السبب الأساسي لقيام الإدارة الأميركية برفع مستوى العقوبات على «حزب الله» والتفكير في احتمال أن تشمل حلفاءه السياسيين وقطاعات عدة في الدولة اللبنانية، يعود أساساً إلى معلومات جرى تداولُها، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية السنة الماضية، وتشير إلى أنّ «الحزب» آخذ في «التعمق» داخل مفاصل الدولة وخرقها إلى حدّ أنه يتحكّم بغالبية القرارات الأساسية فيها.
ويقول بعض المطلعين إنّ الإدارة الأميركية أرادت من خلال شمول العقوبات الأخيرة نائبين منتخبين، توجيه رسالة إلى الدولة في لبنان مفادها أنّ المؤسسة الرسمية اللبنانية ليست بالتأكيد في منأى عن الاستهداف، لأنها تتعرض لخروقات تزداد عمقاً من جانب «الحزب». وهي تشكل تحذيراً جديداً إلى القوى السياسية والحكومة في لبنان من أنّ تسليم البلد إلى «الحزب» ووضعه في دائرة نفوذه، وتالياً نفوذ إيران، سيضطر واشنطن إلى أخذ البلد كله في جريرة «الحزب» وإيران.
وفي الأساس، تلقّى الأميركيون من القوى اللبنانية التي يعتبرونها صديقة لهم وعداً بأن تكون الانتخابات النيابية الأخيرة فرصة لتقليص نفوذ «الحزب» في الدولة، لكن النتيجة جاءت معاكسة، إذ صار «الحزب» يسيطر على الغالبية النيابية.
وبعد الانتخابات، ضغط الأميركيون لمنع سيطرة «الحزب» على الحكومة، لكن النتيجة جاءت معاكسة أيضاً، لأنّ القاعدة التي جرى اتّباعُها هي أن تكون الحكومة صورة مصغرة عن المجلس.
لذلك، هناك أصوات ذات تأثير داخل الولايات المتحدة كانت قد نصحت بالعمل على تغيير الطبقة السياسية في لبنان لأنها معتادة على «التعاون» مع «الحزب» وتسهيل أموره ولا تستطيع الخروج من دائرة نفوذه.
لذلك، تحدثت المعلومات عن أنّ الأميركيين وجّهوا تحذيرات مباشرة إلى القوى اللبنانية المشاركة في الحكم، جميعاً، من مخاطر هذا النهج. وفي الترجمة، لم يعد مستبعداً أن تصل العقوبات في مراحلها المقبلة إلى هذه القوى، بدءاً بحلفاء «حزب الله»، والدولة ككل… مع الحرص على استثناء مؤسستين فقط: الجيش ومصرف لبنان.
في الرسائل التي تلقاها لبنان الرسمي أخيراً، جرى تحذير المؤسسات العسكرية والأمنية من احتمال أن يخرقها «حزب الله» بنفوذه. وقد تمّ إبلاغ المسؤولين المعنيين بهذا الأمر مباشرة.
كما يجري تحذير مصرف لبنان من أمرٍ مماثل. وطبعاً، هناك رصدٌ صارم للقطاع المصرفي اللبناني، نتيجة معلومات تردّدت عن تمادي بعض المعنيين فيه بتأدية خدمات غير منظورة لـ«الحزب». وهذه الخدمات جرى كشف بعضها، وهي موضع تساؤل وتدقيق لدى القطاع المصرفي الأميركي، كما في العديد من الأوساط العالمية، خصوصاً في أوروبا.
ويتردّد أيضاً أنّ «الحزب»، في موازاة «المَوْنة» على حلفائه وشركائه كبار المسؤولين في مؤسسات الحكم، يتحكم بشبكة كاملة من النافذين داخل الأجهزة والمؤسسات الرسمية، ما يوفّر له التغطية في كل ما يحتاج إليه داخلياً.
ولذلك، يرتاح «حزب الله» تماماً إلى تركيبة السلطة القائمة حالياً، ولا يرغب في تغييرها. وعلى العكس هو يقاتل من أجل تثبيتها، ومن مصلحته أن ينفي أيَّ ارتباط بينه وبين المؤسسات الرسمية، على رغم المعلومات التي يجري تداولها في العديد من الأوساط الدولية عن قيام «الحزب» بـ«خردقة» أجهزة الدولة ومؤسساتها بشكل متزايد.
ويقول المتابعون للموقف الأميركي إنّ «المهلة» التي تمنحها واشنطن للحكومة اللبنانية ليست قصيرة. وهي أساساً بدأت منذ منتصف التسعينات من القرن الفائت، لكنها دخلت حيِّز الجدية بعد عام 2005، وتزداد إلحاحاً في ضوء التحديات التي يفرضها الصراع الأميركي- الإيراني.
لكن المراهنة على أنّ هذه المهلة مستمرة «إلى الأبد»، بحجة أنّ لبنان «دلّوع أميركا» الشرق أوسطي، ليست في محلّها. وفي أيّ لحظة قد تنتهي المهلة ويصبح لبنان أمام مواجهة طارئة، بل مصيرية، مع القوة الدولية الوحيدة التي يمكنه الحصول منها على دعم فاعل، لا صُوَري.
إذا قال بعض اللبنانيين لـ«حزب الله»: أُخْرُج من الدولة وقرارها! فإنّ حرباً محتملة قد تندلع في الداخل…
وإذا بقي «الحزب» يمعن في «خردقة» الدولة وقرارها، فسيقع لبنان كله في مواجهة مع الولايات المتحدة و«آخرين» عاجلاً أو آجلاً…
وإذا طلب بعض اللبنانيين من «حزب الله» حواراً حول الدولة وقرارها وخياراتها فستدور طواحين الحوار، ربما لسنوات وسنوات، ولا تطحن شيئاً…
لذلك، هل غريب أن يكون لبنان متروكاً للمقادير؟