يكاد يكون لبنان البلد الديمقراطي الوحيد في العالم حيث لا معارضة ولا محاسبة سوى في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
في سوق عكاظ جلسات مجلس النواب لمناقشة الموازنة وإقرارها، تسجّل سلسلة مشاهدات-مفارقات غريبة عجيبة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً، يتهافت طالبو الكلام للمزايدة في جَلد الموازنة، وكأن لا علاقة لهم بها، ولا ينتمون الى الاحزاب والقوى السياسية التي أعدّتها في مجلس الوزراء، ثم عدّلت نحو نصف بنودها في لجنة المال والموازنة، علماً ان هذه الاحزاب والقوى أهدرت، في أقسى المخاطر الاقتصادية والمالية التي تنوء تحتها البلاد، ستة اشهر من العام 2019 في مخالفة دستورية، بتقاعسها عن تقديم الموازنة ضمن المهل المحددة.
ثانياً، يكشف الخطباء فضائح من العيار الثقيل، في تكرار الأحاديث عن فضائح في إهدار المال العام والسمسرات والصفقات والمحميات، وتقصير فاضح في تحمّل المسؤوليات واتخاذ القرارات والمعالجات، ولا يسمّون متهماً، ما يعني ان هناك جرائم موصوفة في حق الوطن والشعب ولكن ليس هناك مجرمون.
ثالثاً، لا يشكّل كشف كل هذه الفضائح من النواب إخباراً لنيابة عامة، لا تجرؤ أصلاً على المبادرة في ملاحقة أي ملف فضائحي، لأنّ كل فضيحة من العيار الثقيل لا يقف وراءها سوى قائد أو زعيم سياسي.
رابعاً، يجيد النواب توزيع الاتهامات بالفساد والكساد، وتحويل الاخضر الى يباس ورماد، والغالبية العظمى من المتَّهمين هم من الاحزاب والقوى السياسية التي ينتمون اليها، وهم جالسون أمامهم، يُطرَبون بسماعهم، ويصفّقون لقدرتهم على إيهام الناس بأنّ أرباب الهدر والعجز والمحميات والاحتكارات، وكل الموبقات، ليسوا من هذا البلد وإنما من أهل المريخ.
خامساً، يرجمون الموازنة، ويعدمون بركاتها، وينعون مفاعيلها، ثم يسارعون الى منحها الثقة.
سادساً، يتحدثون بلغة المعارضة، وهم ائتلاف تقاسموا السلطة وخيراتها وفسادها ومحمياتها، ومَحوا المعارضة في بدعة ديمقراطية سمّوها «التوافق الوطني» أو «الوحدة الوطنية»، وهم عاجزون عن أداء أبسط واجباتهم كعقد اجتماع لمجلس الوزراء، كلما «دَق الكوز بالجرّة».
سابعاً، يتحدثون عن إهدار المال العام، وإغراق القطاع العام بالتوظيفات السياسية وغير القانونية، وفضائح في قطاع الكهرباء ضاعفت الى حد ما الدين العام، والتهرب الجمركي والضريبي والمعابر غير الشرعية، وغيرها، وكأنهم أبرياء ولا سلطة في أيديهم للمعالجة، وغير قابضين على السلطة أو متجذّرين في دهاليزها، منذ سنوات وسنوات.
في بلاد العجائب وحدها تحصل مثل هذه الغرائب، المتّهِمون والمتَّهَمون فريق واحد يجلسون في قاعة واحدة، متسلحين بشعار زعيم النازية أدولف هتلر، «إنّ من حسن حظ الحكام أنّ الناس لا يفكرون».