لقد وقع خياري على علم الجرائم بحكم حاجتي لتطوير ثقافتي وطرح زاوية جديدة في معالجة أزمة الفساد الى جانب دراستي في العلوم السياسية والادرارية. وقد وجدتُ هذا الاختصاص فريد واقرب الى الواقع حيث يدرُسُ الطالب ثلاث سنوات اختصاص عام ويضاف إليه مواد حقوق (مدني و جزائي). وتأتي قوانين العقوبات والمحاكمات الجزائية في اطروحتي حول قانون العقوبات فمثلاً : إن تصنيف الجرائم وعقوباتها يتم تحديده من خلال حجم ونوعية الجريمة. كما يتم استبدال الجريمة بعمل إجتماعي كبديل عن السجن. خذي على سبيل المثال، حزب الكتائب الذي تقدّم باقتراح قانون استبدال عقوبة السجن للذين تقل عقوبتهم من (6أشهر الى 3 سنوات)، حيث يقوم المتهم بتجارة المخدرات (مثلا) بمزاولة عمل اجتماعي كمتطوع في حرفة ما،أو يؤدي خدمات داخل السجن كتحضير القهوة أو القيام بأنشطة حِرفية.
هل لك ان تعرفي لنا معنى او مفهوم علم الجريمة ؟
هو علم بالدرجة الاولى يدرسُ الاسباب التي ادّت الى وقوع الجريمة من الناحية الاجتماعية: ( العرقية الثقافية السياسية الاقتصادية وعامل المناخ\ جرائم المالية على غرار جنوب فرنسا واسيوبيا حيث نلحظ، عدد من الجرائم بسبب ضغط البحر والضغط الجوي اي الاوكسجين عندهم بالمقاربة مع باقي الجنسيات كالفلبين والبنغلاديشين بسبب نزعة الحرارة. كما ان عدد من الجرائم في لبنان تحصل نتيحة العقائد والموروث الثقافي (جرائم الشرف) وهناك ايضا عوامل اخرى مثل العامل السيكولوجي كحالة الجهاديين والارهابيين نتيجة الفكر الايديولوجي وغيرها من العوامل كالبيئية او العمران (كالضجيج السمعي) ، ما يولّد عنه انفعالات عصبية . كما يؤكد اهم علماء علم الجريمة، أن لكل حالة وضعيتها الخاصة فلا يمكن تعميم نوع الجريمة كحالة مطلقة. هنا علينا تفسير وتعيين كل حالة وتشريحها ودراستها بطريقة مفصّلة ودقيقة والتعاطي معها بوضعية مختلفة .
برأيك ما هي خلفية اسباب وقوع الجريمة داخل المجتمع ؟
هناك اسباب عديدة لها خلفية مرتبطة بالاهل والبيئة والطفولة والاكل والصحة البيولوجية –النفسية. فعلى سبيل المثال، خذي الجهاد الإرهابي، ذلك الوجه السائد اليوم للتطرف العنيف، نتاج لعولمة الاعتقاد والفعل، وهي عولمة تيسرها فعالية الإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي في نشر وهيمنة إسلام واحد ومبسط، وفي الاستقطاب والتعبئة والتجنيد. لكن رغم طابعه المعولم، يرتبط الجهاد بعوامل خاصة مثل المنطقة (الغرب، العالم العربي، جنوب الصحراء...) والجندر (النوع الاجتماعي). وفعلا، تقع بعض النساء في التطرف العنيف، حيث يشكلن حوالي 10٪ إلى 15٪ من مجموع الجهاديين. إنهن نساء يقطعن كل الروابط مع مجموعاتهن الأصلية، مع الأسرة، مع المجتمع ومع الدولة، بل ومع النظم القيمية الأصلية؛ وذلك من أجل الدفاع عن كيان إسلامي يطبق الشريعة تطبيقا تنفيذيا حرفيا لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتشددة. والمثير للانتباه هو أن النساء من بين ضحايا الجهادية، وهن بالخصوص ضحايا إرهابه الجنسي وكل أشكال العنف القائم على الجندر. فالجهادية أقصى (وأقسى) تعبير عن تقديس إسلامي للأبيسية (patriarcat).
