تراجعت مساء أمس أجواء التفاؤل التي راجت بعد الاجتماع الموسع، الذي عقد في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون، ومشاركة الأمير طلال أرسلان واللواء عباس إبراهيم في إطار التفاهم على حلّ يسمح بانعقاد مجلس الوزراء.
لكن رياح المساء جرت بما لم تشتهِ سفن النهار.. فأبلغ النائب السابق وليد جنبلاط الرئيس سعد الحريري عبر وزير الحزب التقدمي الاشتراكي وزير الصناعة وائل أبو فاعور انه لا يوافق على المشاركة في جلسة، يطرح على جدول أعمالها حادث قبرشمون ويؤخذ إلى التصويت، لأن في ذلك، ما يشبه الإدانة الجرمية المسبقة، وهذا ما يرفضه بقوة الفريق الجنبلاطي.. وعبّر أبو فاعور عن رفضه بعبارة ضمنية بعد لقاء استمر 45 دقيقة: إن شاء خير..
وبناء عليه، صرف اللواء إبراهيم النظر عن زيارة كليمنصو ولقاء جنبلاط.
وعليه، طارت أجندة الأسبوع الحالي، والاسبوع التالي، في ما يتعلق بعقد جلستين لمجلس الوزراء، يتم بإحداها طرح قضية قبرشمون والتصويت عند الضرورة على احالتها إلى المجلس العدلي، على ان تقبل الأطراف نتيجة التصويت مهما كانت..
وفي ضوء ذلك، قرّر الرئيس الحريري المغادرة اليوم أو غداً إلى الخارج، لتمضية إجازة خاصة مع عائلته... لمدة لا تتجاوز الثلاثة أو الأربعة أيام..
حراك مُكثّف وافكار غير ناضجة
وكانت الاتصالات واللقاءات قد تكثفت في الساعات الماضية لإيجاد مخرج للأزمة السياسية المستمرة منذ أكثر من شهر، والناتجة عن حادثة قبرشمون في الجبل، حيث لفت الانتباه ما أعلنه الرئيس الحريري من السراي الحكومي، خلال إطلاقه حملة دعم الصناعة اللبنانية، من انه بطبيعته متفائل وهو غير متشائم، محملاً من يريد افتعال المشاكل في البلد المسؤولية، ما يؤشر إلى ان الحريري لن يتوقف عن بذل الجهود للوصول إلى تفاهم لإنهاء الأزمة الحالية، بدليل حركة اللقاءات التي أجراها أمس ومعظمها كان غير معلن، ولا سيما مع كل من الوزيرين جبران باسيل ووائل أبو فاعور، أو مع موفد «القوات اللبنانية» الوزير السابق ملحم رياشي، أو مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي زاره مرتين، وكل ذلك غداة الاجتماع المطوّل الذي جمعه ليل أمس الاول مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والذي وصفه أكثر من مصدر مطلع بأنه كان ايجابياً وصريحاً، وان زعيم المختارة أبدى ليونة تجاه المبادرات المطروحة، لكنه ما زال يخشى من الإشارات الواردة والتي تدل على ان هناك نوايا تخالف الأصول القضائية ومحاولة إقامة احكام عرفية تجاه بعض الأحزاب والشخصيات، بحسب ما جاء في تغريدة له عبر «تويتر» أمس، حيث استدل على هذا الإشارات من اتجاه لإصدار قانون عفو عن العملاء المقيمين في إسرائيل على حساب تضيحات الوطنيين..
وأكدت مصادر سياسية متابعة لملف الاتصالات لـ«اللواء» ان هناك أفكاراً متعددة يتم البحث فيها، لكنها رفضت الإفصاح عنها، وأشارت إلى ان الجميع بات يعمل على تقديم الاقتراحات من أجل الوصول إلى تقريب وجهات النظر، معتبرة بأن هذا الأمر إيجابي، الا انها رأت ان كل الاقتراحات والأفكار ما زالت في طور الطهي ولم تصل بعد إلى مرحلة النضوج النهائي، داعية إلى الانتظار قليلاً وعدم تعظيم الأمور، خصوصاً وان الأمور ذاهبة في الاتجاه الإيجابي وليس السلبي.
