إذ كيف يمكن لمؤمن أن يصدّق خبر وفاة الامام الخميني ؟؟!! وهو لم يصل بعد في القدس ولم يسلم الراية بعد ؟!!! .
لم يغف لنا جفن طيلة ليلة 2 حزيران 1989، واستغلينا كل ثانية وكل لحظة فيها، ونحن في حالة تهجد وصلاة، فمسجد "السياد" في ضيعتي لم يهدأ طيلة الليل، بين قائم وراكع وساجد نتوسل إلى الله بكل ما نعرفه من أولياء وأنبياء وقديسين بأن يعيد العافية والصحة والسلامة للامام الخميني الموجود في إحدى مستشفيات طهران وبوضع صحي خطير كما أُبلغنا
في تلك الليلة الملتهبة خشوعا، لم يتسلل الشك إلى قلبي وقلوب كل الاخوة المشاركين بإحيائها، أن غدا سيكون يوما آخر، وأن أخبار طيبة سوف نسمعها حتما في القريب العاجل، بأن الامام قام من غيوبته، وأنه عاد إلى منزله وحسينيته في جمران (شمال طهران)، حيث كنت قد زرته هناك مع وفد خاص، ولم تزل صورة ذلك البيت المتواضع محفورة في الذاكرة بكل تفاصيلها، حتى أن تجاعيد يد الامام التي كنت صافحتها يومها، حفظتها بكل تعرجاتها
هذا "اليقين" الذي كان يتملك كل واحد منا، من الرأس حتى أخمص القدم، بأن الله سبحانه وتعالى سيمدّ يد عنايته وينتشل "عبده الصالح" و "محقق حلم الانبياء" و "مؤسس دولة الامام المهدي" و "ناصر المستضعفين في الارض" وأنه بلا شك ولا ريب سيشفيه من مرضه.
إقرأ أيضًا:" السجادة الايرانية والكمبيوتر الغربي "
هذا اليقين الراسخ لم يكن نتاج معرفتنا بأن الله سوف يستجيب دعاءنا، ولا هو إيمانا بموقعنا المحمود عند الله وأنه سوف يأخذ ذلك بعين رحمته،
إنما اليقين عندنا كان بسبب إيماننا العميق والراسخ والمتجذر والصلب والواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، لحقيقة سلمنا بها تسليما، وعشناها ليس كأمل أو أمنية، إنما كواقع ومسلّمة لا يمكن نكرانها أو الجدال فيها إلا عند أصحاب القلوب العمياء، أو عند جاحد بوعد الله الذي لا يخلف وعده .
هذه "الحقيقة" كانت تقول بأن الامام الخميني صاحب الرايات السود، سيفتح الله على يديه بيت المقدس، هو ومن معه من عباد لنا أولي بأس شديد ليجوسوا خلال الديار، وأن الامام الخميني سيصلي حتما في القدس وأن هناك سيسلم الراية للامام المهدي !
هذه " الحقيقة " وهذا الايمان وهذا اليقين، هو الذي جعلني في صبيحة يوم 3 حزيران 1989 ، ابتسم تلك الابتسامة الصفراء التي تخفي شيئا من الاستهزاء ممزوجا بالشفقة على صديقي "الجاهل" بالحقائق الربانية، والكشوفات العرفانية، والانوار المحمدية والمقامات العلوية والبركات الفاطمية، والفيوضات الالهية، ( وماشئت فعبّر)، حين حاول ذاك المسكين أن يخبرني بأن الامام الخميني قد مات !!
مسكين صديقي هذا، كلما كان يحاول أن يؤكد لي خبر موت الامام، كانت بسمتي تزداد اتساعا، وقلبي يتحرق عليه شفقة ورأفة، إذ كيف يمكن "لمؤمن" أن يصدق خبر وفاة الامام الخميني ؟؟!! وهو لم يصلّ بعد في القدس ولم يسلم الراية بعد ؟!!! ....
وبقيت ومع كثر، لم نصدق حتى بعد الاعلان الرسمي ولوقت ليس بقصير، (ويمكن حتى الى ما بعد الدفن) . وعشنا فترة طويلة بين صدمة الحقيقة، والاعتراف بوهن ما كنا نعتقد.
كنت أظن أن هذه "الخزعبلات" الدعائة، صارت من الماضي، وأن التجارب والوقائع فرضت على العقل الحزباللهي، وسائل استقطاب جديدة أملتها الايام والسنون والانحياز الى العقلانية، حتى إذا ما سمعت مرة جديدة عن صلاة السيد حسن بالقدس، وتأكيد السيد الخامنئي على الموضوع لوفد حركة حماس ولو بطريقة خجولة.
هذه المرة، عاد بي الزمن ثلاثون عاما إلى الوراء، ألى أيام "الطفولة" وعادت لترتسم على وجهي مرة جديده تلك الابتسامة ولكنها الآن بدون محمولات يقينية، وخالية من أية أوهام لا تمت إلى الواقع . ووجدتني أردد بيني وبين نفسي جملة لا بد منها، علها تشكل سوطا أجلد بها عقلي، أو أعتذار متأخرا من ذاك صديقي : "إي بدك تصلي بالقدس، متل ما صلى الامام الخميني" !!!!