وهناك ثمة الأسئلة التالية: ما هي العوامل التي تدفع بعض النساء إلى الوقوع في التطرف العنيف والالتحاق بصفوف الجهاد الإرهابي؟ كيف تتأثر تلك العوامل بالأصل الجغرافي ـ الثقافي؟ ما هي الاختلافات بين الجهاديات المنحدرات من جنوب الصحراء، من المغرب العربي ومن الغرب؟ كيف تعبر تلك الاختلافات عن نفسها على مستوى عوامل الاستقطاب، وعلى مستوى الأدوار ثم على مستوى السياسات العمومية من أجل الوقاية من خطر الوقوع في التطرف العنيف؟ كيف القضاء على العمى الجندري الذي يكمن في عدم الوعي بضرورة إشراك النساء في الوقاية من التطرف؟ كيف يمكن التخلص من الاستلاب النِّسْوي الجهادي دون نَسَوية مدافعة عن المساواة في الحقوق بين النساء والرجال؛ أي دون مساواة جندرية مثلاً (،،). هذا أمر معقد جداً برأي، هناك عوامل مشتركة تدفع الرجال والنساء معا إلى التطرف العنيف من بينها الفقر، الأمية، البطالة، فشل الحكامة، الإقصاء والشعور بالحرمان، وهي كلها عوامل تنفر من المجتمع الأصلي، لأنها تشكل مميزاته الهيكلية. في مقابلها توجد عوامل مغرية تجلب الشخص للالتحاق بالتطرف العنيف، وهي أيضا مشتركة بين الجنسين؛ أي غير مُجَنْدَرة، على رأسها مكافحة الظلم الدولي الذي يتعرض إليه الإسلام والمسلمون، ، الشعور بهوية إسلامية فخورة، الفرصة للتكفير عن الذنوب، التحول من اللاوجود إلى البطولة، التجربة الرومانسية التي تنقد من الروتين والعبث، الحصول على راتب وعلى سكن، الحصول على شركاء جنسيين شرعيين، وجود قياديين كارزميين. وهذا يتطلب إنتاج فقه نَسَوي جديد بفضل اجتهاد جديد انطلاقا من قواعد اجتهاد جديدة من أجل تخطيء شامل للخطاب الجهادي القائل بالعنف وبدونية المرأة.
اضف الى ذلك بحسب رأي الدكتور الديالمي حيث يقول ان الحرمان الجنسي يشكل طاقة متشددة ناتج عن غياب مكان مناسب لممارسة العلاقة الجنسية يحول الشخص الى شخص غير منفتح ورافض للحداثة وهذا ما يفسر مسألة ربط العنف بالحرمان الجنسي. ويأتي المعمار الانطوائي (ونقصد به غياب الشرفة وغياب النوافذ المطلة على الخارج، الدرب اللامخرج/المأزق، مدخل الدار المكوع) معمار دفاعي يعبر عن إرادة سلالية، أي عن إرادة “الاحتفاظ بكل فتيات العائلة اي إلى فتيان العائلة”(المقصود هنا الحفاظ على النسب)،أي من أجل الحفاظ على وحدة الملكية العائلية، أي على وحدة أساسها الاقتصادي. في هذا السياق، اضطرت المدينة أن تقنن استهلاك المرأة للمجال (الحجاب)، وأن تضبط دورانها الزوجي. فتزوج المرأة من خارج السلالة الأبيسية يمكّنها من نقل ثروتها الموروثة بفضل الشرع الإسلامي إلى أبنائها، أي إلى عصب آخر. من هنا نفهم لماذا تم تفضيل الزواج الداخلي (بين أبناء العم) وكيف لعب المعمار الانطوائي دورا في الحفاظ على صفاء النسب وعلى وحدة الملكية العائلية وتوارثها في الخط الأبيسي(مثلاً). ..