وفي تقدير هذه المصادر، ان معظم الأفكار المطروحة تعمل على تحييد انعقاد مجلس الوزراء عن أزمة حادثة قبرشمون، وان نقطة الارتكاز في هذا المسعى هي ان الحريري لن يدعو إلى عقد أي جلسة لمجلس الوزراء، إذا لم تكن لديه معطيات اكيدة ان الجلسة لن تكون تفجيرية، ويتوقع ان تنقشع صورة الاتصالات المكثفة التي جرت في الساعات الماضية اليوم على هامش احتفال عيد الجيش حيث سيلتقي الرؤساء الثلاثة، وتتوضح كل الأمور، سواء على صعيد معالجات أزمة الحكومة وقبرشمون، أو على صعيد الأزمة الناتجة عن رسالة رئيس الجمهورية لتفسير المادة 95 من الدستور، خصوصاً وان اللواء إبراهيم المكلف بايجاد الحل، كانت له زيارات مكوكية أمس لكافة الأطراف المعنية ولا سيما جنبلاط والنائب أرسلان.
لقاء خماسي في بعبدا
على ان اللافت في حركة الاتصالات، كان استقبال الرئيس عون للنائب أرسلان في بعبدا ووزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب في حضور وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي واللواء إبراهيم، قبل ان ينضم إلى الاجتماع لاحقاً وزير الدفاع الياس بوصعب.
وفيما لم يشأ أرسلان الإدلاء بأي تصريح، اكتفى الوزير جريصاتي بالقول لـ«اللواء» عن حصيلة الاجتماع الخماسي في بعبدا: البشائر والاجواء ايجابية على امل ان تتحقق هذه البشائر، لكن موجب التحفظ في التفاصيل ضروري الان لحين انتهاء المساعي.
وعُلم ان البحث تركز خلال كل اللقاءات أمس بين بعبدا والسرايا على اولوية عودة جلسات مجلس الوزراء وان هناك قرارا كبيرا باستئناف الجلسات إن لم يكن نهاية هذا الاسبوع فمطلع الاسبوع المقبل، وان القرار من الرئيس الحريري سيُتخذ خلال الساعات القليلة المقبلة في ضوء المساعي المستجدة، والتي تستوجب الوقوف على موقفي الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط، خاصة اذا كان مبدأ التصويت على إحالة جريمة قبر شمون- البساتين لا زال مطروحا من ضمن المخارج المقترحة، وهو الامر الذي ما زال جنبلاط يتوجس منه مخافة حصول مفاجاة ما، كأن يغيب احد الوزراء او يصوت طرف محايد مع الاحالة. فيما لا زال الرئيس الحريري يحاذر طرح الموضوع في الجلسة قبل حصول توافق تام على المخرج.
وافادت المعلومات ان الرئيس عون اقترح خلال الاجتماع الخماسي على النائب ارسلان ترك التحقيق العسكري يأخذ مداه وفي ضوء نتائجه يتقرر مسار إحالة الجريمة على القضاء المختص، وان ارسلان قد يتجاوب مع الطرح لكن لم يتاكد شيء من هذا في ضوء التكتم الشديد الذي يحيط بتفاصيل المساعي.
وقد تعززت احتمالات هذا الطرح بشرط تسليم جميع المطلوبين مع ادعاء مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم، على 21 شخصاً في حادثة قبرشمون- البساتين بينهم أربعة موقوفين، بجرم إطلاق النار من أسلحة حربية غير مرخصة وقتل ومحاولة قتل مدنيين، وأحال الملف والموقوفين إلى قاضي التحقيق العسكري الأول بالإنابة فادي صوان، طالباً استجواب المدعى عليهم، وإصدار المذكرات القضائية اللازمة في حقهم.
كذلك، كان لافتاً للانتباه الموقف الذي أعلنه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم والذي عدّل نسبياً موقف الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله، لجهة القبول بحل توافقي بين الطرفين المتخاصمين في الجبل، والاحتكام إلى القانون، وان أي حل يأتي بناء على الحوار والتوافق هو أفضل للجميع، وانه لا يجوز ان نبقى عند القعدة، بل يجب ان نحتكم إلى أمر يساعدنا على الانتقال إلى الحل، والقانون في مثل هذه الحالات هو الحل الطبيعي، بحسب ما أكّد الشيخ قاسم الذي رأى ان مجلس الوزراء هو المعني بإتخاذ القرار في ما يتعلق بالمجلس العدلي، لكن لا بدّ من محل يكون فيه حسم لخيار معين بدل ان تبقى الأمور معلقة ويدفع النّاس ثمن تعطيل مجلس الوزراء لحادثة يُمكن ان تجد حلاً لها وفق القوانين المعروفة.
