على الرغم من المعطيات التي ظهرت في الأسابيع الماضية، مع آخر زيارة لمستشار وزير الخارجية الأميركية السابق دايفيد ساترفيلد للبنان (ينتقل لحمل منصب سفير بلاده في إسطنبول)، عن تعثّر كبير في الوساطة التي يقوم بها لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع العدو على الحدود البحرية والبرية اللبنانية، وإبلاغ الرئيس نبيه بري المعنيين بالأمر، فجّر رئيس المجلس مفاجأة أمس بإعلانه في لقاء الأربعاء «تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق نهائي على الحدود». وأشار بري إلى أنه أُنجِزَت سبع نقاط وبقيت نقطة واحدة تتعلق بالتنفيذ براً وبحراً». مصادر بري تبدي تكتماً شديداً على التفاصيل، إلّا أن مصادر متابعة أكّدت لـ«الأخبار» أن السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد أبلغت بري ردوداً على نقاط كانت عالقة سابقاً، وأنه «جرى تجاوز عقبة رفض العدو لوساطة الأمم المتحدة والتلازم بين البر والبحر، وبقيت نقطة وحيدة تتعلّق بآليات التفاوض».
على صعيد آخر، فشلت محاولات الرئيس سعد الحريري لعقد جلسة لمجلس الوزراء بعدما تيقن أن هذه الخطوة ستزيد التعقيدات المرتبطة بجريمة البساتين. وبالرغم من أنه كان أول من أمس يصرّ على عقد الجلسة خلال 48 ساعة، إلا أنه أيقن أن عقد جلسة من دون الاتفاق على حل لمسألة المجلس العدلي، سيعني مقاطعة الوزير صالح الغريب لها، وسيعني بالتالي تضامن حزب الله والتيار الوطني الحر معه. وهو موقف يُسهم عملياً في زيادة التأزيم السياسي. وحتى بعد تأكيد الوزير طلال أرسلان، إثر لقائه الرئيس نبيه بري أمس، أن وزير حزبه لن يتغيب عن أي جلسة لمجلس الوزراء، فإن احتمالاً كهذا سيزيد من احتمال الصدام في المجلس، وليس الحريري مستعداً للمغامرة.
وعليه، لا تزال الأمور عالقة عند عجز كل الأطراف عن ابتداع حل وسط، في ظل تمسك الجميع بمواقفهم، ولا سيما الحريري غير المستعد للمغامرة برصيده والموافقة على إحالة القضية على المجلس العدلي، في ظل الانقسام السياسي والتجييش الشعبي، على خلفية هذه القضية. في المقابل، لم يفهم من تمسك أرسلان بإحالة القضية سوى أنه واثق ربطاً بالتحقيقات بوجود شبهة محاولة اغتيال، وهو ما واجهه النائب السابق وليد جنبلاط عبر الربط بين جريمتي الشويفات والبساتين، قائلاً: «اعتقد أنه آن الاوان لضم القضيتين والسلطات المختصة تقرر كيف وإذا لزم المجلس العدلي للقضيتين سوياً». وإلى أن يتحقق أي خرق، أبلغ الحريري المعنيين، ولا سيما رئيس الجمهورية، أنه سيداوم في السرايا ويفعّل عمل اللجان الوزارية.
من جهة أخرى، عادت الموازنة إلى الواجهة من بوابة رفض الوزير جبران باسيل تمرير البند الذي يحفظ حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية، حيث وصل التصعيد إلى حد قوله: «فلتسقط كل الموازنة إذا كان الأمر كذلك».
وفيما فُسّر هذا الاعتراض، بمثابة الإشارة إلى احتمال امتناع رئيس الجمهورية عن توقيع قانون الموازنة، بعد أن وقعه رئيس الحكومة وأحاله على رئاسة الجمهورية. فقد اعتبرت أي خطوة من هذا القبيل بمثابة الانقلاب على المجلس النيابي، وعلى صورة لبنان أمام المجتمع الدولي الذي ينتظر نشر الموازنة، بعد أن تحولت إلى خشبة الخلاص الوحيدة التي قد تمنع تدهور الوضعين المالي والاقتصادي. وقد تساءلت مصادر معنية: هل يمكن أن يتحمل العهد تعطيل الموازنة؟
وكانت لجنة المال والموازنة قد أضافت فقرة إلى المادة 79 المتعلقة بوقف التوظيف في القطاع العام، تحفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناءً على قرار مجلس الوزراء، وأعلنت نتائجها حسب الأصول. وقد وافقت الهيئة العامة لمجلس النواب على هذا التعديل، وصار مبرماً.
وبحسب المناقشات التي جرت في اللجنة وفي الهيئة العامة، كان واضحاً أن حفظ الحق هو بمثابة تأكيد المؤكد، لأن حق هؤلاء محفوظ بالقانون. لكن مع ذلك، فإن مراسيم التعيين لا بد أن توقع من قبل الوزير المختص ووزير المالية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية لتصبح نافذة، وبالتالي سيكون القرار النهائي عند رئيس الجمهورية، أي لا قدرة لأحد على تطبيق تلك المادة، إلا من خلال السير بالسياق القانوني الطبيعي لتعيين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية.