أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه سيسلم خلفه "وطنا افضل بكثير مما هو عليه اليوم على صعيد البيئة والوضع الاقتصادي والاجتماعي"، وطمأن بأننا "سنتجاوز الأزمة الحالية وسيتحسن الوضح تدريجا وكل يوم سيكون أفضل من الذي قبله".
وشدد الرئيس عون خلال استقباله قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، مجموعة من الطلاب يمثلون مختلف الجامعات اللبنانية، على أن "الأوضاع المعيشية لن تتحسن إلا مع تطبيق الخطة الاقتصادية الجديدة التي بدأنا بالفعل العمل عليها، والتي من شأنها أن تزيد فرص العمل في مختلف المجالات". وقال: "نحن بحاجة اليوم لتعاون الجميع لتحقيق النهضة، وعلى الجميع تقديم التضحيات للتخلص من الأزمة الحالية. فاذا لم نضحِ اليوم بالقليل فسنخسر بعدها الكثير".
اضاف: "نعم، نحن نحارب الفساد، لكننا لا نسعى الى التشهير بالناس وستشعرون من تلقاء أنفسكم بأن الامور تتحسن".
من جهة أخرى، توجه الرئيس عون الى الطلاب بالقول: "ان تخصصكم في الخارج ليس سيئا في المطلق، لكن الخطر يكمن في عدم بقاء القسم الاكبر من الشباب في لبنان لان عليهم تطوير لبنان والنهوض به".
ولفت رئيس الجمهورية إلى اهتمامه الشخصي "بذوي الاحتياجات الخاصة ومتابعتي عن كثب لقضاياهم، وسعيي الى وضع كوتا لتوظيفهم تكون ملزمة"، مشيرا الى وجود "قانون بهذا الخصوص منذ العام 2000 لم ينفذ حتى الساعة".
واعتبر رئيس الجمهورية ان "الزواج المختلط يؤمن انتقال المجتمع من الحال الطائفية الى حال المجتمع المدني"، وقال: "ان حرية الزواج في لبنان تخضع لقوانين مختلفة بالرغم من انه من المفروض توحيد هذه القوانين. ففي مقابل قانون عقوبات واحد هناك قوانين احوال شخصية متعددة تجعل من الافراد وكأنهم منتسبون الى طوائفهم فحسب".
مواقف رئيس الجمهورية وردت خلال لقاء مفتوح عقده مع نحو 150 طالبا من 30 جامعة لبنانية حضروا الى قصر بعبدا قبل ظهر اليوم، حيث رحب بهم مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الطلاب والشباب الدكتور بول ضاهر، ووزع لهم استمارة تضمنت مجموعة اسئلة تناولت هواجس الطلاب والشباب ومطالبهم ورؤيتهم الى بلدهم ومستقبله ونظرتهم الى المواضيع المطروحة والتي تهمهم، كما تضمنت الاسئلة ملاحظات الطلاب على اداء المسؤولين ودور وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من المواضيع التي تشكل اولويات لهم.
وبعد انتهاء الطلاب الجامعيين من الرد على الاسئلة الكترونيا، اطلع رئيس الجمهورية على الاجوبة، ثم انتقل الى قاعة 22 تشرين حيث رحب بالطلاب.
وقائع الحوار
في مستهل اللقاء، دعا الرئيس عون الطلاب إلى "طرح تساؤلاتكم وهواجسكم بكل حرية، لأنكم في النهاية مستقبل الوطن، وانا أسعى كأب لكم إلى تسليمكم البلاد في حالة أفضل مما اسلمتها، وعليكم أن تعملوا بدوركم على تسليمها بأفضل مما تسلمتموها".
ثم دار حوار بين رئيس الجمهورية والطلاب، استهل بسؤال حول معاناة الشباب مع البطالة واضطرارهم الى الهجرة، وما اذا كانت هناك حوافز يمكن أن تبقي الشباب في وطنهم، فرد الرئيس عون بالاشارة الى "مرور لبنان حاليا بأزمة كبيرة نتيجة عوامل عدة، منها الترسبات المالية المتراكمة نتيجة أخطاء في الحكم، والأزمة الاقتصادية العالمية، والحرب التي دارت على حدودنا وأدت الى قطع التواصل التجاري بين لبنان والدول العربية، ومشكلة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وما خلفته من انعكاسات على بنيتنا التحتية واقتصادنا، اضافة الى تأثيراتها على فرص العمل ورفعها لمستوى البطالة الى درجات قياسية، فتخطت نسبتها 30% نتيجة عمل النازحين في مختلف القطاعات، وكذلك تأثيرها على المستوى الأمني وزيادة المشاكل الأمنية".
واكد ان "كل هذه العوامل أثرت علينا بشكل كبير، ولن تتحسن الأمور المعيشية إلا مع تطبيق الخطة الاقتصادية الجديدة التي بدأنا بالفعل العمل عليها، والتي من شأنها أن تزيد فرص العمل في مختلف المجالات. ونحن بحاجة اليوم إلى تعاون الجميع لتحقيق النهضة، وعلى الجميع تقديم التضحيات للتخلص من الأزمة الحالية. فاذا لم نضحِ اليوم بالقليل فسنخسر بعدها الكثير. ولكن، أطمئنكم بأننا سنتجاوز الأزمة قريبا وسيتحسن الوضح تدريجا وكل يوم سيكون أفضل من الذي قبله".
ثم سئل رئيس الجمهورية عما اذا كان يعتبر أنه قد حقق نجاحا في السنوات الثلاث الأولى من عهده، وعن الخطط المطروحة لمعالجة مشكلة الاسكان والبطالة للشباب، فأكد أن "العهد نجح بالفعل في تحقيق العديد من الانجازات، ومنها القضاء على الإرهاب في الوقت التي تعيش الدول من حولنا حالة من عدم الاستقرار، وعلى الخلايا الارهابية النائمة. ثم ان المؤسسات التي يجب ان تكون عاملة بطريقة طبيعية في البلد لم تكن موجودة تقريبا، منها مثلا، الجسم الدبلوماسي، حيث أجرينا تعيينات لملء الفراغات الكبيرة فيه وركزنا ايضا القوى الامنية، واقرينا قانونا جديدا للانتخابات وبات لدينا مجلس نيابي جديد، وقد شاهدنا حيويته في نقاش الموازنة بعدما كان يتم التصديق عليها سابقا في جلسة واحدة. وهناك ايضا الكثير من المشاريع التي يجري العمل عليها حاليا في قطاع المياه والكهرباء وغيرها. واقرينا اخيرا موازنة العام الحالي بعد سنوات طويلة على عدم اقرار الموازنة، مما سيمهد لضبط الوضع المالي، وتخفيف العجز في الدولة، وزيادة فرص العمل، وكذلك البدء بتنفيذ المشاريع الانمائية وفقا لمقررات مؤتمر "سيدر"، اضافة الى البدء بخطوات مكافحة الفساد، وعلى سبيل المثال التحقيق الذي يجري في ملف الضمان الاجتماعي ولجنة مرفأ بيروت والتدابير التي اتخذت لمكافحة التهرب الضريبي الذي تبلغ نسبته 40% تقريبا، والحبل على الجرار".
وقال: "نعم، نحن نحارب الفساد، لكننا لا نسعى الى التشهير بالناس، وستشعرون من تلقاء أنفسكم بأن الامور تتحسن. وحتى القضاء بات متحررا في عمله أكثر من الماضي". واكد أن "الوقت الذي سيبدأ فيه الوضع بالتحسن ليس بعيدا، لأن الاساسيات قد تم تركيزها".
وسئل الرئيس عون عن سبل تجنيب البلد الوقوع في ازمات طائفية، فأوضح ان "النظام السياسي اللبناني ينص على المحاصصة بين الطوائف التي يجب ان نعمل لالغائها من خلال تثقيف تربوي يرتكز الى ثلاثة بنود: اولا، الاعتراف بحرية المعتقد للاخر، ان كان هذا المعتقد سياسيا او دينيا او اجتماعيا او خلافه. ثانيا، الاعتراف بحق اختلاف الاخر حيث ان لكل منا فرادته كما بصماته الخاصة ومنها البصمة الفكرية، وهو حق يحسن الانظمة ويطورها كما يؤدي الى الاختراعات على تنوعها، بالاضافة الى حرية الرأي والتعبير".
ولفت الى ان "الحريات كحرية الزواج في لبنان على سبيل المثال تخضع لقوانين مختلفة رغم انه من المفروض توحيد هذه القوانين. ففي مقابل قانون عقوبات واحد هناك قوانين احوال شخصية متعددة تجعل من الافراد وكأنهم منتسبون الى طوائفهم فحسب. ومن هنا ترون ان الاكثرية لم تتحرر بعد في مجال الزيجات من الاديان الاخرى، اما اذا ما وجدت قوانين موحدة وتمتع جميع المواطنين بكل الحريات الفردية، فساعتئذ يتحدد مستقبل كل منهم بحسب كفاءته لا وفقا لحقوقه الطائفية".
واعتبر ان "الزواج المختلط هو ما يؤمن انتقال المجتمع من الحال الطائفية الى حال المجتمع المدني"، لافتا في هذا السياق الى "الازمات التي مر بها البروتستانت والكاثوليك في فرنسا عبر التاريخ، الذين ما لبثوا ان ادركوا ان ما من حل لها الا من خلال الدولة المدنية، فاصبحت فرنسا اليوم عاصمة الحريات اكثر من اي بلد آخر".
وحول قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة وعدم توظيف نسبة معينة منهم في الوزارات والمؤسسات العامة، اكد الرئيس عون متابعة القصر الجمهوري "لقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة عن كثب، من خلال عدد من النشاطات التي اقامها في رحابه"، وسعيه الى "وضع كوتا للتوظيف تكون ملزمة"، لافتا الى وجود "قانون بهذا الخصوص منذ العام 2000 لم ينفذ حتى الساعة".
وحول الاهتمام بالشباب والحد من تفكيرهم بالهجرة خلال اكمالهم تحصيلهم الجامعي، اوضح الرئيس عون ان "على الانسان اولا ان يؤمن حاجاته الاولية التي تبدأ بالمأكل والمشرب والمسكن، وبعدها العيش في ظل امن مستقر وقضاء عادل، ومن ثم تأمين فرص العمل والاقتصاد وغيرها. لذلك، نعمل على تأمين هذه الحاجات وفق الترتيب المنطقي لها، ليصار بعدها الى تأمين باقي الحاجات، فيتطور المجتمع ماديا وفكريا، وبحكم العدد الكبير من الطلاب الجامعيين من الطبيعي ان يتوجه البعض منهم الى الخارج لاكمال تحصيله العلمي ومتابعة العمل، لكن على القسم الاكبر ان يبقى في لبنان للنهوض به".
ولفت الرئيس عون الى ان وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل "انشأ "جمعية الطاقة الاغترابية اللبنانية"، بهدف جمع اللبنانيين في الخارج، حيث ينتشر لبنان الصغير بمساحته بين القطبين الشمالي والجنوبي، وقد لبوا الدعوة للمشاركة في مؤتمرات "الطاقة الاغترابية" التي عقدت في لبنان، ومنهم اطباء وصحافيون وسياسيون ومحامون وصناعيون وتجار وغيرهم... وهذا يظهر بالتالي ان التخصص في الخارج ليس سيئا بالمطلق، لكن الخطر يكمن في عدم بقاء القسم الاكبر من الشباب في لبنان، لان عليهم تطوير وطنهم والنهوض به، خصوصا ان الهجرة اخذت مفهوما آخر بعد ان كانت بسبب المجاعة خلال الحرب العالمية، او بسبب الحرب التي اندلعت في لبنان في السبعينات. ونلاحظ ان المهاجرين تبوأوا اعلى المناصب في البلدان التي وصلوا اليها حيث انتخب بعضهم رؤساء لهذه الدول او نوابا او عينوا وزراء".
اضاف: "نعمل على اعادة جمع المنتشرين اللبنانيين وتشجيعهم على العودة الى لبنان اما للزيارة او للبقاء، وقد اثمرت هذه السياسة، اذ بات يصل الى لبنان يوميا بين 8 و9 آلاف لبناني من الخارج، اضافة الى السياح الوافدين من اوروبا والذين يقارب عددهم الـ7 آلاف في اليوم الواحد".
وتابع: "للاسف، نعاني من تأثير سلبي للشائعات، اذ يعمد البعض الى تضخيم الامور والمشاكل، ان في موضوع البيئة من حيث تلوث الشاطىء او من حيث الازمة الاقتصادية، وهو ما يؤثر سلبا على الحركة السياحية. صحيح ان التلوث والازمة موجودان في لبنان، ولكنهما ليسا بالحجم الذي يتم تصويره، فهناك جزء كبير من الشاطىء اللبناني غير ملوث، كما ان الازمة الاقتصادية يمكن تخطيها عند اتخاذ الترتيبات اللازمة. ان الشائعات تنتشر بسرعة وتلقى رواجا، فيما ليس هناك اقبال كبير على الحقيقة".
وذكر الرئيس عون ب"الشائعات التي ادت سابقا الى افلاس "بنك انترا" رغم تمتعه بالمكانة المصرفية القوية في ذلك الحين".
ووعد رئيس الجمهورية بأنه سيسلم الى خلفه "وطنا افضل بكثير مما هو عليه اليوم، على صعيد البيئة والوضع الاقتصادي والاجتماعي ايضا، بعد ان كان لبنان منقسما سياسيا بشكل ادى الى اذية الوطن، فيما بقي اليوم الاختلاف السياسي انما مع اتفاق على كسب الوطن ايا كان الخط السياسي المنتصر".