيين إيرانيين يعملون في البعثة الدائمة الإيرانية لدى الأمم المتحدة وحرّمت أولادهم من استمرار الدراسة وبتعتبير أدق جعلتهم محتجزين في منازلهم وهذا ما أثار امتعاض ظريف حيث أن تلك القيود تعارض القوانين والأعراف الدبلوماسية.
وعبر ظريف عن تلك القيود المفروضة على عائلات الدبلوماسيين الإيرانيين بأنها غير بشرية.
نعود إلى حديث وزير الخارجية الأميركي عند ما قارن بين حرية زيارة نظيره الإيراني إلى الولايات المتحدة في حين أن إيران تمنعه أو تحرمه من زيارته لها. تلك المقارنة صحيحة جسديا ولكنها تبطن تناقضا واضحا وسافرا حيث أن بومبيو يتجاهل أن نيويورك ليست العاصمة الأميركية وأنها مقرا لمنطمة الأمم المتحدة التي كانت إيران منذ تأسيسها عضوا دائما فيها وتتمتع بكل ما يتمتع به سائر الأعضاء من الحقوق.
إقرأ أيضًا: " من المعتصم العباسي إلى الباجي السبسي "
وبطبيعة الحال لا يحق للولايات المتحدة أن تعدل أو تغير تلك الحقوق بشكل استنسابي، حيث أنها قبلت باستضافة جميع دول الأعضاء لدى الأمم المتحدة على أراضيها، ولو كان الأمر متروكا للسلطات الأميركية لما كانوا يسمحون بدخول أي دبلوماسي إيراني إلى نيويورك منذ 40 عاما.
ألا يعرف وزير الخارجية الأميركي أين يكمن الفارق بين نيويورك وواشنطن وأن العاصمة الأميركية هي واشنطن وليست نيويورك وأن طهران ليست نظيرة لنيويورك وإنما هي نظيرة لواشنطن لم يزرها أي وزير خارجية لإيران منذ اربعين عاما.
ثم ألا يعرف أنه لو يتّبع قاعدة تبادل الزيارات، لكان من المفترض عليه أن يردّ على زيارة كل وزراء خارجية دول العالم يزورون نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، وحينها ستكون الولايات المتحدة بحاجة إلى مائتي وزير لخارجيتها للقيام بتبادل تلك الزيارات.
وفيما يتعلق برغبة بومبيو لللقاء مع الإعلام والصحافة الإيرانية يبدو أنه هو الذي يرفض طلبات الصحافيين الإيرانيين ولهذا دعا ظريف الأربعاء الماضي نظيره الأميركي بقبول طلب الصحافيين الإيرانيين بدل عروضه الفارغة ويرجح ظريف أن بومبيو يهرب من لقاء الصحافيين الإيرانيين لأنه سيجد نفسه مضطرا لتقديم إجابات مقنعة لأسئلتهم الدقيقة كما هو الأمر في لقاءات وزير خارجية إيران مع الصحافيين الإميركيين.
وأخيرا يبدو أن بومبيو يتابع حلمه بزيارة طهران منذ كان نائبا في الكونغرس الأميركي وقد قدم طلبه تأشيرة دخول إيران في 2015 بعيد إبرام الاتفاق النووي مع نواب أميركيون آخرون من مكتب رعاية المصالح الإيرانية بواشنطن ولكن إيران رفضت طلباتهم.
وللانصاف ينبغي القول بأن هناك فارقا أساسيا بين بومبيو وبولتون وهو أن بومبيو يريد زيارة إيران كدبلوماسي وبولتون يريد دخولها كغازي فاتح. قد هزم بولتون في تحقيق حلمه للقضاء على الجمهورية الإسلامية قبل احتفالها بعيدها الأربعين وها هو بومبيو يشعر بالخيبة من إرغام إيران على الجلوس معه على طاولة المفاوضات عبر فرض العقوبات، ويلتجأ إلى التعتيم على هزيمته عبر الإعراب عن رغبته لزيارة طهران والتحدث مباشرة مع الشعب الإيراني الذي يعاني من أقسى العقوبات الممكنة التي فرضتها عليه الولايات المتحدة.
هل الوقت مناسب لزيارة وزير خارجية أميركي لطهران بعد تدمير الولايات المتحدة جميع جسور التواصل معها؟