بسبب كرة القدم فازت حركة النهضة في الانتخابات البلدية في مدينة باردو، في ضواحي العاصمة التونسية.
تابع الناخبون مباراة تونس ضد السنغال وبددوا حقهم الانتخابي. تلك نتيجة محزنة أفرحت راشد الغنوشي الذي يعد نفسه لرئاسة البرلمان التونسي بعد ترشحه للانتخابات التشريعية.
ستكون مناسبة سعيدة للغنوشي للّعب بالقانون. تلك فكرة نهضوية يُراد من خلالها السيطرة على المجتمع التونسي من خلال تغيير القوانين بعد أن صار استعمال العنف فضيحة.
الغنوشي يسعى إلى دولة القانون. ولكنه القانون الذي ينسجم مع مشروعه في بناء إمارة إسلامية تكون بمثابة إعلان عن بدء المشروع الإخواني.
ما لم يحققه الآخرون عن طريق العنف يأمل الغنوشي في تحقيقه عن طريق الديمقراطية. وهي ديمقراطية غادرة، سيكون الشعب التونسي مسؤولا عن نتائجها المأساوية إذا ما تعامل معها بالطريقة التي أدت إلى فوز النهضة في بلدية باردو.
الرجل المراوغ ينتظر أن تغفو تونس ليقفز إلى رئاسة البرلمان.
حينها ستحكم حركة النهضة تونس بغض النظر عن شخصيتي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. سيكون الاثنان تابعين للغنوشي بسبب طبيعة نظام الحكم المتّبع.
ذلك يعني أن تونس ستستمر في وضعها الرث. لن يمارس البرلمان دوره الرقابي في ما يتعلق بالخدمات وبالأداء الحكومي وبهدر الأموال، بقدر اهتمامه بإنشاء آليات لمراقبة المجتمع في كل حركة من حركاته.
بدلا من أن يراقب الحكومة سيراقب البرلمان المجتمع. ذلك ما تسعى إليه حركة النهضة؛ أن تكون رقيبة على المجتمع.
هناك انتقام مبيّت ضد النساء ستمارسه النهضة من خلال “الأحوال المدنية”، وهو ما سيمرره الغنوشي إذا ما جلس على كرسي رئاسة البرلمان.
ذلك التحدي الذي تعرفه التونسيات وهن مدعوات إلى تجنيد المجتمع ضد وصول الغنوشي إلى البرلمان بأكثرية مريحة. فالرجل لا يبيّت لهن إلا الشر. ذلك لأنه يدرك جيدا أن الحقوق المدنية للنساء هي حجر الأساس لمقاومة المجتمع المدني في وجه أصوليته وسلفيته وتشدده العنصري ضد النساء.
أعتقد أن الشعب الذي يطالب بالتغيير من أجل أن تكون تونس أفضل ومن أجل أن لا يقع المجتمع فريسة لاستعباد الجهلة والقتلة واللصوص، عليه أن يغير عاداته وينتصر على سلبيته في النظر إلى دوره في العملية الديمقراطية. ذلك هو خياره الوحيد ليثبت أهليته لبناء تونس حديثة.
من غير ذلك فإن ثورته ستكون مجرد ذكرى. سيسمح الثوار للندم بأن يعصف بهم بعد أن تخلوا لأسباب تافهة عن الاستمرار في التعبئة الشعبية والإمساك بخيوط الحل التي ما إن تفلت من أيديهم حتى يمسك بها أعداء مستقبلهم الذين يقفون لهم بالمرصاد.
أن يسفر نضال الشعب التونسي عن هيمنة حركة أصولية متخلفة على الدولة والمجتمع، فإن ذلك معناه خيانة تاريخية لواحدة من أكثر ثورات عصرنا نبلا ورقيًّا وبعدًا عن العنف.
تلك نتيجة سوداء ستفتح أبواب تونس على عنف يفخر التونسيون بأنهم تخطوا حاجزه. فما يجب أن يكون واضحا بالنسبة لهم أن الغنوشي لا يقول الحقيقة في ما يتعلق بمشروعه السياسي. ذلك لأنه ليس متوقعا منه أن يخبر التونسيين بأنه يخطط لإقامة إمارة إسلامية على غرار إمارات داعش.
ومخطئ من يعتقد أن الرجل الذي سبق له وأن كفر لأسباب سياسية العديد من الكيانات والأشخاص قد تغير بعد أن وصل إلى سدة الحكم. فالإخواني لا يتغير ويظل محافظا على ثوابته في الحاكمية والبراء والولاء، لكنه لن يعلن عنها إلا في الوقت الذي يراه مناسبا. وأعتقد أن وصول الغنوشي إلى رئاسة البرلمان هو ذلك الوقت.
سيكون الوقت متأخرا لاستدراك الخطأ حين يكشف الغنوشي عن وجهه الحقيقي. لذلك فإن على الشعب التونسي أن لا يرتكب خطأً، يكون بمثابة الضربة التي تقضي على مستقبله المدني.