برأيك ما الذي يدفع مثقف الى أن يكون اصولي كواقعة الحادي عشر من سيبتمبر . ففي تقرير خاص، صدر عن صحيفة ديرشبيغل الالمانية في عام (2001) وتقرير السي اي اي الذي افاد عن توّرط المملكة السعودية في أحداث سيبتمر وعرف انذاك بال100 سؤال دليل على أن الجهاديين أو الارهابيين ليسوا من أهل بني جهل بل هم علماء فيزياء واهل اختصاص ذات دراجات عالية من الذكاء والتحصيل العلمي العالي فمثلا الشبان الذين كانوا على متن الطائرة التي ضربت مبنى البنتاغون هم ذات جنسية سعودية علماء هندسة طياران . ما تعليقك؟
إن الذي يدفع مثقف نحو عمل إجرامي وإرهابي-أصولي هو المال والشهرة. ولاننسى أن داعش والقاعدة تم تسليط الضوء عليهما في كافة وسائل الاعلام ولا ننسى المقابلة الشهيرة مع اسامة بن لادن لقناة الجزيرة حصريا والتي أثارت ضجة كبيرة في العالم الاسلامي والغربي. أضف أحداث داعش في سوريا والعراق والاعمال الارهابية وما قاموا به من وضع أحزمة ناسفة ووضع اطفال وحولهم ملتف احزمة الموت ليفجّروا به المدنيين . و بحسب اعتقادي ان هذه الميول دافعها وخلفيتها هو جنون العظمة والبحث عن الهوية والانتماء. فلو عدنا الى منظمة داعش في أوروبا نرى أن اعضائها، هم أوروبيين ذات أصول مغاربة مسلمين يعانون التهميش والتشتت والاغتراب الهوياتي، فيجدون في بيئة داعش انتمائهم كتعبير عن الهوية والاضطراب في الهوية والعقيدة الاصيلة. ولا ننسى قضية الاندماج والحرمان في المجتمع الاوروبي العلماني الذي ربما لا يجد نفسه الارهابي فيه بسبب التهميش والنزعة الدونية والعنصرية . وهنا، الفت الى مصادر عديدة من الكتب التي اطلعت عليها وهي لمفكرين وباحثين أكادميين في علم الجريمة والسيولوجيا أمثال عبد الصمد الديالمي ،في كتابه سوسيولجيا الجنسانية والبغاء كحل للبطالة نحو ذكورية جديدة والمدينة الاسلامية والاصولية والارهاب اضافة الى كتاب ايطاليين سيزار لامروسو وانريكو فيري "الجريمة وادوافعها وعلاجاتها". وكتاب" الجريمة الاجتماعية " لفري حيث الكل يتحدث فيه عن نقطة مشتركة وهي المدارس التي استندت عليها لتحليل شخصية المجرمين سواء المدارس التقليدية او الحديثة في تحليل علم الجريمة مثلا المدرسة الايطالية كانت الركيزة لتطوير علم الجريمة والتي اعتمدت فيه على تجارب عميقة من حيث تحليل نوع الجريمة وحالتها العلمية وتجارب علم الجريمة من حيث سياسة علم العقاب والضحية وتحليل شخصيات المجرم المختلفة. وقد تعرضت المدرسة الايطالية في دراسة علم الجرائم لانتقادات عديدة بهدف تطوير علم الجريمة والتوصل الى نشأة المدارس الحديثة . وقد تحدثت المدرسة الايطالية وبخاصة، البروفسور لامروسو الذي اشار الى ان مفهوم الجريمة وارباطها بفطرة الانسان. ليذهب زميله الفروفسور فرّي الى طرح عوامل اخرى تقف خلف وقوع الجريمة منه العامل الاجتماعي، مؤكدا في ذلك، الى أن جينات الإنسان لديها قابلية على الإجرام. وتأتي المدرسة الحديثة لتضيف عوامل اخرى مثل عوامل البيئية والاقتصادية والنفسية العائلية والصحية. وقد تعرضت هذه المدرسة الايطالية لنقد كبير كانت بمثابة الارضية