المنهج الاجتهاديّ المختار لا يرى وجود أيّ دليل يقرّر: إنّ النّصوص النّبويّة الآمرة بالتّمسّك بالكتاب أو القرآن ـ على فرض صحّة صدورها ـ تقصد عموم القرآن بصيغته وطريقة ترتيبه المتداولة؛ وذلك لأنّ هذا الكلام مبنيّ على مصادر لم يُبرهن عليها مفادها: إنّ نسخة القرآن المتداولة هي عين النّسخة الّتي كانت بين يديّ الرّسول الأكرم "ص" وعناها في نصوصه الآنفة وانصرفت إطلاقات نصوصه إليها هذا إذا قلنا بوجودها، ومثل هذه الدّعوى لم تثبت بدليل معتبر البتّة بل الدّليل على خلافها.
وفي هذا السّياق يُفتح البحث جليّاً للتّفريق ما بين الآيات القرآنيّة السّاكنة والآيات القرآنيّة المتحرّكة كما اصطلحنا سابقاً؛ وإنّ مقصود تلك النّصوص الآمرة بالتّمسّك بالكتاب أو القرآن على فرض صدورها هو الآيات من النّوع الثّاني لا الأوّل، وبهذا نتخلّص من مساعي تجميد جملة وافرة من الآيات القرآنيّة أو تقييدها أو تخصيصها أو غير ذلك من أمور انسياقاً مع قواعد صناعيّة مذهبيّة معروفة؛ وذلك لأنّها آيات مرتبطة بيوميّات النّبي "ص" وتدبيراته الآنيّة، وهذه مشكلة أخرى غير مشكلة تحريف القرآن.
نعم؛ تبرز هنا مشكلة يمكن أن نعدّها جزئيّة وفقاً لمنهجنا الاجتهاديّ وهي: ما هو المعيار الّذي يُمكن الرّكون إليه للتّفريق بين الآيات السّاكنة والآيات المتحرّكة؟ لكنّ إجابة مثل هذا السّؤال من السّابق لآوانها، وينبغي توفير مقدّمات كثيرة من أجل تهيئة قبولها والبرهنة عليها، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.