للأسف الشديد لم يتبق عندنا سوى ساسة بهلوانيون الذين يُتقنون اللّعب على الحبال وزرع الفِتن الطائفية والتحريض العنصري والديني والمذهبي
 
بعد إقرار الموازنة في مجلس النواب، ها هي مُعرقلة في رئاسة الجمهورية، وهكذا وقبل أن ينجلي غبار حادثة قبر شمون ومعارك المجلس العدلي والمحكمة العسكرية، يدخل اللبنانيون في دهاليز التعطيل، لاحكومة تجتمع ولا من يحكمون، دهاليز حُكام أدمنوا التعطيل بعد أن كانوا قد برعوا في عمليات نهب المال العام وتجاوز القوانين والدستور اللبناني، يدخل اللبنانيون في دهاليز و متاهات بلا دليل ولا بصيص امل، أو بقعة ضوء في نهاية نفقٍ مُظلم، يبحثون بلا طائل عن "مُخلّص" أو "فادي" أو "مهدي" ينتصب فجأة لتأديب وترويض هذه الطبقة السياسية الحاكمة والقوى المساندة لها، والتي صارت عصيّة على كلّ تقويم أو تهذيب.
 
 
الشيئُ بالشيئ يُذكر، ويُقال فيما تواتر  للاسماع، أنّ الرئيس الراحل صائب سلام كان قد عارض انتخاب قائد القوات اللبنانية الرئيس الراحل بشير الجميل رئيساً للجمهورية، وقاطع جلسة انتخابه، ليجتمع بعد ذلك به ويقول بأنّ الجميل سحرَهُ بشخصه، وأقنعه بخطابه "الوطني". ويلتقي بعدها سلام بقنصل الولايات المتحدة الأمريكية، فيعجب القنصل منه قائلاً: كيف أصبحت مُقتنعاً بشخص بشير الجميل والحرب الأهلية ما زالت مُستعرة؟ فأجاب سلام، التّواق للخروج من الحرب الأهلية: هذا (أي بشير الجميل) يعرف كيف يُربّي (أي يُؤدب ويُروّض) من عنده( في المنطقة الشرقية)، قبل أن يتفرّغ للذين عندنا ( في المنطقة الغربية).
 
ذهب صائب سلام وبشير الجميل إلى ذمّة الله،  ولم يبق بين ظهرانينا من "يُربّي" أو يؤدب أو يُروّض، وللأسف الشديد لم يتبق عندنا سوى ساسة "بهلوانيون" الذين يُتقنون اللّعب على الحبال وزرع الفِتن الطائفية والتحريض العنصري والديني والمذهبي، دون أن يُلهيهم لاهٍ عن عمليات النهب واستغلال النفوذ وتكديس الثروات.
قال الشاعر طرفة بن العبد:
 
ستُبدي لك الأيامُ ما كُنتَ جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّدِ.