مازال المسيحيون على عادتهم من الغرباء تنتابهم نوبات غريبة من كل غريب بحسب توصيفهم وتقييمهم للغرباء رغم أن ذلك يحتاج الى نقاش كيّ نؤمن بأن هناك غرباء بالمعنى الذي يذهب اليه المسيحيون من تسمية الفلسطينيين الى السوريين الى من خالفهم في اللبننة المتعصبة رغم أن سياسة التجنيس للغرباء هي مسيحية بامتياز وما الخلاف على التجنيس الأخير إلا دلالة واضحة على من جعل " الغرباء " أصحاب الدار .
قامت حرب 1975 على عقدة الوجود الفلسطيني الغريب وطحنت ما طحنت من بلاد وعباد دون أن تنتهي قصّة الوجود الفلسطيني في لبنان والذي استمر بكثافات بشرية هائلة جعلت منهم طائفة جديدة مضافة الى الطوائف اللبنانية بل وأكثر عدداً من طوائف لبنانية ولم يتصالح المسيحيون مع فكرة الوجود الفلسطيني لا قبل الحرب ولا معها ولا بعدها رغم أنهم هم من قبل بالصفقة الفلسطينية عندما كانت السلطة السياسية بيد المارونية، وحتى اللحظة الراهنة يرفض المسيحيون التعاطي مع الوجود الفلسطيني كشبه دائم وينظرون اليه كوجود مؤقت يجب البحث الجدي عن خيارات للفلسطينيين خارج الكيان اللبناني .
ما حصل مع الفلسطينيين تكرر مع الوجود السوري منذ لحظات النزوح المتتالي لهم من محافظات وأرياف سورية نتيجة الحرب المدمرة لهم فتعالت صرخات المسيحيين من تزايد أعداد الغرباء مخافة الوقوع أيضاً في حبال شيطان التوطين فيصبح اللبنانيون قلّة ويصبح المسيحيون أصغر الأحجام وهذا ما يضر بوجودهم الفاعل في لبنان وتسقط التوازنات الطائفية الدقيقة لصالح طائفة إسلامية وهذا ما يٌهدد بسلامة الكيان .
اقرا ايضا : اذا ضربت أميركا إيران ستزول اسرائيل
نام الفلسطينيون في مخيماتهم بعد أن حكموا لبنان وعصفت بهم رياح الإحتلال الإسرائيلي وانتهى دورهم وباتوا سجناء تجربتهم المرّة وهذا ما أعادهم الى ما كانوا عليه قبل الحرب باستثناء أمنهم الذاتي وباتوا مستلحقين بالتيارات السياسية اللبنانية وبدول لها تأثيراتها المباشرة على السياسة اللبنانية وشُلت أيديهم عن العبث بالسياسة كما كانوا أثناء مسك منظمة التحرير اللبنانية زمام الأمور في لبنان .
لا شك بأن الفلسطينيين الآن في أسوأ حالاتهم السياسية والإقتصادية والمخيمات تعج بمشاكل لا حلّ لها مع تراكم الأزمات المتعددة الوجوه دون إمكانية تُذكر لحلّ المشاكل ولولا المنظمات الدولية ودور الأنروا على خصوص لوصل صوت الفلسطيني الجائع الى كل مصر عربي ولولا دعم بعض الدول المستفيدة من فرضية القضية الفلسطينية لوصل صوت الفلسطيني المستغيث الى من لا يسمع صوته المقهور .
فجأة تجري ضرورة تنظيم العمالة الفلسطينية مجراها في الوسطين الفلسطيني - اللبناني وتعتكر المياه الصافية وتتلبد أجواء المخيمات بغيوم أكثر سواداً من سحائب السموم المنتشرة فوقها وهذا ما يعيد الدور الفلسطيني المطلبي الى أوج أدواره وهذا ما يذكرنا بالجولات الفلسطينية المطلبية أبّان السبعينيّات واصطدام الفدائيين بالدولة على خلفيات إجتماعية وسياسية وهذا ما كرّس نزعة عدائية بين الفلسطينيين والسلطة غذّت الحرب الأهلية بكل ما تملك من كره مشترك بين الغرباء وأهل الدار .
في السياسة لا شيء بريء لذا لا يمكن اعتبار القرار الوزاري مجرد إجراء طبيعي في بلد تتداخل في أصغر قراراته مصالح دول كبرى و دصغرى وتوازنات دقيقة في الحسابات السياسية اللبنانية التي تعتاش على أدق التفاصيل .