أظهرت ميزانية مصرف لبنان نصف الشهرية لغاية 15 تموز 2019 أنّ الأصول الأجنبية للمركزي نمت بشكل ملحوظ بمقدار 629 مليون دولار خلال النصف الأول من تموز لتصل إلى 37 مليار دولار في منتصف الشهر، وذلك بسبب رئيس هو النمو الملحوظ لودائع القطاع المالي في مصرف لبنان في ضوء الهندسات المالية الاخيرة التي اجتذبت لغاية الآن بين 800 مليون ومليار دولار، وفقاً لرئيس جمعية المصارف سليم صفير.
هذه الأنباء الإيجابية بالاضافة الى إقرار الموازنة وترحيب البنك الدولي بها، عوامل دعمت الثقة في لبنان، وكان مفعولها فورياً وملموساً على صعيد تكوين السيولة الأجنبية.
كما انّ الأجواء الإيجابية قد تساعد مصرف لبنان في هندسته المالية الجديدة لجذب العملات الاجنبية من الخارج، والتي تتقاتل المصارف التجارية اللبنانية الى نبشها وجذبها من الدول كافة عبر إغرائها بالفوائد المرتفعة التي تصل الى 15 في المئة عند تجميد 5 ملايين دولار لمدة 3 سنوات.
ورغم ما نبّهت منه جمعية المصارف في تعميمٍ لها الأسبوع الماضي من انّ الفوائد المرتفعة يجب أن تطال الاموال المتأتية من الخارج فقط، إلّا انّ مصدراً مصرفياً كشف لـ»الجمهورية» انّ المصارف ضعيفة أمام الدولارات، وهي تعرض فائدة تصل الى 10 في المئة على تجميد مليون دولار فقط لمدّة سنة، بغض النظر إذا كانت الأموال خارجية أو محلية!
وقال: ما يعرضه مصرف لبنان على المصارف من فوائد مرتفعة تصل الى 15 في المئة على الودائع بالعملات الأجنبية، جعلت الشغل الشاغل للمصارف، تأمين تلك الاموال، لأنها تعتبر انّ أيَّ نوع من التوظيفات التي قد تقوم بها في الداخل أو الخارج، لن تحقق لها الأرباح التي يمنحها إياها مصرف لبنان، خصوصاً انّ عائدات توظيف الودائع في مصرف لبنان مضمونة ولا تشمل أيّ نسبة مخاطرة (0 risk).
قزي
في هذ الاطار، قال الباحث في جامعة هارفرد والخبير الاقتصادي دان قزي إنّ حجم الاموال التي خرجت من لبنان في 2019 بلغت حوالى مليار دولار شهرياً وفقاً لأرقام مصرف لبنان لغاية اواخر حزيران، والتي اشارت الى خروج 10,4 مليارات دولار. وبالتالي فإنّ التحويلات المالية الى لبنان لم تعد كافية لتمويل الاقتصاد اللبناني، «لذلك قام مصرف لبنان بالهندسات المالية الاخيرة لجذب الدولارات الى لبنان وتغطية العجز التجاري».
وأكد لـ»الجمهورية» انّ البنك المركزي نجح الى حدٍّ ما في هذه الهندسة المالية لأنّ الفوائد المرتفعة التي تصل الى 15 في المئة جذبت قسماً من المودعين، رغم انّ الوضع اليوم أصعب من السابق ومختلف عن العام 2016 حين نجح مصرف لبنان في جذب مليارات الدولارات، حوّلت العجز في ميزان المدفوعات الى فائض للمرّة الاولى منذ العام 2011.
ولفت قزي الى انّ المليار دولار التي يقال إنه تمّ جذبها لغاية الآن، تغطي خسائر شهر واحد فقط من خروج الودائع.
اضاف: السؤال الأهمّ، كيف سنردّ الاموال التي نجذبها وفوائدها بعد 3 سنوات؟ خصوصاً أننا لا نجذبها بهدف استثمارها او توظيفها بل لصرفها وحماية سعر صرف الليرة.
وشدّد على أنّ هذه السياسة المعتمدة ليست مستدامة ولا تنفع أيضاً لشراء الوقت، لأنه حتّى لو تحسّن النمو الاقتصادي وزاد حجم الاقتصاد الى 70 مليار دولار على سبيل المثال، فإنّ ذلك سيكون أسوأ لأنه يعني زيادة الاستهلاك وزيادة في الاستيراد بحوالى 7 مليارات دولار، لأنّ اقتصاد لبنان يعتمد بشكل اساس على الواردات، «وبالتالي سنكون بحاجة الى جذب 7 مليارات دولار اضافية لسدّ العجز التجاري».
وقال قزي في هذا الاطار إنّ الفوائد المرتفعة تشلّ الاقتصاد حالياً وبالتالي الاستيراد، وهذا نتيجة السياسة المتّبعة التي أدّت الى كبح الشركات ومنعها من الاستيراد وشلّ القطاع الخاص، بالاضافة الى تجميد نفقات القطاع العام، بدليل ما أظهرته ارقام المالية العامة من تراجع في العجز بنسبة 28 في المئة رغم أنّ موازنة 2019 لم يتم تطبيقُها بعد، «ما يعني أنه تمّ تأجيل دفع المستحقات كافة لمنعها من التحوّل الى اموال للاستيراد وخروجها من لبنان».
واعتبر أنّ الحفاظ على سعر صرف الليرة أصبح هدفاً في حدّ ذاته، بغض النظر عن التداعيات المستقبلية، و»كأنّه من المحرّمات. وهنا تكمن المشكلة».
وفي الختام شرح قزي أنه وفقاً لأرقام مصرف لبنان فإنّ احتياطي البنك المركزي يبلغ 37 مليار دولار، و»إذا تمّت زيادة الاموال التي تودعها المصارف لدى البنوك المراسلة في الخارج والمقدّرة بحوالى 10 مليارات دولار، ومن ثمّ حسم قيمة سندات اليوروبوندز التي لا تعدّ سيولة نقدية (cash money)، يصل اجمالي السيولة بالدولار الى حوالى 40 مليار دولار. في المقابل، يبلغ حجم الودائع في القطاع المصرفي في لبنان 175 مليار دولار منها 125 ملياراً بالدولار، «وبالتالي فإنّ مقابل كلّ 3 دولارات، هناك فعلياً دولار واحد فقط موجود بالحقيقة في لبنان».