من غير المشكوك فيه أن العالم كان أهدأ وأجمل وأرقى وأكثر تحضرا مما أصبح عليه بعد أن وطئت قدم آية الله الخميني أرض مطار طهران ليقيم دكتاتوريته الأخطر من جميع ما عرفنا قبله من دكتاتوريات.
صحيح أن إيران، منذ بدء عصر الخميني، لم تدخر وسعا في جعل أعدائها أكثر من الهمّ على القلب، ليس من فصيل الحكومات، كبيرها قبل صغيرها، ولا من أجهزة المخابرات، ولا المصارف والشركات ومؤسسات الحرة وحقوق الإنسان وحسب، بل من المواطنين العرب والأجانب العاديين الذين زرع فيهم النظام المعمم الإيراني، بسلسلة متصلة من تعدياته وغزواته وإرهابه، حب الانتقام منه ومن عملائه ووكلائه، وجعلهم يتشفون بما جدّ عليه اليوم من اختناقات ومآزق تبشر بقرب سقوطه الرحيم.
وصحيح أيضا أن جموعا كثيرة من العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين والمصريين والليبيين، تصلي، سرا أو علانية، من أجل أن يمنّ الله عليهم برئيس دولة عظمى صادق وجريء وشجاع يكسر لهم عظام المرشد الأعلى الإيراني علي خانمئي، ويبعثر أتباعه ومريديه، ليتنفسوا الصعداء، وليفرحوا بعودة الصحو إلى سمائهم بعد غياب طويل منذ أن جعلهم هذا المعمم الشرير يودّعونه منذ أربعين سنة، بالتمام والكمال.
لكن المشكلة اليوم أن الخليج العربي ازدحم بطوابير البوارج الحربية، وبآلاف الطائرات، بطيار أو من دون طيار، وبعشرات القواعد العسكرية، وبأعداد غير معروفة من الأقمار الصناعية التي تراقب وتصور وترسل تقاريرها على مدار الساعة، ولكن من أجل حماية التجارة الدولية في الخليج من تعديات الحرس الثوري الإيراني وقرصنته، كما هو معلن، وليس من أجل صفعه وعقابه وإعادة الأمن والاستقرار لا إلى مضيق هرمز وحده بل إلى المنطقة برمتها، وجعل حالها كما كان عليه قبل ولادة نظام هذا الإمام الأحمق المجنون.
فالرئيس الأميركي يعيد ويكرر أنه يتعهد بحماية الملاحة في الخليج، ثم يأمر بزيادة القوات العسكرية المرافقة لسفن أميركا وحلفائها في إبحارها في الخليج. وبريطانيا التي اختطف الحرس الثوري الإيراني ناقلتها النفطية تهدد بتسيير بوارجها الحربية لحماية بواخرها التجارية من الاختطاف.
ودول عديدة أخرى أرسلت، أو وعدت بإرسال جيوشها لضمان حرية المرور في مضيق هرمز ولمنع الحرس الثوري من تهديدها. في المقابل يعوم الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية عكس هذا التيار، ويستنكران التواجد العسكري في المنطقة. ثم لا تتوقف وفود السمسرة المستهجَنة من الوسطاء المنافقين الذين يصافحون القاتل ويبتسمون للمقتول.
ترى ما الذي يجري؟ فبالرغم من كل ذلك، وفوق كل ذلك، يزداد النظام الإيراني ضراوة وعنجهية. ويهدد. ويتوعد. ويتحدى. ويعد بالمزيد. يواصل تجارب صواريخه الباليستية. ويعيد تشغيل مفاعل آراك. ومليشياتُه تعمل على أكمل وجه في العراق. وخبراؤه وطائراته وصواريخه لا تنقطع عن الحوثيين. وحزب الله اللبناني يتباهى بعمالته لإيران، ولا يوقف تخريبه لحياة اللبنانيين، وحرسُه الثوري في سوريا ما زال متمردا متنمرا متشددا يصول ويجول دون أيّ إشارة إلى أنه يخاف أو يستحي.
إنها لمصيبة عظمى إن أحجمت أميركا وحلفاؤها عن ردع هذا النظام الأحمق المستهتر، ولم تعده، كما وعدتنا، إلى حدود وطنه الصغير، وهو صاغر وذميم. فهو، في هذه الحالة، سيصبح أقوى وأكثر قسوة، وسنرى أصغر واحد في حرسه الثوري أو في مليشياته “خمينيا” أو “خامنئيا” آخر أشد وأكثر تجبرا وعداوة من ذي قبل، وسوف ينتعش إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة المحتضنة والممولة والمدربة والمسلحة من قبل النظام الإيراني، وسوف يتدفق “مجاهدوها” على دول المنطقة التي لم تسقط عواصمها تحت أقدامهم، بعدُ، وسيصبح العالم أقل أمنا وأكثر خوفا ومذلة، وستصبح طهران عاصمة الدنيا الجديدة التي تأمر وتطاع.
والمصيبة أننا، بكبارنا أو صغارنا، رجالنا ونسائنا، نعلم بأن دولة واحدة فقط من هذه الدول العظمى المستنفَرة لمنع الحرس الثوري من تفجير سفينة تجارية أخرى أو من اختطاف ناقلة بترول جديدة، تستطيع في ساعات، ولوحدها، بما لديها من قوة وجبروت، أن تفعل بخامنئي ما فعلته بصدام حسين ومعمر القذافي، في ستة أيام، لتسترخي في اليوم السابع، دون وجع رأس.
وإن كانت هذه الدول الغاضبة الخائفة على أمن الخليج وعلى حرية المرور في مضيق هرمز لا يهمها ما فعله، وما يفعله بشعوب العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين ومصر، فلتعد إلى سجلات مخابراتها العديدة الموثقة لجرائم هذا النظام الإرهابي ضد جنودها وضباطها ومؤسساتها وسفاراتها، وبالأرقام والتواريخ والمواقع، ولتتوقع منه المزيد من اختطاف مواطنيها وتفجير سفاراتها، والكثير الجديد من عمليات أنصاره الانتحارية ضد مقراتها العسكرية والتجارية وناقلات نفطها، والمزيد المزيد من صواريخه الباليستية، والمزيد المزيد من تجاربه النووية المحظورة، والمزيد المزيد من الاحتقار لقرارات الأمم المتحدة ومؤسساتها كلها وعلى مسمع العالم وبصره، مع الأسف الشديد.
فهل سيكتفون بتسيير البوارج الحربية في مياه الخليج العربي، ويتركون عدوهم وعدونا حرا طليقا يفعل بنا وبهم ما يريد؟