لكن التشريع المهم والخطير فعلا في مشروع القانون هذا، سيتم طرحه على أنه حلّ للديون الرديئة التي تُثقل كاهل البنوك التركية. وبموجب ذلك ستجري إعادة هيكلة ديون على الشركات بنحو 400 مليار ليرة (72 مليار دولار) ناجمة عن هبوط قيمة الليرة وارتفاع أسعار الفائدة والتضخم.
في عام 2001 حين ضربت الأزمة الاقتصادية الحادة تركيا، قامت الدولة بالاستحواذ على عدد من البنوك، وأدخلت البنوك ذات الأداء الأفضل في عمليات لإعادة هيكلة الديون بالتراضي، عرفت باسم “نهج إسطنبول”.
الآن، مرر البرلمان نموذجا جديدا تم طرحه على أنه “نهج إسطنبول الثاني” يهدف لإعادة هيكلة مدفوعات الشركات المدينة لمدة عامين. وسوف تعتمد هيئة التنظيم والرقابة المصرفية تعديلات تشريعية تتماشى مع القانون الجديد، لتمهد الطريق أمام إعادة هيكلة الديون.
وينص القانون على إنشاء هيئة تقييمية جديدة لها مجلس يضم ممثلين عن الحكومة، لاتخاذ قرارات إعادة الهيكلة إذا رأى أن الشركات لا تمتلك القدرة على سداد ديونها.
في هذه الحالة، سيقوم البنك بإعادة هيكلة ديون الشركة بسعر فائدة جديد وشروط جديدة للسداد. وإذا لزم الأمر، فإن جزءا من أصل الدين والفوائد سيتم شطبه، وقد تحصل الشركة على خطوط ائتمان جديدة. وفي نهاية العامين، ستكون للرئيس سلطة تمديد هذه المدة لعامين آخرين إذا رأى ذلك مناسبا.
حصانة لحلفاء أردوغان
ويهدف هذا التشريع إلى رفع عبء الديون الرديئة البالغة قيمتها 400 مليار ليرة عن كاهل البنوك التركية، والسماح لها بالاستمرار في إعطاء القروض ودعم الشركات المدينة لتستمر في العمل.
ويمنح هذا التشريع العاجل في القانون شكلا من أشكال الحصانة للمصرفيين، حيث يشير التشريع إلى أنهم لن يُحاسَبوا على أي خسائر تتكبدها مصارفهم خلال عملية إعادة الهيكلة، ولا على أي فعل يتعارض مع القانون.
ويثير ذلك مخاوف من استخدام التشريع كوسيلة لإنقاذ الشركات الفاشلة المرتبطة بالحكومة بسبب حقيقة هيمنة ممثلي الحكومة على المجلس، الذي سيقرر تأهل الشركات لإعادة الهيكلة، وحقيقة أن القرارات ستستند إلى آراء شخصية بشأن ظروف الشركات.
وتجري مناقشة هذا التشريع المريب على نطاق واسع في الدوائر السياسية والاقتصادية في أنقرة، والتي تقول إن المتعهدين والشركات المرتبطة بحزب العدالة والتنمية طلبوا هذا التشريع بعد النظر في قوائم أعمالهم، رغم المزايا الكثيرة التي منحتها الحكومة إياهم بالفعل.
وتشعر شركات البناء على وجه الخصوص بالضغط، حيث يواصل القطاع الانكماش، رغم الإعفاءات الضريبية والحملات الحكومية الرامية إلى إنعاش سوق الإسكان. وتتعرض شركات الإعلام أيضا لضغوط، حيث بلغت تقييمات الكثير من المؤسسات الإعلامية المرتبطة بالحكومة مستوى القاع.
وتشير تقارير إلى أن هذه الشركات تجد صعوبة في تغطية متطلبات تشغيلها من خلال المساعدات الحكومية، وأن مالكي تلك الشركات يسعون الآن لإعفاء من ديون بالمليارات من الدولارات.
شراء خضوع الإعلام
إحدى تلك الشركات هي ديميرورين القابضة، التي اشترت مجموعة دوغان الإعلامية في أبريل 2018 عبر قرض بقيمة مليار دولار مدته 10 سنوات، حصلت عليه من بنك زراعات الذي تديره الدولة.
وتؤكد تقارير صدرت في الآونة الأخيرة أن ديميرورين تتطلع للاستغناء عن صُحفها وقنواتها التلفزيونية لشركة تركفاز الإعلامية على أن تتحمل الأخيرة الديون. وتركفاز هي مجموعة إعلامية موالية لحزب العدالة والتنمية تملكها شركة كاليون العملاقة الموالية للحكومة، والمتخصصة في البناء.
وتشير التقارير أيضا إلى أن ديميرورين تتطلع لإعادة هيكلة قرضها من بنك زراعات عندما تبيع جميع أصولها الإعلامية. وهناك أقاويل في أنقرة حول أن البنك سيشطب الدين بعد أن يفعل ذلك.
وإذا حدث هذا، فسيكون مؤشرا على جانب آخر لاستغلال التشريع الجديد، الذي قد تستطيع الشركات المرتبطة بالحكومة من خلاله أن تمرر ديونها للبنوك العامة بعد إعادة هيكلتها. ويعني ذلك نقل أعباء الديون للخزانة العامة وعموم الناس، مع منح المصرفيين المعنيين الحماية من التداعيات القانونية.
ومن أصل ديون رديئة بقيمة تقدر بنحو 400 مليار ليرة، تتحمل البنوك العشرة الأكبر في تركيا ما قيمته 368 مليار ليرة. وتتحمل بنوك زراعات وخلق ووقف 100 مليار ليرة من الديون، التي حصلت عليها الشركات المرتبطة بحزب أردوغان بأمر من الحكومة، مثل شراء ديميرورين للمجموعة الإعلامية.
وسيكون التشريع الجديد محل ترحيب البنوك الخاصة في تركيا لأنه سيخلصها من ديون الشركات المتعثرة. وإذا تم استخدام التشريع لإعفاء رجال أعمال مرتبطين بحزب العدالة والتنمية من ديونهم، فإنه سيجعلهم خاضعين لإرادة الحكومة حتى عام 2023، عندما تنتهي مهلة تمديد إعادة هيكلة الديون.