محميات تنهش في جسم الدولة اللبنانية، ولا يجرؤ أحد على دكّ حصونها، ولا يوجد بين ظهرانينا.
المحميات، وما أدراك ما المحميات! هي الأرض التي تُقتطع لتُصان وتُسيّج فلا يقربها دخيل، أو يقتحم حُرمتها غريب، وكانت العرب قد ارتضت لمكّة المكرمة حُرمة البيت الحرام (الكعبة التي ابتناها النبي إبراهيم)، فلا يحلُّ فيها ثأرٌ ولا دم، ولا قتال ولا هياج. أمّا أول من حمى الحِمى من سادات العرب فكان كليب بن ربيعة بن وائل، وكليب هذا، هو الذي قاد "معدّاً" كلها يوم "خزاز" ففضّ جموع اليمن وهزمهم، فاجتمعت عليه معدٌّ كلها، وجعلوا له قسْم المُلك وتاجه ونجيبته وطاعته، فغبّر بذلك حيناً من الدهر، ثمّ دخلهُ زهوٌ شديد، وبغى على قومه لما هو فيه من عزّه، وانقياد معدّ له، حتى بلغ من غيّه أنّه كان يحمي مواقع السحاب، فلا يُرعى حماه، ويُجير على الدهر فلا تُخفر ذمّتُه، ويقول: وحشُ أرض كذا في جواري، فلا يُهاج، ولا تورد إبل أحدٍ مع إبله، ولا توقد نارٌ مع ناره، حتى قالت العرب: أعزُّ من كليب وائل. ولا جرمَ أن قُتل بعد ذلك حين رمى ناقة البسوس ( التي دخلت حماه) بسهمٍ فخرمَ ضرعها، وصاحت البسوس عندما رأتها: واذُلّاه، واجاراه، وكانت البسوس في جوار جسّاس بن مرّة، فجاءهُ مُعاتباً: عمدتَ إلى ناقة جارتي، فعقرتَها! فقال له كليب: أتراك مانعي أن أذُبّ عن حماي؟ فطعنه جساس فقصم صلبه، وطعنه بعد ذلك عمرو بن الحارث من خلفه، فقطع قطَنه، ودارت بعد ذلك الحرب الدامية بين بكر وتغلب إبني وائل والمشهورة بحرب البسوس.
إقرأ أيضًا:" على هامش قضية العمالة الاجنبية..واجبات المثقف الأدبية "
وعلى سّنّة كليب وائل ينحو زعماء لبنان هذه الأيام في "محميات" الدولة اللبنانية المتهالكة، وهي المحميات التي صارت على كلّ شفةٍ ولسان، ويعرفها القاصي والداني:( الكهرباء والمياه، اوجيرو وقطاع الاتصالات، المصرف المركزي، المرفأ، الريجي للتبغ والتنباك، شركة إنترا، طيران الشرق الاوسط، مجلس الإنماء والاعمار إلى مجلس المهجرين ومجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة الخ...)، فهذا رئيس الحكومة سعد الحريري يشكو من الاقتراب من "محمياته" في اوجيرو وقطاع الاتصالات، ومجلس الإنماء والاعمار وطيران الشرق الأوسط، وحتى الآن لا يجرؤ أحد على ملامسة محميات الرئيس نبيه بري في مجلس الجنوب وانترا والريجي، (فضلاً عن مغاوير مجلس النواب)، امّا حمى الوزير جبران باسيل( في وزارت الطاقة والخارجية والاقتصاد والبيئة والمناصب الإدارية والأمنية) فقد بات عزيزاً منيعاً، بفضل موقع رئيس الجمهورية الجنرال عون، و"شعبية" التيار الوطني الحر، وايديولوجيا حماية حقوق المسيحيين المهدورة من قِبل إخوانهم المسلمين " الشياطين"، أمّا الهجمات الأخيرة على محميات الزعيم وليد جنبلاط فما زالت قاصرة حتى الآن، بفضل صموده ومقدرته على صيانتها والذّود عن حياضها
محميات تنهش في جسم الدولة اللبنانية، ولا يجرؤ أحد على دكّ حصونها، ولا يوجد بين ظهرانينا جسّاس بن مُرّة، أو هُمام بن مرّة، وعندنا بحمد الله( والذي لا يحمد على مكروه سواه ) ما لا يُحصى من أمثال الزير أبو ليلى المهلهل.