يبدو استمرار المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران على أشدّه خصوصاً بعدما احتجزت إيران ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز الأمر الذي زاد التوترات بين طهران والغرب، والتي بدأت تتصاعد منذ أيار الماضي.
إزدادت المخاوف حول العالم خشية أن يؤدي أيُّ خطأ من الجانبين الى اندلاع حرب. وازداد الأمر سوءاً عندما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنها أرسلت حاملة طائرات اضافية الى الشرق الأوسط بسبب تهديدات غير محددة تمثلها ايران.
وللعلم، مضيق هرمز هو ممرٌّ مائي استراتيجي وقناة الشحن لخِمس (20%) صادرات البترول الخام العالمية. وحسب الحرس الثوري الإيراني، إنّ السفينة البريطانية لم تمتثل للقوانين الدولية. ومن الواضح انّ تفاصيل ما حدث في مسألة احتجاز الناقلة البريطانية مازال سطحياً وغيرَ واضح. وحسب متحدث بإسم الشركة التي تمتلك السفينة فإنّ الناقلة ممتثلة امتثالاً تاماً لجميع أنظمة الملاحة الدولية.
وعلى ما يبدو، بدأت الصورة تتوضّح مع انخراط المملكة المتحدة واحتلالها مكاناً بارزاً في التوترات الأخيرة مع إيران، لا سيما وأنّ قوات البحرية الملكية البريطانية ساعدت في الاستيلاء على ناقلة النفط الإيرانية في 4 تموز الماضي في جبل طارق على الساحل الجنوبي لإسبانيا. هذا، وقالت بريطانيا إنها ستُطلق سراح السفينة اذا ما أثبتت ايران انها لم تنتهك عقوبات الاتحاد الأوروبي في شأن شحنات النفط الى سوريا.
والأكيد أيضاً أنّ حكومة جبل طارق كانت قد أعلنت أنّ المحكمة العليا فيها مدّدت فترة اعتقال السفينة ثلاثين يوماً (السفينة تحمل علم بناما وكانت محمَّلة بأكثر من مليوني برميل من النفط الإيراني). هذه المصادرات والمصادرات المضادة بدأت تأخذ منحى خطأ، وحسب وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت أنها غير مقبولة وقد تؤدّي الى عواقب لا سيما أنّ الأمر يمثل تصعيداً خطراً في الخليج. وقد يكون ما جرى من مصلحة ترامب وما يهدف اليه من زيادة للعقوبات على إيران وحسبه أيضاً أنّ ما يجري حالياً يؤكد ما قاله دائماً حول ايران عن أنها مشكلة.
هكذا تبدو الصورة الآن والثرثرات في المنطقة تصاعدت منذ أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وأعادت فرض العقوبات على ايران، الأمر الذي أصاب الاقتصاد الإيراني من جديد. ورغم محاولات طهران عبثاً الخروج من «الخناقة» وممارسة ضغوط على شركاء آخرين في الاتفاق النووي لا سيما الدول الأوروبية وحثّها على الضغط على الولايات المتحدة من اجل رفع العقوبات.
زاد الأمر خطورة طلب الولايات المتحدة من حلفائها في الشرق الأوسط المساهمة مالياً وعسكرياً في مشروع يُسمى Sentinel Program والذي يضمّ مجموعة دول الى جانب الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على الملاحة البحرية في الخليج الفارسي وإبقاء ايران تحت المجهر. لذلك ودون أدنى شك فإنّ الأمن البحري في مضيق هرمز تدهور الى حدّ كبير في الأسابيع الأخيرة بعد ست هجمات على ناقلات نفط اتّهمت فيها ايران الأمر الذي تنفيه الجمهورية الإسلامية. ولا شك أنّ هذه الأحداث خلقت جواً متوتراً وهزّت صناعة النقل البحري مع أكثر من 2000 شركة عاملة في المنطقة أصبحت في حال تأهب قصوى وتحاول المرور في مضيق هرمز خلال ساعات النهار فقط وبأقصى سرعة ممكنة، كذلك المخاوف التي أحدثتها هذ الأمور المتتالية من أن تؤثر وبشكل واضح على إمدادات الخام العالمية.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن وسط هذا التصعيد الذي يُنذر بالخطر، ما هي قدرة الولايات المتحدة ومعها بريطانيا على المواجهة بأقل ضرر ممكن وهل إنقاذ الاتفاق النووي المنعقد منذ أشهر ما زال ممكناً. الأمر الأكيد أنّ السيناريوهات الحاصلة ليست سوى وسيلة لجرّ إيران الى طاولة مفاوضات جديدة بعد أن استطاعت الولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات على القطاع النفطي الإيراني الأمر الذي شلّ اقتصاد الجمهورية الإسلامية.
أما حدوث حرب أميركية ايرانية فقد يكون مستبعداً بعض الشيء. وتتفاوت نسبة الاحتمال هذا حسب المحللين بين 30 و 40 بالمئة انما تصاعد التوترات الجيوسياسية قد يرخي بظلاله على الأمور حتى تصبح كارثية لا سيما وأنه حسب مسؤؤل عسكري كبير مساعد للزعيم الأعلى الإيراني، فإنّ «الرصاصة الأولى في الخليج سوف ترفع أسعار النفط فوق الـ 100 دولار أميركي». كذلك و حسب Henry Rome كبير المحللين في مجموعةٍ إستشارية للمخاطر السياسية فإنّ الحرب الكبرى أو حتى مواجهة محدودة سيكون لها تأثير كبير على اسعار السلع الأساسية كما أنها سوف تؤدي الى زعزعة أمن الخليج بأكمله.
هنا يبقى السؤال إذا ما كانت أسعار نفط عالية جداً ترافق الإقتصاد الأميركي ومشروع ترامب وأنّ أسعار ثلاثة أرقام ترافق اقتصادات الدول الأوروبية والصين والهند على حد سواء. هذا علماً أنه وعلى الرغم من تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وانقطاع إمدادات النفط من فنزويلا وليبيا ما زال سعر البرميل الخام أقلّ بكثير ممّا كان عليه في الخريف الماضي. كلها فرضيات ولكن الأكيد أنّ سعر البرميل الخام قد يزيد خصوصاً اذا ما قررت ايران أن تردّ في العراق ما قد يؤثر في تصدير النفط العراقي، عندها قد يزيد سعر البرميل الى عتبة الـ 100 دولار حسب العديد من المحللين. وقد تسعى ايران، دون أدنى شك الى ردّ هذه المحاولات بشتى الطرق عبر إطلاق صاروخ في منطقة عراقية غنية بالنفط جنوب مدينة البصرة وموقع عدد كبير من شركات النفط الأجنبية بما فيها آلسون وهو ردّ جزئي على العقوبات الأميركية.
هذه هي الصورة والتحليلات بالنسبة الى ما يجري حالياً في الخليج والأمر الأهم هو أنّ تعطيلاً كبيراً قد يلحق الأذى بالاقتصادات العالمية لا سيما الآسيوية منها، وانقطاعها لن يكون في صالح أيٍّ من دول المنطقة، خصوصاً أنّ النفط مصدر أساسي للدخل لهذه الدول، علماً أنّ معظم صادرات النفط من المملكة السعودية وايران والامارات العربية والكويت والعراق كلها تمرّ في هذا المضيق. كل هذه القصص الجيوسياسية تبشّر بصيف حار لدونالد ترامب الذي يسعى لإبقاء أسعار النفط ضمن المعقول، ويحاول ربح أكثر ما يمكن في استعداداته للانتخابات الأميركية المقبلة.