التي تأسس عليها علم الجريمة. وأريد ان الفت النظر هنا، الى مسألة بالغة الاهمية وهي أن البغاء يصنف في علم الجريمة الى وضعيتين أول جرم (التشغيل) والثانية ( الممارسة). وينظر لهذه الحالة على أنها ضحية نتيجة الاغتصاب والعنف الاسري والاضطراب النفسي او ما يعرف البارانويا اي، مرض( جنون العظمة). وهي عبارة عن ميزة مدلولها الاضطراب النفسي حيث يقتل المجرم نتيجة الغيرة التي تصل حد القتل. لكن، الجدير ذكره هنا او ما يعنينا ، هو ان البغاء يؤدي الى حالة اجرامية يعرف ب(بالقاتل المتسلسل )، بفعل القذارة التي تعرّض او تعّرضت له\ لها خلال الطفولة من تحرش جنسي،، عنف واغتصاب أوسفاح القربى. فتصبح بذلك، شخصية المجرم مهزوزة تبحث عن الضحية كتعويض نفسي و انتقاماً من الرجال بسبب إنكسار صورة الاب او الام عندهم. وأحب أن أشير الى مسألة مهمة وهي أن هذه الجريمة المتسلسة تتميز بانها تعتمد على نفس الطريقة في القتل وباحترافية وذكاء خارق لا يمكن ان يكشف أو أن يترك اثر له فيها( وتعرف الجريمة بالسيريال كيلير).
)،،serial killer (
هل بالامكان أن تطلعينا عن تجارب متقدمة ومتطورة في علم الجرائم في الغرب نستطيع الاستفادة منها في لبنان لتحسين ظروف السجناء؟
هذا سؤال مهم ، فمن المهم جدا أن نلفت الانتباه الى هذه القضية لان، حالة السجون في لبنان مزرية وتعيسة حيث يتم فيه سجن الشخص الذي عليه جنحة مع المجرم الذي عليه مذكرة جناية وهذا أمر بمثابة فاجعة. اضف الى ذلك، حجم التهميش والعشوائية والتقاعس في ادارة وتنظيم السجون والنظارة . إن الفوضى والفساد مستشري داخل السجون اللبنانية . ومن الملاحظ، أن السجين يتلقى عادات سيئة ومنحرفة وشاذة بدلا من التأنيب والعقاب قد يؤدي ذلك الى استفحال حالته داخل السجن في لبنان ويخرج أستاذ محترف في الفساد والانحراف بعكس نظام السجون في الغرب مثل دول الاستكاندينافية (مثلا) نظام الدنيمارك وهولندا والسويد وبولندا حيث يمارس فيها نظام على ثلاث انواع ( السجون المفتوحة)، (السجون المغلقة)، و(السجون النصف مفتوح)، وتكمن أهمية هذه السجون في أن السجين يتلقى ارقى المعاملة وخدامات جيدة محفّزة والمشجعة على التأهيل والصلاح وتطوير اخلاق السجين، ليصبح إنساناً منتجاً وصالحاً في المجتمع ولديه حرفة يتخطى به واقعه وجرمه ليصبح بعد ذلك، انساناً جديداَ وحياة جديدة صالحة لبناء مستقبل واعد ونظيف ومؤاًهل وخالي من الترسبات المرضية والعُقدية وإمكانية الصراع مع الماضي الآسر والاسود . ويقوم هذا النظام على ثلاث مستويات كما اسلفنا وهو ان النظام المفتوح يسمح للسجين ان يملك مفتاح زنزانته ليخرج منها ساعة يشاء ويعود اليها بدافع رؤية عائلته او القيام بنشاط عمل يقوم به خارج السجن أي عمل أو حرفة أو المضاجعة مع زوجته نظرا لاهمية الجنس كحاجة (نفسية-روحية) عند السجين وطبعاًَ ، يتم توفير لهما غرفة مناسبة ومايتطلب ذلك من اجواء حميمة . والنظام الثاني أي السجون المغلقة قائم على فكرة عدم السماح للسجين ان يخرج من الزنزانة. اما النظام الثالث : فيخرج السجين الى الحديقة ومن ثم يعود الى زنزانته .
إن أهمية هذا النظام يساعد على تأهيل المجرم وتحفيزه والعودة عن تاريخه والحياة التي كان يعيش فيها والتحرر من ترسبات الماضي من خلال بناء شخصية راقية واخلاقية تخدم الحياة العامة وتساعد في تطوير المجتمع الى الافضل فلا حاجة لان يكون هناك تسجيل لحالات الهروب من السجن والانقلابات على غرار ما يجري في السجون الفلسطينية في غزة او الاعتصامات وغيرها من الانفعالات العصبية والتوترات .
لماذا لا يتم تطبيق هكذا نوع من السجون المفتوحة في لبنان؟
هذا سؤال جداً معقد في لبنان بسبب العديد من الاشكاليات المترتبة على النظام اللبناني والاولى بأصلاحها جذرياً: منها الحاجة الى توفير سجون محترمة وبنى تحتية مناسبة ومأهلة ومريحة نفسيا اضافة الى الخدمات الجيدة وتحسين شروط القانون اللبناني وتطويره وتصحيحه والاضاءة على الفساد القانوني حيث يتم التلاعب والتحايل عليه وهذه كلها تعقيدات بحاجة الى استئناف البحث والمراجعة بها وتقويمها. اضافة الى ذلك، يعاني السجين الكثير من الاهمال داخل السجن. فتصبح هذه الارواح متمردة ومعتصمة وارهابية وغير منتجة. بعكس دول الغرب حيث يستفيد السجين من نظام المتطور لرفع الكلفة والانتاجية نتيجة الخدمات الراقية والجيدة ليعود بالفائدة الى إدارة السجن من حيث الدخل والميزانية فلا حاجة الى الاعتمادات كما يجري العمل عليه في لبنان . والاهم، أنه علينا التفريق والتميز بين أنواع الجرائم ووضعها في التصنيف المناسب، فلا يجوز وضع حالة السرقة التي تعد جنحة بسيطة ،، مع حالة القتل التي تعد جناية وانتبهي الى مسألة وهي أن حالة جريمة القتل ينظر ايضاَ في اسبابها ودوافعها وخلفيتها. فكل حالة ولها حكمها ووضعيتها وتصنيفها القانوني والعقابي كذلك الامر بالنسبة الى تاجر المخدرات.
وبالتالي، إن التحدي الكبير في تنفيذ هذه الاصلاحات والاجراءات هو في انه يتطلب الامر، مراجعات وملاحقات وانتظام والتنظيم عمل بهدف الدقة. وهذا عامل مفقود في لبنان خذي مثلاً حالة الام العذباء والولد أي،( اللقيط)، الذي يأتي نتيجة الاغتصاب والتحرش أو ظروف اخرى. ما يهمني انه ليس هناك قانون حقيقي وواقعي يراجع ويستئنف المراجعات والبحث عن هوية الاهل الكاملة والجيناتية حيث تحفظ الدولة بهوية اي، جنسية الطفل ومن هم أهله بينما في لبنان هناك فوضى وتميش كبير في الملاحقة والمراجع كما ان الخوف من الفضيحة والعار والمعيار لا يسمحون بكشف هوية الاهل كاملة بسبب الواقع الاجتماعي المحافظ والمتدين. لذا علينا البحث في هذه الحالات بشكل دقيق يتطلب ادراجه في تصنيف معين وحالة بحث موضوعية محددة وعلمية. وهذا امر لم نبدأ به بعد في لبنان.