وعلم من مصادر مطلعة ان المباحثات في هذا الملف تجري على قدم وساق والجولات المكوكية للواء ابراهيم مستمرة حتى ساعة متقدمة من الليل، وان الوزير جريصاتي يواكب الملف في السياسة والرؤساء الثلاثه في الجو والتواصل قائم مع كل المعنيين في سبيل تسهيل انعقاد جلسة لمجلس الوزراء وما يمكن قوله ان هناك تقدما كما ان هناك تلمسا لطرق معينة يتم البحث فيها للشروط والشروط المضادة لا اكثر ولا اقل.
الموازنة نشرت والرسالة إلى تشرين
وبعد أسبوع على تسلمه قانون الموازنة الذي أقره مجلس النواب في 19 تموز الماضي، وقع الرئيس عون قبل ظهر أمس، القانون الرقم 143 المتعلق بنشر الموازنة عن سنة 2019 وإنجاز قطوعات الحسابات وتأمين الموارد اللازمة لديوان المحاسبة، كما وقع القانون رقم 144 المتضمن الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2019. وبموجب هذين التوقيعين، تمّ نشر الموازنة في محلق خاص في عدد الجريدة الرسمية حمل رقم 36، وبلغ مجموع الموازنة العامة مع مجموع الموازنات الملحقة 25.504،504،756،000 مليار ليرة، من دون ان تعرف بعد أو تعلن نسبة العجز المحقق التي يتوقع ان لا تكون أكثر من 7،56 في المائة.
وبالتزامن مع التوقيع والنشر، بكر الرئيس عون في توجيه الرسالة التي تحدثت عنها بعبدا إلى مجلس النواب بطلب تفسير المادة 95 من الدستور الخاص بطائفية الوظيفة العامة، على الرغم من علمه ان الرئيس برّي الذي تسلم الرسالة مساء أمس، لا يعتزم الدعوة إلى عقد جلسة نيابية لمناقشة مضمون الرسالة في خلال ثلاثة أيام، وفق الآلية المحدد ضمن المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس، على اعتبار ان المجلس في حال انعقاد استثنائي، وان مرسوم فتح الدورة لم يتطرق إلى مثل هكذا موضوع، وان التعديل الدستوري الذي يطمح إليه فريق «تكتل لبنان القوي»، أو التفسير الذي يريده رئيس الجمهورية يحتاج إلى دورة عادية لن تبدأ قبل الخامس عشر من تشرين الأوّل المقبل، طبقاً للمادة 77 من الدستور.
لكن مصادر مطلعة مقربة من بعبدا، كشفت لـ «اللواء» ان الرئيس عون كان في جو ان الرئيس برّي ينوي طرح الرسالة الرئاسية للنقاش في العقد العادي للمجلس، وانه أبلغ ذلك إلى الوزير جريصاتي الذي زاره قبل يومين.
وعلمت «اللواء» ان ما من مطلب رئاسي حول عقد الجلسة لمناقشة الرسالة اليوم قبل الغد وان الوزير جريصاتي الذي تواصل مع الرئيس بري تبلغ منه امس ايضا عن مناقشة الرسالة في اول جلسة في اول العقد العادي منعا للألتباس في جدوى انعقاد المجلس في العقد الأستثنائي لاسيما ان هذا العقد هو عقد تشريعي بإمتياز. وافادت ان تبريد الأجواء الحامية يساهم في توفير مناخ لمناقشة الرسالة.
وخلصت الرسالة التي استندت اساساً في طلب تفسير المادة 95 من الدستور، معطوفة على الفقرة «ي» من مقدمته، على ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 80 في قانون الموازنة لجهة حفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية، وأعلنت نتائجها حسب الأصول بتعيينهم في الإدارات المعنية، معتبرة ان نتائج هذه المباريات تناهض مقتضيات الوفاق الوطني التي يجب مراعاتها حتماً في معرض إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة.
ورأت أن المادة 95 من الدستور تلحظ «خطة مرحلية» تؤدي إلى إلغاء الطائفية - حيث لا يقتصر الإلغاء على الطائفية السياسية- في ضوء صراحة النص، كما تلحظ «مرحلة انتقالية»، تلغى خلالها قاعدة التمثيل الطائفي، بحيث يعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة «وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني» باستثناء وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها حيث تكون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ما يقتضي معه تحديد هذه المرحلة الانتقالية من حيث حلولها من عدمه، في ضوء انتفاء أي إجراء لوضع «الخطة المرحلية» أو لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، ما يعني بالمبدأ ان هذه المرحلة الانتقالية لم تبدأ بعد.
