أحكم ستارٌ خفي، وما يزال الفقهاء يحاولون إغلاقه عبثاً منذ ذلك الوقت، وإلى اليوم يكتبون الكتب، هذا يكتب تصحيح الحديث، وذاك يكتب تصحيح التصحيح
 
ينبغي التنبيه والإشارة إلى أنه تستخدم المدارس الإسلامية، بكل طوائفها وأحزابها، مفهموماً حول (كتاب الله وسنة نبيه الكريم محمد "ص") ـ ولهذا ارتبطت كلمة السنة بأحد أهم المصادر التشريعية بعد كتاب الله تعالى.
 
 ومعنى السنة لغةً: هي الطريق أو المنهج، وإصطلاحاً: يقصد بها عند أهل الحديث ما نُسب إلى النبي محمد (ص) من أقوال وأفعال وتقارير..ويمكن القول بأنَّ إطلاق مفهوم السنة هو محصورٌ بشخص النبي (ص)، ويطلق عليها الحديث النبوي الشريف، وأما المدرسة الشيعية الإمامية أضافوا إليها الحديث الصادر عن أئمة أهل البيت المعصومين (ع)، وبهذا هي أعم من السنة النبوية، فتكون:( قول المعصوم وفعله وتقريره).. ومعنى السيرة لغةً: أيضاً هي الطريقة، ويراد بها طريقة سير الإنسان في الحياة، وإصطلاحاً: هي ما كان عليه النبي (ص)  منذ ولادته إلى حين وفاته (ص) – هذا المفهوم هو بابٌ مسحورٌ وستارٌ خفيٌّ، بمعنى: أليس كتاب الله تعالى هو نفسه سنة الله تعالى؟؟ وفي نفس الوقت هو سنة رسول الله!!! فبدلاً من مفهوم (كتاب الله وسنة نبيه "ص" نقول: كتاب الله وسيرة نبيه"ص")، فمفهوم السيرة تشير إلى عمل النبي (ص) وما أقرَّه من السيرة العملية، والذي عمل به الصحابة والتابعين،فعندما نطرح مفهوم السنة بمعنى الرواية أو الحديث، فالأحاديث والروايات عند الفريقين قد أصابها الكثير من التحريف وقد خالطها الكثير من الأحاديث والروايات المنحولة والدخيلة، وفيها الكثير من الأقوال المتناقضة، وكل ذلك يُنسب إلى الرسول (ص)، بالمعنى الأخص، وتنسب أيضاً إلى روايات الأئمة المعصومين (ع) بالمعنى الأعم.
 
وهذا مما جعل عند الفريقين إنتقاء تتلائم مع منهجها وسلطتها، بحسب الطرق التي وضعت للأخذ بالحديث عند كليهما، وهذا مما شكَّل غطاءاً وستاراً دينياً عندهما، وأيضاً هذه المنهجية لديهما تشكِّل عدم كفاية القرآن الكريم، وأنه ليس المصدر الأساسي للتشريع، فيكون بهذا هو أحد المصادر أو ركناً من أركان التشريع، ونلفت النظر ـ كما تقول المصادر التاريخية ـ إن أول من اعتمد فكرة تحديد مصادر الشرع، في أربعة مصادر، هو (الإمام الشافعي / 150ه ت 204ه)  فالمصادر هي : القرآن/ والسنة/ والإجماع/ والقياس/ وهنا فسَّروا الإجماع هو إجماع الصحابة،وذهب السنة إلى أن الإجماع حجة لحديث (ما اجتمعت أمتي على ضلال) واعتبروه أصل من أصول الشريعة،لحديث (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية)، فيكون عند السنة دليلاً مستقلاً كالقرآن والسنة،وعند الشيعة، لا يؤمنون بحديث (ما اجتمعت أمتي على ضلال ) وأيضاً اختلفوا في الدليل الدال على لزوم اعتباره ولزوم الأخذ به، إذا كان المعصوم موجوداً فإنه حجة، وهذا أيضاً اختلفوا فيه، فقال بعض الأعلام كالمرجع السيد الخوئي، إلى أن الإجماع المحصَّل حجة،ولكن الإجماع المحصَّل غير حاصل، وعليه لا يكون الإجماع دليلاً مستقلاً بل يدخل في السنة، وعليه تثبت السنة بالإجماع، كما تثبت بقول الثقات عند الرواة ـ بحسب المنهجية المتبعة للأخذ بالحديث، وأما الدليل الرابع/ القياس عند الشافعي، وعند الحنفية والمالكية، إلى أنه القياس والإستحسان والإستصلاح، وعند الشيعة هو العقل، وأي عقل هو في المستقلات العقلية، وأيضاً اختلفت المدرسة الشيعية الأخبارية التي لا ترى دوراً للعقل، عن المدرسة الأصولية الشيعية ما عدا المستقلات،لا يمكن أن يكون العقل مصدراً مستقلاً بل يكون كاشفاً عن الأحكام، لأن المجتهد قبل كل شيء عليه أن يستخرج الأحكام من أحد الأدلة الثلاثة/القرآن والسنة والإجماع/ فمع وجود واحد منها لا يبقى أي دور للعقل.. وفي كلا المنهجين عند الفريقين، إنقسمت السنة بدورها بين مذاهب الفقه، فأصبح لكل مذهب منهم أحاديث، ولكل فرقة ومذهب ومدرسة لهم أحاديث، وانفتح الباب المسحور، وأحكم ستارٌ خفي، وما يزال الفقهاء يحاولون إغلاقه عبثاً منذ ذلك الوقت، وإلى اليوم يكتبون الكتب، هذا يكتب تصحيح الحديث، وذاك يكتب تصحيح التصحيح، وذلك يكتب تضعيف الضعيف،والداس المدسوس، وآخرون يكتبون موضوع الموضوعات من الأحاديث، أي الإسرائيليات الموضوعة والمدسوسة.