كما أن نظام السجون في لبنان لا يقوم على تأهيل المجرم ومعالجته بل يتخرج فاسدا مفسدا نتيجة سوء المعاملة بسبب المكان الذي تم وضعه به. بمثلا السجين في أوروبا في الدول التي ذكرناها، كالسويد والدنمارك يتم تبديل العقوبة بعمل اجتماعي حسب حالة الجرم مثلا جريمة الشيك بلا رصيد في لبنان عقابه السجن بينما في اوروبا يقوم المجرم بعمل ما، لتسديد الدين وهذه حالة معروفة في فرنسا تحديدا حيث يتم انذاره عبر غرامة مالية فقط.
اضافة الى ذلك، القانون والنظام العقابي غير متكافئ وغير مواكب للتطور الحاصل في المجتمعات الغربية لنأخذ على سبيل المثال، جريمة القرصنة الالكترونية والسبيرانية وانتحال الشخصية عبر الانترنيت او سرقة الملكية الفكرية او جرائم الابتزاز عبر الانترنيت او سرقة حساب مالي او التجسس عبر اجهزة ذكية ،، كل هذه القضايا لا يزال يعمل عليها انطلاقا ً من قانون قديم وهو قانون المعلوماتية أو قانون البرق او قانون المطبوعات او احيانا يتم الخلط والتشرذم في الصلاحيات وهذه ازمة حقيقية بحاجة الى إصلاحها وحلها من خلال الاعتماد على مرجع واحد موحد للتحقيق.
بحسب تصورك كيف يمكن الحدّ من ثقافة العنف في المجتمع؟
أجل هذا سؤال مهم ايضاً. إن المجتمعات البدائية كانت تعتمد العنف وقد تغيرت الطريقة بتغيرّ ثقافة العنف من حيث الاسباب والادوات لكن، العنف بقي موجودا ً وملازما ً لفطرة الانسان بسبب ضغوطات الحياة والاعلام الرأسمالي المتوحش والالعاب الافتراضية التي يحاولون من خلالها تعبئة أجيال لتعاني العديد من الاضطرابات النفسية والعصبية والارهابية كحافز لتمهيد المجتمعات على ارضية متوترة وتدعيم الصراعات حيث يكون الانسان فيه فريسة سهلة الانقضاض. بالنسبة لي ، العنف موجود بكل انسان وله هذه القابلية بهدف الدفاع عن النفس بفعل انواع عديدة من الضغوطات الممارسة عليه سواء نفسية من خلا الكبت والحرمان بأشكاله و يعرف (بالاستبداد القهري) الجديد في عصر ال21. اضافة الى الغة التي هي بمثابة اسلوب ونمط محفزا ً لنشأة العنف من خلال اعتماد العنف اللفظي في تربية الاطفال. مما يخلق أزمة ثقة بالنفس يتم تعويضه والتعبير عنه من خلال تمظهرات وسلوكيات عدوانية عنيفة. كما أن ممارسة سياسات اقصائية واستعالائية عدوانية وهيمنة خاطئة بحدّ ذاته. هناك أسباب عديدة تؤدي الى العنف منها أسباب ثقافية والفكرية والدينية وعاطفية وعقائدية وأحياناً التربية المحافظة هي بمثابة ثقافة عنف تروض وتمهد لشخصية عنيفة ومتطرفة وارهابية ربما.
لو عدنا الى علم الجريمة كطرح اكاديمي . كيف تجيدين نسبة الاقبال على هذا التخصص؟
في لبنان لايزال هذا العلم غير مألوف او متعارف عليه في الكليات الاكاديمية نظرا لضآلة وندرة الابحاث فيه وندرة المواد والاساتذة الذين يدرسون هذه المادة. كما انه ليس لهذا العلم اي دعم حكومي ولا سوق عمل نظرا للاسباب التي أسلفناها عن فساد النظام العقابي في لبنان. والمشكلة الاكبر، انهم لا يفتحون المجال لتشجيع على هذه المهنة وتطويرها والانخراط في مجالات عديدة لتطوير هذا الاختصاص من خلال تحفيز الشباب على التخصص في مجالات جديدة ومميزة تخدم المجتمع من منظور مختلف. وهذا يتطلب دعم مادي من قبل الحكومات والدولة اللبنانية . وكما تعلمين دولتنا للاسف، هي عاجزة عن تقديم اي مساعدة او دعم في هذا المجال الفكري والعملي وما يترتب عليه من تداعيات ايجابية على المجتمع من حيث أمنه الاجتماعي والفردي .