مخاوف من انقسامات جديدة
وتخوفت مصادر نيابية، ان يؤدي طرح الرسالة على الهيئة العامة في تشرين إلى تعميق الخلاف السياسي بين الفرقاء السياسيين، اما بإصرار المجلس على القول ان المادة المذكورة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، وتستوجب قبل كل شيء تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، أو الدخول في سجال حول الطائف والصلاحيات الرئاسية، وبالتالي قد يفتح النقاش الخلافي امام التصويت على أمرين:
- اما برد الرسالة وهذا يعتبر بمثابة مواجهة مع رئيس الجمهورية وهو ما لا يرغب به رئيس المجلس– أو اللجوء إلى التصويت على تفسير من اثنين، بين معارضي الطائف والمدافعين عنه، وهذا بدوره دونه محاذير، مع الإشارة إلى ان اي مطالبة بتعديل الدستور تستلزم تأمين اكثرية الثلثين، وهو حكما ليس مؤمنا اليوم أو غداً، بالإضافة إلى خيارات اخرى تتعلق بعدم تأمين النصاب أو مقاطعة بعض الكتل الجلسة.
ولفتت المصادر إلى ان المواقف التي اعلنها برّي امام نواب الأربعاء كانت بمعظمها رسائل في اتجاهات مختلفة، حرص فيها التأكيد على أن «المجلس النيابي سيبقى الحصن المنيع ضد أي انقسام، فكل شيء في هذا البلد يمكن أن نتحمله إلا المساس بوحدته وبوحدة أبنائه».
واعتبر وفق ما نقل عنه النواب، أن «مقاومة الطائفية والمذهبية لا تكون باستخدام الطائفية والمذهبية بل باستخدام التسامح والحوار والفهم المشترك والمتبادل».
وفي اطار المعالجات للازمة الحكومية، استغرب الرئيس بري مرة جديدة «عدم انعقاد مجلس الوزراء على رغم من الإيجابيات التي تعاطى بها المجتمع الدولي والمالي والذي ينظر بإيجابية إلى لبنان، خصوصاً بعد إقرار الموازنة وتوقيعها من رئيس الجمهورية». ولفت إلى «أن 40 في المئة من التأزم الاقتصادي الحاصل في البلد مرده إلى الخلافات السياسية».
وتطرق في هذا الاطار، إلى المبادرات التي طرحت لحلحلة الوضع الحكومي، ونقل النواب إشارته إلى أن «هناك مبادرات كثيرة وللرئيس بري مبادرته، إلا أن كل المبادرات محكومة بتوافق الأطراف المعنية، وإذا لم يحصل هذا التوافق بين الأطراف فمن الطبيعي أن تسقط كل المبادرات».
بيان سلام
وفي السياق ذاته، كان للرئيس سلام موقف لافت أصدره في بيان حذر فيه من «الفوضى الدستورية والخطاب الشعبوي الذي لا يتورع عن استثارة الغرائز الطائفية لتحقيق مكاسب حزبية صغيرة».
ولاحظ سلام ان تجاوز القواعد الدستورية وصل إلى مجلس النواب، حيث جرت محاولة فاشلة لنسف موازنة الدولة التي أقرتها السلطة التشريعية، تلاها اجتهاد جديد حول ضرورة المناصفة في جميع الوظائف العامة باعتبار ان الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية التي تنص عليها المادة 95 من الدستور لم تشكل بعد، علما بأن الجهة المجتهدة اليوم هي من أشد المعارضين لإنشاء هذه الهيئة.
واكد سلام «إن الدستور ليس لائحة نختار منها ما يرضينا، ونرفض ما لا يتلاءم مع مصالحنا. إنه نص سام ملزم للجميع، يرسم قواعد النظام السياسي للبلاد وصلاحيات المؤتمنين على مؤسسات الحكم والعلاقة بين هذه المؤسسات، وأي افتئات على هذه الصلاحيات يعرض التوازن الدقيق في لبنان للمخاطر. كما أن أي رغبة في تعديل الدستور لا تتم إلا وفق ما رسمه الدستور نفسه، ولا تجري بالتهريب او بقوة الأمر الواقع.