وعقب طرد تنظيم داعش من المناطق السنية، قبل نحو عامين، تحولت العلاقة مع إيران، إلى مصدر لنفوذ قوي في هذه المناطق، بالرغم من ضريبتها الشعبية الباهظة.
واستغلت العديد من الشخصيات الامتيازات التي تقدمها إيران لحلفائها من السنة وممثلي الأقليات الدينية، في مناطقهم، بهدف تعزيز نفوذهم.
واتهم الكلداني والشبكي بالتورط في انتهاكات بحق السكان السنة في مدينة الموصل. وقالت تقارير محلية إن قوات تابعة لهما منعت مئات النازحين من العودة إلى قراهم المحررة في أطراف الموصل. وتقول المصادر إن الكلداني والشبكي يرتبطان بصلة مباشرة مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
ويتهم رجل الدين المسحي البارز، لويس ساكو، الكلداني بالانخراط في علاقات مشبوهة مع ميليشيات تقودها إيران.
أما العاكوب والجبوري، فهما متهمان باستخدام النفوذ الإيراني في الموصل وصلاح الدين لتعزيز نفوذهما في السلطة، وتحقيق مكاسب انتخابية.
وقال سياسي عراقي مطلع على تفاصيل هذا الملف، لـ”العرب”، إن “الولايات المتحدة وضعت برنامجا جديدا لملاحقة المتعاونين مع إيران في العراق”، مؤكدا أن “قائمة الأسماء الأربعة، هي الأولى، وستليها قائمة أخرى تضم ستة أشخاص، بينهم سياسي بارز”.
وأضاف أن “مسؤولين أميركيين، أكدوا لأصدقائهم العراقيين، أن بلادهم عازمة على ملاحقة الشخصيات التي ترد على لوائح العقوبات في المناطق السنية، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية”، مؤكدا أن “الاتهامات تتعلق بفساد أدى إلى انتهاكات لحقوق الإنسان”.
وتابع أن “المعلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة تنسق مع الكثير من الدول حول العالم، لدعم برنامج عقوبتها، بما يضمن حرمان المشمولين بها من أي امتيازات”.
وردا على شموله بالعقوبات، قال أبومازن محافظ صلاح الدين السابق، الذي يتزعم حاليا تحالف المحور في البرلمان العراقي، إن “قرار الخزانة الأميركية لن يشغلنا عن مواصلة مشروعنا العراقي في استكمال خطوات المصالحة المجتمعية وعودة النازحين وإعمار المناطق المحررة بثوابت وطنية خالية من أشكال التمترس الطائفي التي ينتهجها البعض للتغطية على خسارة ثقة المواطن وشركاء العملية السياسية”.
وأضاف “إذ نحن نتفهم معطيات القرار الأميركي ودور خبراء التضليل في إنضاجه فإننا نلتزم بسيادة القرار العراقي بوصفه الفيصل بين الحقيقة ونقيضها مستمدين العزم من دستورية التفسيرات الوطنية وثقة القاعدة الشعبية التي نفتخر بها بعد أن اجتهدنا بالوقت الصحيح واتخذنا الموقف الشجاع بمواجهة الإرهاب بكل عناوينه وأهدافه للحفاظ على سيادة العراق وأخوة شعبه”.
وبالرغم من أن تعليق “أبومازن” على القرار الأميركي، أثار السخرية في الأوساط السياسية، لاسيما لدى إشارته إلى “استكمال مشروع المصالحة” و”إعمار المناطق”، بسبب الاتهامات الواسعة التي طالته بسبب هذين الملفين، إلا أنه فتح الباب على أسئلة تتعلق بـ”سيادة القرار العراقي”، وموقف الحكومة من عقوبات الخزانة الأميركية.
وانقسم ساسة ومراقبون بشأن تقييم أثر هذا القرار.
وقال أثيل النجيفي، وهو محافظ نينوى السابق، الذي أطاح به البرلمان من منصبه، بتهمة التخابر مع دولة أجنبية، ثم تعيين العاكوب بدلا منه، إن “العقوبات الأميركية على أبومازن – العاكوب – (الشبكي) – الكلداني.. إشارة إلى أهالي المناطق التي ضربها الإرهاب بأن المجتمع الدولي حريص على المشاركة في مرحلة تغيير قادمة”.
وتقول زينب ربيع، وهي إعلامية وناشطة إنه “بصرف النظر عن الشخصيات المشمولة بعقوبات وزارة الخزانة الأميركية، فإن القرار يفسر أمرين لا ثالث لهما: إما أن الحكومة والقضاء في العراق عاجزان عن محاسبة المقصرين والمدانين والمجرمين، أو أنه اعتراف صريح بالوصاية الأميركية على العراق”.
ويعتقد مراقب سياسي عراقي أنه بالرغم من أن القرار الأميركي لم يتوجه إلى الرؤوس الكبيرة التي تحوم حولها شبهات الفساد وجرائم انتهاك حقوق الإنسان فإنه يعد بمثابة صفعة لأسلوب نفعي في العمل صار الولاء لإيران هو مقياسه الوحيد.
واحتمى الكثير من الحزبيين في المناطق ذات الأغلبية السنية بعلاقاتهم المتنامية بزعماء الميليشيات الشيعية من أجل الاستمرار في سرقة المال العام على حساب مشروع إعادة الإعمار الذي صار بسبب عمليات الفساد التي نخرته مجرد وهم لم يستفد منه سكان المدن التي هدمتها الحروب المتتالية فظل معظمهم في حالة نزوح بعيدا عن بيوتهم ومزارعهم.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب”، إن اللافت في الأمر أن القرار وجه في جزء منه ضربة إلى الحشد الشعبي حين ضم شخصا مثل ريان الكلداني الذي أسس ميليشيا مسيحية، كان يفاخر دائما بأنها جزء من الحشد الشعبي، وهو ما جعله قادرا على مصادرة القرار المسيحي بحيث صارت المناطق التي يسيطر عليها مقاتلوه كما لو أنها تابعة لإيران.
ومن الواضح أن العقوبات هدفت إلى قطع ذيول الحشد بغية تحجيمه وفي الوقت نفسه إلى رفع الغطاء الإيراني عن المناطق التي يفترض أنها لا تقع تحت هيمنته.
غير أن القرار الأميركي لن يكون مؤثرا بشكل لافت إذا لم يكن بداية لقرارات تشمل الرؤوس الكبيرة التي فتحت أبواب العراق أمام النفوذ الإيراني وساهمت في تحويل العراق إلى معسكر أمامي لإيران في صراعها مع الولايات المتحدة.
ويؤكد المراقب أنه من غير ذلك فإن قطع الذيول الثانوية سيكون مجرد إجراء ثانوي لن يمنع من خلق ذيول جديدة في المناطق “السنية والمسيحية” من أجل إعادة إنتاج فاسدين ومجرمين جدد.