لا يستطيع أحد الأطراف أن يصدِّق أنّ حادثة قبرشمون أدّت إلى إعادة توحيد الموحّدين الدروز حول البيت الجنبلاطي، الذي شهد تراجعاً ملحوظاً في الانتخابات النيابية، وأعادت تعويم رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط وطنياً، فيما كان الهدف دفعه من تنازل إلى آخر وصولاً إلى قلب التوازنات داخل البيت الدرزي، فيكون ما عجز عن تحقيقه النظام السوري ولاحقاً «حزب الله»، حققه الوزير جبران باسيل، بما يخدم النظام والحزب معاً.
وما تجدر ملاحظته، أنّ وضع النائب طلال ارسلان لم يتعزّز بهذا القدر لا في حقبة النظام السوري، ولا في الحقبة الممتدة من عام 2005 حتى عام 2016، إنما تعزّز مع التسوية الرئاسية وعلى يد باسيل تحديداً، وليس خافياً على أحد أنّ «حزب الله» كان منزعجاً من ارسلان في الانتخابات لانّه لم يتجاوب مع مساعيه لتركيب لائحة تجمعه والوزير السابق وئام وهاب، وأصرّ على وضع أوراقه لدى باسيل.
وخطأ باسيل التاريخي يكمن في دخوله على خط التوازنات الدرزية- الدرزية من دون الاتعاظ من تجارب التاريخ المُرّة والقاسية، فيما كان الأجدر به ان يترك التوازنات الدرزية تفرز نفسها بنفسها من دون تدخلات خارجية واضحة المعالم، هدفها تمكين طرف على حساب طرف آخر، وردّ فعل «الإشتراكي» لم يكن ضد المسيحيين، إنما في سياق رسالة درزية داخلية، أنّ قلب التوازنات لن يتحقق في غفلة من الزمن، وعلى يد قوى خارجية وضد مصلحة الموحّدين.
وتحدث البعض، عن انّ أكثر ما أزعج الرئيس ميشال عون على أثر حادثة قبرشمون تمثّل في ثلاثة أمور أساسية:
الأمر الأوّل، توسُّط الرئيس نبيه بري لمصالحة الرئيس سعد الحريري وجنبلاط في خضم الاشتباك المستعر حول الحادثة وخلفياتها ومن يقف خلفها ويتحمّل مسؤولياتها، وبدلاً من ان يكون جنبلاط في موقع المعزول وطنياً، جاء بري ليمدّ له يد الإنقاذ والنجاة ويعيد ترميم علاقته المترنحة بالحريري ويحوِّل باسيل إلى موقع المعزول وطنياً، فيما كان بإمكان بري أن يرحِّل وساطته إلى وقت آخر.
وقد شبّه البعض هذا اللقاء باللقاء الذي عُقد في دارة جنبلاط في كليمنصو في تموزعام 2001 وجمع إلى جنبلاط بري والشهيد رفيق الحريري، وكان سبق مصالحة الجبل بأسابيع، الأمر الذي فُسِّر بالتهيئة لتغيير التوازنات الداخلية، فتمّ الانقضاض عليه.
الأمر الثاني، ان يلتقي الحريري بجنبلاط في هذه اللحظة بالذات، فيما كان بإمكانه أيضاً ان يرحِّل المصالحة إلى وقت آخر، لأنّ الانطباع الذي ستعطيه، انّ رئيس الحكومة يقف إلى جانب جنبلاط ضد باسيل، ويستحيل تبرير خلاف ذلك. وهذا الانطباع لا يقف عند حدود ثلاثية بري والحريري وجنبلاط، إنما يتعداه إلى رئيسي «القوات» سمير جعجع و»المردة» سليمان فرنجية، وكأن البلاد باتت أمام تقاطع خماسي ضد العهد وبالحد الأدنى ضد باسيل.
الأمر الثالث، تأكيد كتلة «الوفاء للمقاومة» في بيانها الأسبوعي على الآتي: «إنّ التصالح شأن داخلي في صلب تقاليد اللبنانيين وممارساتهم الحياتية، وهو أمر نحبّذه دائماً ونشجّع عليه ونشدّ على أيدي من يسعى إليه بين الأطراف المتنازعين. وكلما استند التصالح إلى القواعد القانونية كلما كان أثبت وأقوى، وإننا نشارك أهل الخير اهتمامهم وجهودهم، ونأمل التوصل في إطار القانون إلى حل تصالحي يعزّز التزام السلم الأهلي وأحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني».
هذا البيان صدر قبل يوم واحد على إطلالة السيد حسن نصرالله، والسؤال: لماذا لم يتضمن البيان المطالبة بالمجلس العدلي، التي جاءت وبإصرار على لسان نصرالله، بل على العكس جاء مخالفاً لنص وروحية كلام نصرالله العدائي ضد جنبلاط، حيث تحدث البيان عن حلول تصالحية تدخل في سياق التقاليد اللبنانية، ما يعني أنّ المقصود كان طي صفحة حادثة قبرشمون؟ فماذا عدا ممّا بدا ليتحول موقف «حزب الله» من التصالحي إلى العدائي؟
والجواب وفق التحليلات، انّ الرئيس عون تحدث إلى السيد نصرالله، ناقلاً إليه وجهة نظره بأنّ ما يحصل هو تطويق محكم له ومن كل الجهات، فوعده بتغيير المعطيات، رافضاً ان تؤدي حادثة قبرشمون إلى انقلاب السحر على الساحر، وهذا ما دفع الأمين العام لـ»حزب الله» إلى تغيير موقف حزبه ومحاولة قلب الطاولة التي كان قلبها جنبلاط لمصلحته.
ولكن «حزب الله» لا يستطيع ان يذهب بعيداً في الضغط على جنبلاط لاعتبارين أساسيين: تمسّكه بالاستقرار الأمني لناحية تهدئة النفوس في الجبل وعدم تطور الإشكالات، لأنه ليس من مصلحته انفراط الوضع الأمني، وتمسّكه بالاستقرار السياسي، لأن ليس من مصلحته أيضاً ضرب الانتظام القائم، وكل ذلك بسبب أولويته الإقليمية القصوى.
وسط كل هذا المشهد يبقى السؤال: كيف ستنتهي حادثة قبرشمون سياسياً؟ وهل تُحلّ وفق القاعدة التصالحية التي تحدث عنها «حزب الله»، أم انّ هناك من يريد جرّ الحزب إلى غالب ومغلوب؟ وهل بإمكانه ذلك؟