جاءت هذه الانتقادات للقول، انّ الغياب الدولي والعقوبات الأحادية لن يكون في وسعها تسديد ضربة قوية للاقتصاد الإيراني، كذلك، حتى لو ثبت انّ العقوبات فعّالة، لا بدّ من القول انّها عاجزة عن تحقيق الأهداف الأميركية، كما أنها تتسبب بردود فعل عليها قد تعطّل دور الولايات المتحدة الأميركية وقدرتها على شن حرب إقتصادية ضد خصومها. لكن، وكما هو ظاهر، ألحقت العقوبات الأميركية بالاقتصاد الإيراني ضربة موجعة، باعتراف الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال انّ الحملة ألحقت اضراراً فادحة بإيران اكثر مما عانته خلال 8 اعوام من الحرب مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي.
وباعتراف الخبراء الأميركيين، ان افتقار أميركا للدعم الدولي سيجعل من غير الممكن تحقيق ضغط اكبر مما كان عليه الحال في العام 2012. وبالتالي فإن مسألة العقوبات الأحادية الجانب قد تفشل في تحقيق أهداف الادارة الأميركية وأهمها، انهيار النظام الايراني وأنشطة ايران وحلفائها في الشرق الأوسط، وتصاعد التوتر في المنطقة بشكل ملحوظ، الأمر الذي يجعل العودة الى طاولة المفاوضات صعباً جداً، لاسيما انّ المرشد الأعلى للجمهورية الايرانية آية الله علي الخامنئي رفض مراراً فكرة دبلوماسية ترامب. هذا الأمر يعني في المنطق، انّ استراتيجية الضغط الأول فشلت وينبغي التخلّي عنها لتجنّب كارثة وشيكة.
هكذا نرى أميركا تتخذ جميع الوسائل للحدّ من أنشطة ايران النووية وتجرّها الى مائدة مفاوضات جديدة تحرمها من التخصيب النووي وسواه.
تهدف الضغوط والعقوبات الجديدة الى منع كبار المسؤولين الايرانيين من استخدام النظام المصرفي الدولي او أي من الأدوات المالية التي انشأتها الدول الأوروبية او دول اخرى، علماً انّ المسؤولين الايرانيين على الأرجح لا يحتفظون بأموال ضخمة في البنوك العالمية، وكل ذلك له عنوان واحد فقط لا غير حسب ترامب والمسؤولين الأميركيين «لا يمكن لايران امتلاك سلاح نووي».
الخوف من فرض مزيد من العقوبات يمكن ان يتسبّب في مزيد من الاجراءات من جانب ايران، إضافة الى الأزمة التي ظهرت منذ مطلع ايار في الخليج الفارسي وخليج عمان حسبما يقول المحللون.
وقال مستشار الرئيس روحاني حسام الدين، انه اذا ما كانت الولايات المتحدة الأميركية تريد اكثر من اتفاقية العام 2015 فيجب ان تقدّم لنا اكثر من ضمانات دولية. وكما يبدو، ان أميركا تستخدم سياسة ضبط النفس وتفضلها على شن ضربة عسكرية فورية لمحاولة تغيير سلوك ايران واجبارها على التغيير السياسي وصولاً الى العودة الى مائدة المفاوضات بشروط تريدها اميركا افضل، لتحسين اتفاقية 2015 مع احتواء التصعيد الايراني وتجنّب حرب باهظة التكاليف.
ولمن يريدها حرباً، سوف يعلم انها ستكون على مثال حرب العراق مع فارق كبير، انّ الشعب الأميركي والادارة معه تعلّما درساً لا يُنسى، ودفعوا كلفة باهظة في حرب العراق. وحسب الدراسات، فانّ حرب العراق كلّفت الادارة الأميركية 3 تريليون دولار بالاضافة الى المصابين والمعوقين. الامر الذي يجعلها تتخطّى هذا المبلغ بكثير. والسؤال الذي يطرح نفسه، من سيدفع كلفة هذه الحرب على ايران؟ واذا ما كانت دول الخليج مستعدة لذلك، ما تأثير ذلك على النفط وسعره العالي؟
كلها عوامل تجعل من ادارة ترامب حذرة ومتريثة قبل الاقدام على اي أمر كهذا. علماً انّ العرب جلّ ما سوف يقدّمونه هو المال، وسوف تدفع أميركا جنودها في حرب ضروس تأكل الاخضر واليابس.
قد تكون العقوبات هي السبيل الوحيد لجرّ ايران الى طاولة المفاوضات والخروج باتفاقية تعطي اميركا شروطاً افضل. هذا وتقرّ ايران بأنّ برنامجها النووي سلمي تماماً، والامتثال للاتفاقية تمّ التحقّق منه بواسطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي كرّرت مراراً، انّ ايران تحترم التزاماتها. ولكن يبدو انّ ترامب غير مكتفٍ بهذه الاتفاقية التي وحسبه، «لم تجلب الهدوء ولم تحقق السلام». وأشار الى انه سيعمل على ايجاد اتفاقية حقيقية ودائمة تتناول ليس فقط البرنامج النووي الايراني، بل ايضاً اختبارات الصواريخ الباليستية والأنشطة في جميع انحاء الشرق الأوسط.
هذه العقوبات طالت ايران وحلفاءها في لبنان، واستهدفت أعضاء في البرلمان اللبناني، الأمر الذي يؤكّد عزم البيت الأبيض على تصعيد الضغط على ايران من خلال معاقبة المجموعات المرتبطة بها. وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية «حزب الله» منظمة ارهابية، على الرغم من انّ الحزب جزء شرعي من الحكومة اللبنانية وله كتلة فاعلة في المجلس النيابي اللبناني ومدعوم من شرعية كبرى في النسيج اللبناني. وهنا يبدو الأمر مرتبكاً بعض الشيء، لاسيما وانّ «حزب الله» هو حزب لبناني وليس ارهابياً واعضاء البرلمان منتخبون من الشعب اللبناني حسب وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل. وهذا الوضع ينطبق على الميليشيات العراقية المدعومة من ايران والتي هي، وعلى غرار «حزب الله»، معترف بها رسمياً، ومنضوية تحت قوات التعبئة الشعبية وتدفع الحكومة العراقية رواتبهم. وهنالك عقوبات اضافية يجري استطلاعها.
تبدو الامور حتى الآن دقيقة للغاية، وتبدو اميركا مكبّلة اليدين، ليس فقط من باب الاحتراز، انما خوفاً من ان يأتي العقاب الجماعي ضد ايران وحلفائها في لبنان والعراق بنتائج عكسية لما يريده المسؤولون في الادارة الاميركية.
والسؤال الأخير، هل فقدت اميركا قدرتها ولم تعد المرجعية الأوحد؟ وهل تتراجع الدول الاوروبية عمّا صرّحت به لغاية الآن وتلتزم الصف الأميركي؟ وهل الصين وروسيا على استعداد لدعم قرارات استنسابية للرئيس الأميركي؟ الصورة غير واضحة، انما الاكيد انّ خبرة أميركا في حروب الشرق الأوسط لا توحي بالتفاؤل، وعليها ان تعيد حساباتها قبل الدخول في متاهات حروب سوف تنهك صبرها وتفقدها مصداقيتها، لاسيما وانها تكون قد تضررت بقرار الحرب.
هذه هي اللعبة، وعلى اميركا الحذر وتحريك حجارة الشطرنج بطريقة ذكية وإلّا، دفع العالم أجمع ثمن تهوّر الرئيس الأميركي وفريق عمله.