برأيك كيف يمكن العمل على تعزيز ودعم وجود هكذا مهن وتطويرها في دول كلبنان والاستفادة من خبرات وتجارب الغرب من خلال التأسيس لجمعيات تعنى بمكافحة العنف والجرائم المنظمة ؟
أنا شخصيا اسعى وأرغب في أن يكون لي إسهامات في هذه المجالات وبخاصة السعي في تاسيس الجمعية وحملات لمواجهة العنف والجرائم لكن، هناك حاجة ايضا ليس فقط الى الدعم المالي بل ايضا اتوجه الى أجيالنا المتقاعسين عن القراءة والبحث والتنقيب عن المعرفة . فالعنف ليس محسبوبا على فكرة الاعتداء من قبل الطرف الاخر بل هناك ايضا عنف مصدره ثقافة الجهل والتجهيل حول مايدور حولنا من احداث ونحن غافلين عنها ومطيّفين بالقشور والتفاهات، بدلا من المحاولة في الاجتهاد والتخصص في مهن نادرة وجديدة المجتمع بحاجة لها لتطوير وسيلة ادواته في حل اشكالية العنف والارهاب داخل المجتمع وداخل الاسرة. فما بالك بما يؤديه هذا العلم وهذه الانشطة من مردود ايجابي في تنظيف وتأهيل الذهنيات المأدلجة ايديولوجيا ً ونفسيا واجتماعيا. هذا موضوع شيق جدا . كفى على الاهالي دفع اولادهم الى تخصّصات يزدحم فيها سوق العمل بل علينا النظر الى مهن نوعية وجديدة ونادرة عبر تحفيز اولادهم على الاستكشاف والمطالعة وتطوير قدراتهم ومهاراتهم وابداعاتهم في مجالات فريدة ونوعية يسهمون في بناء المجتمع وتكامله وتطويره والحد من مظاهر العنف والتعنيف على كافة اشكاله.
ما هي الرسالة التي تتوجهين بها الى الدولة اللبنانية؟
كوني باحثة ومتخصصة في علم الجريمة أتوجه برسالة الى وزارة العدل ووزارة الداخلية، أن يكون لنا نحن الطلاب في علم الجريمة امكانية الوصول اليهم وتبادل خبراتنا ومعلوماتنا وتجاربنا معهم بهدف التنسيق والتكامل حول مشروع أمني ضخم وعميق الجذور ومناقشتهم من خلال الانخراط في برامج دعم وتخطيط استراتيجي لمواجعة العنف والارهاب داخل المجتمع . لكن، وهذا تحدي كبير نظراً لعدم توفير قرار سياسي يجيز تقديم هذه المعرفة العلمية لمكافحة الجريمة. وأريد اغتنام هذه الفرصة لاتوجه الى الحكومة اللبنانية من أجل دعوتها الى تبني سياسة التعاون والانفتاح على الدول المتطورة في علم الجرائم بهدف التكامل وتوثيق علاقات مشتركة للاستفادة وكسب المعرفة الخبرة والثقافة والأرقام في في هذا المجال وتطويره سواء عن طريق الحكومات كالامارات وقطر في برنامج (2030)، المعنى بتطوير الشرطة المجتمعية على نطاق اقليمي –عربي أو على مستوى التبادل بين الجامعات او على مستوى قوى الامن وما تقدم به من تبادل خبرات ورجال اعمال وأهل اختصاص في قضايا الامن والسيبرانية والذكاء الاصطناعي من أجل ضمانة وسلامة أمن المجتمع بتاريخ 9 مايو 2019.